الحرب الروسية الأوكرانية: الأمن الغذائي العالمي في دائرة الخطر


كتب د. طوني وهبه لـ “هنا لبنان”:

على الأراضي الأوكرانية وفي منطقة جغرافية محددة في شرق أوروبا، تدور رحى الحرب الروسية الأوكرانية، مخلفة الدمار والخراب والخسائر في الأرواح والعتاد، ومهجرة ملايين البشر.
إلا أن شظاياها وتداعياتها أصابت العالم بأسره، مؤثرة بقوة على أسواق الطاقة العالمية فقفز سعر برميل النفط الخام بشكل غير مسبوق ليصل إلى نحو 120 دولار أميركي، ويرتفع معه سعر ليتر البنزين والديزل للمستهلك الأوروبي قرابة الثلاثة أضعاف، وفي الأسواق الأميركية لأكثر من ذلك.
هذه التطورات في سوق الطاقة العالمية أقلقت أميركا ودفعت الرئيس بايدن إلى تصنيف دولة قطر “بالحليف الرئيسي خارج الناتو”، كنوع من الدعم لقطر، التي يمكن أن تؤمن البديل عن غاز روسيا، وهو تصنيف مهم جدًّا في هذا الوقت بسبب حاجة أميركا الماسة للطاقة، مع رفض السعودية والإمارات زيادة إنتاجهما النفطي ضمن الأوبيك، إضافة إلى بدء التفاوض مع فنزويلا لرفع جزئي للعقوبات عنها من أجل ضخ النفط لأميركا، وكذلك قامت دول الاتحاد الأوروبي بطلب زيادة ضخ الغاز الجزائري إليها.
وعبرت مؤسسات دولية وخبراء عن التداعيات على الاقتصاديات العالمية، حيث سيكون للصراع الجاري “تأثير جسيم” على الأسواق المالية العالمية، التي لم تتخط بعد التداعيات السلبية التي خلفتها جائحة كورونا، متوقعة أن تكون أوروبا الأكثر تضررًا من النزاع الجاري، نظراً لطبيعة التشابكات التجارية بين طرفي النزاع من جانب وبين سائر دول القارة من جانب آخر.

أما الأخطر في تداعيات هذه الحرب هو أزمة الغذاء العالمية، وقد أعلنت منظمة الغذاء والزراعة العالمية “الفاو” أن الدول الأكثر فقراً ستواجه خطر المجاعة نتيجة انعدام الأمن الغذائي.
ذلك أن الحرب تدور بين بلدين من أكبر مصدري الحبوب وزيوت الطعام في العالم، فروسيا الأولى عالميًّا في تصدير القمح حيث تساهم بحوالي 28 بالمئة من صادراته العالمية، في وقت هي الثالثة في إنتاجه، وأوكرانيا تحتل المركز الأول عالميًّا من حيث تصدير زيت دوار الشمس مساهمة بـ 25 بالمئة من إنتاجه العالمي، وتصدر أكثر من 50 بالمئة ومع روسيا التي تحل في المرتبة الثانية عالميًّا تصل النسبة إلى 80 بالمئة من صادراته العالمية.
فالزيت النباتي ارتفعت أسعاره بشكل خيالي وصار قليلًا ومفقودًا في الأسواق العالمية والتجار باتوا يحجمون عن تصديره في مختلف أنحاء العالم، والدول المستوردة تفتش عن بديل للزيت الأوكراني، من الزيوت النباتية الأخرى، كزيت النخيل أو الصويا أو بزر القطن أو اللفت وبأسعار أعلى.
كما أن أوكرانيا تحل الخامسة عالميا في تصدير القمح والثامنة في إنتاجه، وهي تصدر أيضا 16 بالمئة من صادرات الذرة العالمية، إضافة إلى انتاجها من أعلاف الحيوانات لتربية الأبقار للحليب واللحوم في أوروبا، ومن هنا يطلق على أوكرانيا “سلة الغذاء الاوروبية” التي تعطلت اليوم.
ونقص إنتاج الغذاء بحسب الخبراء لا يتعلق فقط بالعقبات اللوجستية الناتجة عن الاعمال العسكرية وتعطيل الشحن في منطقة البحر الاسود، إنما في المحاصيل نفسها حيث تحول الحرب دون إمكانية حصادها، أو زرع مواسم جديدة، لا سيما في أوكرانيا وقد يحدّ ارتفاع اسعار الاسمدة من نجاح الانتاج ووفرته وجودته في البلدين.
فدول أوروبية عديدة كصربيا والمجر وبولندا وبلغاريا أعلنت حظر تصدير منتجاتها من القمح والذرة والطحين وزيت الطعام، وفي رومانيا إحدى الدول الكبرى على صعيد الإنتاج العالمي تناقصت وبشكل كبير مخزونات الحبوب لديها جراء سعي المشترين الدوليين الى إيجاد بدائل للإمدادات الروسية الاوكرانية.
وأمام هذه التداعيات الخطيرة على لقمة عيش مئات ملايين البشر، يطرح السؤال التالي: إلى متى ستطول هذه الحرب وتطول معها هذه الأزمة؟ وهل يدرك صانعو القرارات الدولية، حقيقة ما يتهدد الأمن الغذائي العالمي وخصوصا لقمة عيش فقراء العالم، فيبتعدون عن مخططاتهم السياسية قليلا، ويبذلون الجهود اللازمة لإنهاء حرب تسيطر عليها أجواء التخوف من تحولها الى حرب عالمية ثالثة، وهل من تأثير للمنظمات الدولية لفرض الحلول السياسية والابتعاد عن لغة الحرب؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us