وثائق سريّة مهرّبة عن فيروس “كورونا”

صحة 2 كانون الأول, 2020

جاء في موقع “أساس”:

مع دخول دول العالم في الموجة الثانية من جائحة كورونا، وتخطّي عدد المصابين الـ63 مليوناً، وعدد الوفيات المليون ونصف المليون، منهم 270 ألف وفاة في الولايات المتحدة وحدها، لم يغب عن البال المسؤولية التي تتحمّلها الصين بوصفها البؤرة الأولى للوباء، ومنطلق الفيروس في أرجاء الأرض، وفي الأقل، الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة الصينية وأجهزتها المختلفة، عند ظهور أولى الإصابات في ووهان، ولدى تشخيص المرض، وتحديد خصائص الفيروس الجديد.

في هذا السياق، حصلت قناة CNN، على تسريبات صينية داخلية، تروي الحكاية من بداياتها في ووهان، وأمعنت فيها تحليلاً وتنقيباً بحثاً عن الخلل الذي أصاب العالم بكامله بالعطب، منذ عام كامل، في محاولة لتحميل الصين مسؤولية ما جرى.

في العاشر من شباط الماضي، ظهر الرئيس الصيني شي جينبينغ Xi Jinping، أول مرة علناً، منذ توارد أنباء الفيروس، فتحدّث عبر الفيديو مع العاملين الطبيين في الخطوط الأولى بوجه الجائحة في ووهان، ولم يكن الفيروس قد حظي باسمه العلمي بعد.
وفي اليوم نفسه، أبلغت السلطات الصينية عن 2.478 حالة مؤكدة جديدة، ما رفع العدد الإجمالي العالمي إلى أكثر من أربعين ألف حالة، مع ظهور أقل من 400 حالة خارج الصين. لكن هذا لم يكن سوى جزء من الصورة.

يكشف تقرير صيني يحمل علامة “وثيقة داخلية، يرجى الحفاظ على سرّيتها”، أنّ السلطات الصحية المحلية في مقاطعة هوباي، حيث اكتشف الفيروس لأول مرة، رصدت ما مجموعه 5.918 حالة في 10 شباط الماضي، أي أكثر من ضعف العدد الرسمي للحالات المؤكدة، ما يقسم العدد الإجمالي إلى مجموعة متنوّعة من الفئات الفرعية. ولم يُكشف عن الرقم الحقيقي تماماً في ذلك الوقت، حيث بدا أنّ نظام الرقابة في الصين، في الأسابيع الأولى من انتشار الوباء، كان يحاول التقليل من خطورة الجائحة.
وهذا الرقم الذي لم يُكشف عنه من قبل، هو من بين سلسلة معلومات احتوتها 117 صفحة من الوثائق المسرّبة من مركز هوباي الإقليمي لمكافحة الأمراض والوقاية منها، والتى حصلت عليها CNN وتحقّقت منها، وهي تشكّل أهم تسرّب من داخل الصين منذ بداية الجائحة، وتوفّر أول نافذة واضحة نحو ما كانت تعرفه السلطات الصينية المحلية، ومتى كانت تعرف.
وقد رفضت الحكومة الصينية بشدة، اتهامات الولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى لها، بأنّها أخفت عمداً معلومات تتعلّق بالفيروس. ومع ذلك، وعلى الرغم من أنّ الوثائق المسرّبة لا تقدّم أيّ دليل على محاولة صينية متعمّدة للتعتيم على عدد الإصابات، إلا أنها تكشف عن عدد من التناقضات في ما كانت السلطات تعتقد أنه يحدث فعلاً، وما كُشف عنه للجمهور.

