إذا كان التنقيب عن النفط متعذراً جنوباً، فهل يكون متاحاً شمالاً؟
كتبت ريمان ضو لـ “هنا لبنان” :
على طاولة الحوار عام 2006، في قاعة مجلس النواب، عجز المتحاورون الذين يمثلون رؤساء الأحزاب والملل اللبنانية عن التوافق على ترسيم الحدود البرية بين لبنان وسوريا. ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل، وصل خلاف المتحاورين حول جنس الملائكة، وتحول خلافاً لغوياً حول ما إذا كان لبنان يريد ترسيم أو تحديد الحدود البرية اللبنانية – السورية.
طويت طاولت الحوار وطوي معها ملف الحدود البرية اللبنانية السورية، فلِعجز المتحاورين عن الاتفاق على ترسيم أو تحديد الحدود البرية مع سوريا، ألف سبب وسبب، يبدأ بمزارع شبعا ولا ينتهي بالمعابر غير الشرعية بين البلدين…
وإذا كان لبنان، بكل أطيافه، عجز عن رسم الحدود البرية مع سوريا، إلا أنه نجح برسم حدوده البحرية مع دمشق عام 2011، عندما أرسل المرسوم الشهير 6433 إلى الأمم المتحدة محدداً حدوده البحرية مع سوريا وقبرص وإسرائيل. وإذا كان لبنان نجح برسم هذه الخطوط البحرية مع سوريا، وإذا كان الترسيم جنوباً، ومعه التنقيب عن النفط، متعذراً حتى الساعة بانتظار انتهاء المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي واللبناني برعاية الأمم المتحدة وإشراف الإدارة الأميركية، فلماذا لا يبدأ لبنان بالتنقيب عن النفط شمالاً؟
في آذار 2021، صدّقت وزارة النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام السوري، على ثاني عقد مع شركة روسية للتنقيب عن البترول في المياه الإقليمية السورية في البحر الأبيض المتوسط. ويشمل العقد البلوك البحري رقم 1 بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لسوريا، في البحر المتوسط مقابل ساحل محافظة طرطوس حتى الحدود البحرية الجنوبية السورية- اللبنانية، بمساحة 2250 كيلومترًا مربعًا. وبموجب العقد، مُنحت شركة “كابيتال” الروسية الحق الحصري بالتنقيب عن النفط، وتنميته في المنطقة.
هذا القرار أثار حينها، موجة من الغضب بعدما تبين أن الحدود البحرية التي رسمها الجانب السوري، في البلوك رقم 1، متداخلة بشكل كبير مع البلوك رقم 1 و 2 من الجانب اللبناني لأكثر من 750 كيلومتراً من الحدود اللبنانية للمنطقة الاقتصادية.
النزاع مع سوريا لم يكن وليد تلك اللحظة، إذ يعود إلى العام 2011 حين رسّم لبنان حدوده البحرية، وسلم المرسوم 6433 إلى الأمم المتحدة. وتعاملت دمشق مع الترسيم الذي حصل وكأنه لا يعنيها، ورسمت خطها الخاص منطلقةً من الشاطئ أفقياً نحو الغرب. واعترضت في العام ذاته لدى مجلس الأمن، وسجل مندوبها الدائم لدى مجلس الأمن السفير بشار الجعفري اعتراض بلاده لدى الأمين العام للأمم المتحدة، معتبراً أن “المرسوم اللبناني لا أثر قانونياً له ملزم تجاه الدول الأخرى ويبقى مجرد إخطار تعترض عليه الجمهورية العربية السورية”.
وفي العام 2014 قدمت سوريا شكوى بحق لبنان إلى الأمم المتحدة، بعد أن فتحت الحكومة اللبنانية جولة التراخيص الأولى وعرض البلوك رقم 1 للمزاد واستدراج العروض. رد لبنان برسالة أرسلها وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل في 22 نيسان 2014 إلى السلطات السورية عبر السفارة السورية في لبنان، ذكّر فيها بالمرسوم رقم 6433 وأكد لبنان في رسالته التوضيحية التي أرسلها إلى سوريا على حقوقه السيادية في المنطقة الاقتصادية الخالصة الشمالية التي حددها وفق القوانين الدولية، وسجل اعتراضه على الجانب السوري بسبب تداخل بلوكاته ضمن البلوكات اللبنانية الواقعة في حدود المنطقة الاقتصادية.
