“بيرلا”.. شابة لبنانية تنافس الرجال في عالم ميكانيك السيارات


كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان” :

بين الماكياج وشحم وزيت السيارات وقطع الموتور المتعددة الأشكال والأوزان، جرأة تمسكت بها الشابة الجامعية بيرلا شلهوب، لتشق طريقاً صعباً في عالم لا يشبه عالم الأنثى، مجسدة نموذج المرأة اللبنانية القادرة بالجد والعمل الدؤوب أن تحقق طموحها، بغض النظر عن رأي المجتمع بها.
فبالعلم والمعرفة وتراكم الخبرات والمهارات، تحصن بيرلا شغفها في عالم ميكانيك السيارات، متحدية عالم الذكور بأن عمل المرأة لا يقتصر على مجالات محددة… شغف يقف وراء جانب منه رغبتها في مساعدة والدها المعلم وليد “الميكانيكي” لتكون سنداً له من جهة، والتجدد الدائم الذي تتميز به هذه المهنة من جهة ثانية.
“والدي كان السبب الأول لعشقي عالم ميكانيك السيارات، واليوم أصبحت أقوى في المجتمع ولا يمكن لأحد أن يهز ثقتي بنفسي أيا كان موقفه، والأكيد أن الشحم والزيت لا يقلل من أنوثتي ولا يغير في شكلي” تؤكد بيرلا في حديثها لـ “هنا لبنان” مطالبة كل من يرى أن “الميكانيكي” هو شخص غير متعلم بمراجعة حساباته “فأنا مهندسة ميكانيك ووالدي مهندس ميكانيك ونقوم بعملنا بمهنية عالية”.
من مركز شلهوب ميكانيك سنتر لصيانة السيارات الكائن في منطقة صربا، قررت شلهوب تحدي كل العادات والتقاليد، غير آبهة لكون معظم زبائن الكاراج من الرجال، وهنا يعلق والدها وليد لـ “هنا لبنان”: “اليوم وبعد عام على إنضمامها لعائلة الكاراج اكتسبت الخبرة الكفيلة بتصليح أي عطل في أي سيارة، بادىء الأمر كنت أطلب مساعدتها بالبحث عن بعض الحلول لمشاكل موتور السيارة عبر الإنترنت من المنزل، أما حالياً فقد أثبتت وفي أكثر من تجربة أنها أتقنت قواعد اللعبة وبات بالإمكان الإعتماد عليها”.

لا شك أن بيرلا تعرضت ولا تزال في مسيرتها، لتعليقات تجعلها في موضع دفاع عن خيارها “لقد وجدتها تجربة رائعة، وهذه المهنة هي مهنتي في المستقبل” مشددة على أن النجاح الذي تحققه كل يوم في تصليح السيارات “هو ردي الوحيد على كل من ينتقدني، وعلى كل من يصف المهنة بغير المناسبة للشابات، فعقولهم لا يمكن أن تستوعب تفاصيل هذه المهنة وأعباءها”.
بين قطع الغيار وأسفل السيارة تكتسب بيرلا خبرة جعلتها تنظر فقط إلى المستقبل، وقبله كسب رضا الزبون، لتكون جملة التسهيلات التي وفرها لها “المعلم وليد” خلال العمل سلاحاً كافياً لعدم طلب المساعدة من أحد، في مهنة يواجه العاملون فيها عددًا من الصعوبات وتحتاج إلى قوة جسدية كمعبر لحل المشاكل أو الكشف عنها.
الحصول على وظيفة في ظل الظروف الصعبة وغير المسبوقة التي يعيشها لبنان ليس بالأمر السهل كما هو الحال أثناء فك موتور أو فيتاس السيارة، وحيال هذا الواقع تناشد بيرلا جيل الشباب اللبناني (شبانا وشابات): “لا تتكبروا على أنواع العمل أيا كانت، فلا فرق في العمل بين الرجل والمرأة، فالمرأة بصبرها وإرادتها قادرة على مواجهة التحديات والصعوبات”.
وتتابع بأنه وفي ظل الأوضاع الإقتصادية والمعيشية والمالية الصعبة التي نعاني منها، تعلمت أحد أهم الدروس وهي أن من يعمل بيديه ولا يعتمد على أحد هو من يبقى صامداً، وفيما تعرض الكثير من الوظائف والمهن إلى “نكسة” وأكثر منذ العام 2019 وحتى اليوم، كانت المعادلة السائدة في المركز “بقدر ما تعمل بقدر ما يمكنك تأمين لقمة عيشك”.

مسيرة بيرلا لا تخلو من الأحداث الطريفة، خصوصاً تلك التي لا تزال تتكرر معها حتى اليوم، “عندما أصل إلى سوق القطع أو إلى ميكانيكي ثانٍ طلباً للمساعدة في بعض القطع، ألاحظ الصدمة على وجوه العديد من المتواجدين هناك عندما يروني، والبعض الآخر تكون ردة فعله إيجابية”، فيما لا يزال بعض المتقدمين في السن من الزبائن يرفضون قيام بيرلا بتصليح سياراتهم حتى اليوم لتصف هذا الموقف بـ “الخوف في غير محله”.
وتؤكد بيرلا أن الفارق بين بيرلا قبل أن تصبح “ميكانيكية” وبيرلا اليوم كبير، كاشفة “لقد أدركت أكثر قيمة العمل والتعب والصبر والتحدي وأهمية أن يكون الإنسان إجتماعيا لأن نصف عملنا يعتمد على التواصل والحوار مع الناس”.
على غرار بيرلا شابات كثيرات تجاوزن المحظور، وفرضن أنفسهن رقماً صعباً في معادلة لطالما كانت تميل دفتها لصالح الشباب، إذ بتنا نشاهد ومنذ أكثر من سنتين شابات يعملن كسائقات تاكسي، وأيضا في تصليح الدراجات النارية، وشابات يعملن في محطة وقود وفي القطاع الزراعي، من دون أن ننسى الشابة التي اقتحمت ميدان مكافحة الألغام المضادة للأفراد التي زرعها جيش الاحتلال الاسرائيلي في بعض مناطق جنوب لبنان، في منافسة واضحة للشباب في الكثير من المهن والأعمال الحرة التي يعملون بها، وقد أثبتن كفاءتهن فيها.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us