وتكشف الوثائق، التي تغطّي مدّة غير مكتملة بين تشرين الأول 2019 ونيسان من هذا العام، ما يبدو أنه نظام رعاية صحية غير مرن، ومقيّد ببيروقراطية من أعلى إلى أسفل، وإجراءاته الصارمة لم تكن مجهّزة للتعامل مع الأزمة الناشئة. وفي عدة لحظات حرجة في المرحلة المبكرة من الجائحة، تظهر أدلة على وجود إخفاقات مؤسسية واضحة.
واحدة من أكثر النقاط لفتاً للنظر تتعلّق بالبطء الذي شُخّص به المرضى المحليون بوباء كوفيد -19. وحتى عندما أكدّت السلطات في هوباي أنّ تعاملها مع بدايات تفشّي الوباء للجمهور كان فعّالاً وشفّافاً، تُظهر الوثائق أن مسؤولي الصحة المحليين كانوا يعتمدون على إفادات خاطئة من الفحوص والآليات. ويقول تقرير من ضمن الوثائق يعود تاريخه إلى أوائل آذار أنّ متوسط الزمن بين ظهور الأعراض والتشخيص المؤكِّد للإصابة هو 23.3 يوماً، وهو ما قال الخبراء عنه لشبكة سي أن أن، إنه كان متوقّعاً منه أن يعرقل الخطوات الرامية إلى مراقبة المرض ومكافحته على حدّ سواء.
وقد تواصلت الشبكة الأميركية مع وزارة الخارجية الصينية ولجنة الصحة الوطنية، وكذا لجنة الصحة فى هوباي التي تشرف على مركز السيطرة على الأمراض في المقاطعة، من أجل التعليق على النتائج التى كشفت عنها الوثائق، بيد أنها لم تتلقّ ردّاً.
وبالمقابل، قال خبراء الصحة إنّ الوثائق كشفت عن سبب أهمية ما تعرفه الصين في الشهور الأولى. وقال يانتشونغ هوانغ Yanzhong Huang، وهو عضو بارز في منظمة الصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية، والذي كتب على نطاق واسع عن الصحة العامة في الصين: “كان من الواضح أنهم ارتكبوا أخطاء – وليس مجرّد أخطاء تحدث عادة عندما تتعامل مع فيروس جديد – بل ارتكبوا أيضاً أخطاء بيروقراطية وذات دوافع سياسية في كيفية التعامل معه. “كان لهذه الأخطاء، عواقب عالمية. لا يمكنك أبداً ضمان الشفافية بنسبة 100%. ليست القضية فقط في التستّر المتعمّد، بل كانت مرتبطة أيضاً بقيود التكنولوجيا وغيرها من القضايا خلال الاستجابة لفيروس جديد. ولكن حتى لو كانت السياسة الصينية الصحية شفّافة بنسبة 100%، فإن ذلك لم يكن ليمنع إدارة ترامب من التقليل من خطورتها. وربما لم يكن ليوقف هذا التطوّر ليصبح وباء”.

يصادف اليوم الثلاثاء 1 كانون الأول مرور عام منذ ظهور أول مريض معروف، وفيه أعراض المرض فى عاصمة مقاطعة هوباي فى ووهان، وفقاً لما ذكرته دراسة رئيسية فى مجلة لانسيت Lancet الطبية.
وفي الوقت الذي يُعتقد أنّ الفيروس قد ظهر فيه لأول مرة، تكشف الوثائق ظهور أزمة صحية أخرى: فقد كانت هوباي تتعامل مع تفشٍّ كبير للإنفلونزا. وأدّى ذلك إلى ارتفاع حالات الإصابة إلى 20 مرة عن المستوى المسجّل في العام السابق، مما فرض مستويات هائلة من الضغط الإضافي على نظام الرعاية الصحية المنهك بالفعل.
ولم يكن “وباء الإنفلونزا” كما أشار المسؤولون فى الوثيقة موجوداً فى ووهان في كانون الأول فحسب، وإنما كان الانتشار الاكبر فى مدينتي ييتشانغ Yichang وشياننينغ Xianning المجاورتين. ولا يزال من غير الواضح ما هو تأثير أو صلة ارتفاع إصابات الإنفلونزا على جائحة “كوفيد-19”. وعلى الرغم من عدم وجود أيّ افتراض في الوثائق بأن الأزمتين المتوازيتين مرتبطتان، إلا أنّ المعلومات المتعلّقة بحجم ارتفاع الإنفلونزا في هوباي لم يكن قد أُعلن عنه بعد.
يأتي تسريب هذه الوثائق فى الوقت الذى تتزايد فيه الضغوط من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي على الصين للتعاون الكامل مع تحقيق منظمة الصحة العالمية في أصول الفيروس الذي انتشر منذ ذلك الحين إلى كلّ ركن من أنحاء العالم.
ولكن حتى الآن، يظلّ وصول الخبراء الدوليين إلى سجلات المستشفيات والبيانات الأساسية في هوباي محدوداً، حيث قالت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي إنّ لديهم “تطمينات من زملائنا في الحكومة الصينية بأنه سيُسمح بتنظيم رحلة إلى الميدان” كجزء من تحقيقاتهم.
قُدّمت هذه الملفات إلى CNN من قبل أفراد طلبوا عدم الكشف عن هويتهم. وقالوا إنهم يعملون داخل نظام الرعاية الصحية الصيني، وكانوا وطنيين متحمّسين لفضح حقيقة، فُرضت رقابة عليها، ومن أجل تكريم زملائهم الذين تحدّثوا أيضاً. ومن غير الواضح كيف حصلوا على الوثائق أو سبب اختيار أوراق محدّدة منها.
وقد جرى التحقّق من الوثائق من قبل ستة خبراء مستقلين فحصوا صحة محتواها نيابة عن شبكة سي أن أن. وأفاد أحد الخبراء الذين تربطهم علاقات وثيقة بالصين أنه شاهد بعض هذه التقارير خلال بحث سرّي في وقت سابق من هذا العام.
كما أكد مسؤول أمني أوروبي للشبكة، وهو على علم بالوثائق والإجراءات الداخلية الصينية، أنّ الملفات حقيقية.
وقال المحلّلون إنّ المعايير الصارمة والمقيِّدة أدت فى النهاية إلى أرقام مضلّلة. وقال هوانغ من مجلس العلاقات الخارجية الذى استعرض الوثائق، ووجد أنها صحيحة: “إنّ الكثير من الحالات المشتبه فيها كان يجب إدراجها مع الحالات المؤكدة”. وأضاف أنّ “الأرقام التي كانوا يعطونها كانت متحفّظة، وهذا يعكس مدى الارتباك والتعقيد والفوضى”.

