ربيع طهران في فيينا والتطبيع في لبنان


أخبار بارزة, خاص 23 شباط, 2022

كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:

عملياً يمكن القول أنّ ربيع طهران في فيينا، اقترب من الولادة. في الربيع الماضي كان الاتفاق خلال إدارة أوباما تعبيراً عن بداية مرحلة أطلقت فيها يد طهران في كل المنطقة، فامتد نفوذها وترسخ واستمر تصاعدياً إلى أن وصل دونالد ترامب إلى البيت الابيض، وبدأ اللجم الأميركي لإيران الذي وصل إلى أقصاه باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في مطار بغداد، وكانت نقطة التحول فيه إلغاء ترامب للاتفاق النووي الإيراني، وافتتاح مرحلة التشدد وخنق إيران بالعقوبات، التي طالت قطاعاتها الحيوية كافة.

تترجم إيران ربيعها على طاولة المفاوضات بشكل واضح. الإدارة الأميركية على عجلة لإتمام الاتفاق، فيما المفاوض الإيراني يتلاعب بمجموعة الخمس، وقبل أن تصل المفاوضات إلى المسودة النهائية، يتريث الوفد الإيراني بعذر التشاور مع القيادة، فيعود إلى الطاولة بعد التشاور بمطالب جديدة، منها ما كشف عنه في مسألة رفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب، كما رفع هيئات أخرى وضعت على اللائحة، كما طلب أن يكون الاتفاق مضموناً بمعاهدة يصدق عليها الكونغرس الأميركي.

الدلع الإيراني معروفة أسبابه ومنها يقينه أن إدارة بايدن تريد الاتفاق بأي ثمن، مدفوعة بعوامل عدة، أبرزها الانشغال بالشرق الاقصى وأزمة أوكرانيا، بالإضافة إلى وقوعها تحت تأثير الشركات الأميركية المتناغمة مع الشركات الأوروبية، وتحت تأثير اللوبي الإيراني الفعال، الذي يروج للاتفاق باعتباره يؤمن مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة الأميركية. ويضاف إلى أسباب هذا الابتزاز معرفة إيران أن الحزب الديموقراطي يتحضر لخوض الانتخابات النصفية في تشرين المقبل، وهو بالتالي يريد إذا ما كان من اتفاق أن ينجز قبل نهاية تموز المقبل، أو قبل ذلك لتفادي تأثير الاتفاق الضعيف على الناخب الأميركي، فيضاف إلى ضعف إدارة بايدن ضعفٌ إضافيٌّ، وهي التي ترفض شرط إيران بتمرير الاتفاق كمعاهدة يوقع عليها الكونغرس، لأن أي خسارة في الانتخابات النصفية لمصلحة الجمهوريين ستؤدي إلى نقض هذه المعاهدة بأكثرية الثلثين وهذا ممكن توفره، باعتبار أن نواباً وشيوخاً في الحزب الديموقراطي يرفضون العودة للاتفاق مع طهران بشروط اتفاق العام 2015 .

ربيع طهران في فيينا ستكون نتائجه في المنطقة ولبنان، انتعاشاً إيرانياً هو انتعاش لأذرع إيران وفي طليعتها حزب الله. قد يبدو مشهد المسيّرة التي أطلق عليها الحزب اسم حسّان، مخالفاً لتفاؤل فيينا، لكنه في العمق يتناغم مع هذا التفاؤل. فالمسيّرة هي إشعار بأن الحزب سيبقى بعد هذا الاتفاق مقاومة كاملة الأوصاف، وإن من دون أن يقاوم. المقاومة هي الاتجاه العملي لحزب الله لتأكيد سيطرته على لبنان، ولضمان مشاركته باسم إيران ولمصلحتها في الصراع الدائر في المنطقة. المسيّرة اخترقت أجواء إسرائيل، وفي الطريق عاينت المجال البحري اللبناني الذي سيخضع لتسوية تمكن إسرائيل بضمانة حزب الله من البدء بالتنقيب في المناطق المتنازع عليها.

من راقب رئيس الجمهورية يتنازل عن الخط 29 الذي تمسك به المفاوض اللبناني عرف كيف أن الرئيس عون بثقة الواثق من موقف حزب الله، أعلن هذا التنازل محاولاً تجيير فوائض الفائدة لجبران باسيل، فيما يبقى المكسب الكبير لحزب الله، الذي طمأن الخط الأزرق البري، وبدأ بترسيم الخط الأزرق البحري، مع كل ما يعنيه ذلك من ضمانات أمنية وتطمينات طويلة الأمد. ما جرى يمكن اختصاره بالتطبيع المتبادل وغير المعلن، وهذا ما كانت الحال عليه في المحطات المفصلية، ومنها انسحاب إسرائيل من الشريط الحدودي في العام 2000.

يستبق حزب الله اتفاق فيينا الوشيك بتمهيد لبنان لتأكيد تكريس نفوذ إيران، لكن هل من يمسك قرار لبنان إلى حين، قادر على حكمه، أو إدارته؟ ليس الجواب في الانهيار المريع الذي يعيشه اللبنانيون في ظل حكم المنظومة وحاميها، بل في ما سيرتكب، لاحقاً خلال شهر العسل الأميركي الإيراني المرشح أن يدوم لفترة ليست بقصيرة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us