وبقي الخلاف بين لبنان وسوريا على الحدود البحرية الشمالية على هذه الحال حتى فوجئ لبنان بالعقد الموقّع مع الشركة الروسية وبدء العمل بموجبه بالمسح والتنقيب.
الخبير في شؤون النفط والغاز د. شربل سكاف يؤكد لموقع “هنا لبنان” أن المرسوم 6433 حدد الحدود البحرية الاقتصادية الخالصة بين لبنان وسوريا، وأُودع هذا المرسوم لدى الأمم المتحدة، ويوضح أنه رغم اعتراض الجانب السوري على المرسوم، لم يتحدث الطرفان عن أي إحداثيات حول تداخل الحدود اللبنانية السورية، إلا من خلال الإحداثيات التي قدمتها شركة كابيتال الروسية التي أشارت إلى وجود تداخل بحوالي 750 كيلومترًا بين لبنان وسوريا، وتبين بحسب ذلك تداخل بلوك رقم 1 السوري مع البلوكين 1 و 2 اللبناني .
وفي حال بدأت الشركة الروسية بالتنقيب عن النفط في المنطقة المتداخلة، يقول سكاف، إنه يجب إنذار الشركة الروسية بوقف الأعمال، شارحاً أنّ الشركة الروسية لا تزال حالياً في مرحلة استكشاف الثروات الموجودة (مدة 4 سنوات) قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي التنقيب واستخراج النفط.
وعما إذا كان هناك أي مانع لبدء لبنان بالتنقيب عن النفط في البلوكات الشمالية، يشير سكاف إلى أن لا مانعاً قانونياً أمام لبنان، إلا أنه يجب الاتفاق على الحدود المشتركة مع الدولة السورية، وذلك بطبيعة الحال يفرض تشاوراً وتواصلاً لبنانياً سورياً، وهو موضع خلاف داخلي، علماً، وبحسب سكاف، فإن لبنان لم “يخبص” شمالاً في ترسيم الحدود كما فعل جنوباً.
ويجيب سكاف عن سؤال حول عدم البدء بالتنقيب شمالاً بدل انتظار ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي بالقول “إن أحد هذه الأسباب أنه من الثابت في الشرق الأوسط أن احتمال وجود الغاز في البلوكات الجنوبية أقوى من البلوكات الشمالية” وهو ما قد يبرر بدء الحكومة اللبنانية بإصدار تراخيص التنقيب عن الغاز في البلوكات القريبة من الجنوب.
إلا أن النقطة الأهم في نظر سكاف حالياً، هي مدى قدرة هذه الشركات على استكمال عملها بعد الحرب الروسية الأوكرانية وحزمة العقوبات الأميركية والأوروبية التي فرضها الغرب على الشركات الروسية، مشيراً إلى أن هذه العقوبات قد تعرقل أيضاً عمل شركة novatec الروسية، وهي الشركة التي حصلت إلى جانب توتال الفرنسية وآيني الإيطالية على تراخيص التنقيب عن النفط في لبنان.
ويسأل سكاف هل ستبقى شركة “كابيتال” الروسية قادرة على الاستمرار بعملها في سوريا واستكشاف ثروات البحر السوري، أم أن هذه العقوبات ستؤدي إلى وقف الأعمال؟
إذاً، من الشمال إلى الجنوب، ثروات لبنان باقية في باطن البحر، ولبنان محاصر بأطماع جاره وعدوه، والعبرة في كل ذلك على قول المثل اللبناني “الرزق السايب بيعلم الناس الحرام”.
ولسان حال بعض اللبنانيين، أنه قد يكون من الأفضل أن تبقى هذه الثروات تحت الأرض، بدل استخراجها ليكون مصيرها مشابهاً للثروات التي نهبتها هذه الطبقة السياسية على مدى ثلاثين عاماً.
مواضيع مماثلة للكاتب:
المحكمة العسكرية ضحية “الكيدية” | مسؤولون لبنانيون للوفود الديبلوماسية: الأولوية للترسيم البري بدل الالتهاء بالقرار 1701 | أونصات مزورة في السوق اللبناني… والقضاء يتحرك |