في ذلك الشهر بين أوائل شباط وأوائل آذار، قدّم مسؤولو هوباي إحصاء يومياً من “الحالات المؤكدة”، ثم أدرجوا لاحقاً في بياناتهم “حالات مشتبهاً بها”، دون أن يحدّدوا عدد المرضى المصابين بأمراض خطيرة الذين شُخّصت أحوالهم من قبل الأطباء باعتبار أنهم “شُخّصوا سريرياً”. وفي كثير من الأحيان، لدى إعلان الإحصاءات على الصعيد الوطني، كان المسؤولون يعلنون الحالات “المؤكدة” الجديدة اليومية، ويضيفون إحصاءً إجمالياً لـ “الحالات المشتبه فيها”، التي يبدو أيضاً أنها “شُخّصت سريرياً”. وقال الخبراء إنّ هذا الاستخدام لحصيلة واسعة من “الحالات المشتبه فيها”، قلّل بشكل فعّال من خطورة أحوال المرضى الذين شاهدهم الأطباء، وقرّروا أنهم مصابون، وفقاً لمعايير صارمة.

وقال وليام شافنر William Schaffner أستاذ الأمراض المعدية في جامعة فاندربيلت Vanderbilt إنّ المقاربة الصينية متحفّظة، وإنّ المعطيات “كانت ستقدّم بطريقة مختلفة لو أنّ علماء الأوبئة الأميركيين كانوا هناك للمساعدة”. وقال: يبدو أنّ المسؤولين الصينيين “كانوا في الواقع يقلّلون من تأثير الوباء فى أيّ لحظة من الزمن. ومن الواضح أنّ إدراج المرضى الذين اشتبه بإصابتهم بالعدوى، كان من شأنه أن يوسّع حجم الجائحة وسيعطي، على ما أعتقد، تقديراً أكثر صدقاً لطبيعة العدوى وحجمها”.
وقال أندرو ميرثا Andrew Mertha، مدير برنامج الدراسات الصينية في جامعة جون هوبكنز، إنّ المسؤولين ربما كانوا متحمّسين لإعلان أعداد “منخفضة” لإخفاء قضايا نقص التمويل والتأهب في هيئات الرعاية الصحية المحلية مثل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في المقاطعة.
ووفقاً لميرثا، يبدو أنّ الوثائق المسرّبة، التي استعرضها واعتبرها أصلية، منظّمة بشكل تسمح لكبار المسؤولين برسم أيّ صورة يرغبون فيها.

وتكشف أعداد الوفيات المدرجة في الوثائق عن أشدّ التناقضات حدة. وفي 7 آذار، بلغ إجمالي عدد الوفيات في هوباي منذ بداية الجائحة 2986 شخصاً، ولكن في التقرير الداخلي المسرّب من ضمن الوثائق، يصل العدد إلى 3456 شخصاً، بما في ذلك 2675 حالة وفاة مؤكدة، و647 حالة وفاة “شُخّصت سريرياً”، و126 حالة وفاة “مشتبه فيها”.
وقال دالي يانغ Dali Yang، الذي درس على نطاق واسع أصول الوباء، إنّ أعداد الإصابات في شباط “لا تزال مهمة لتكوين التصوّرات العالمية”.

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us

Skip to toolbar