دولة بلا رجالات


أخبار بارزة, خاص 2 حزيران, 2022

كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

ما ينقص لبنان، اليوم، ليس النواب، وقد عادوا إلى مبناهم القديم في ساحة النجمة، والتي لولا انتفاضة 17 تشرين، ونوابها، لكانت ظلت مهجورة بحجة كاذبة هي أمن المجلس، الذي يفترض أن حمايته يؤمنها “جيش” رئيسه المدجج بأسلحة وآليات حديثة وعديد فئوي مؤدلج على عبادة القائد. وهذا يجر إلى السؤال من دفع ثمنها، وأي منطق سمح بها لما يسمى قانوناً “حرس المجلس” الذي ينص القانون على أن صلاحياته الأمنية لا تتعدى رصيف مبنى المجلس، ولا يتعدى تسلحه السلاح الفردي. إنه زمن الميليشيات “المقوننة”.

وما ينقص البلاد، أيضاً، ليس الرؤساء والوزراء، وطبعاً، ليس المديرون، وليس اللجان الوزارية والنيابية، وليس صناديق النهب الوطني والتنفيعات. ما ينقص لبنان هم رجالات الدولة، فليس كل من اشتغل في السياسة رجل دولة، وليس كل من تقلد موقعاً تشريعياً أو تنفيذياً رجل دولة، فرجل الدولة ليس موقعاً وإنما موقف تماماً مثلما أن رجل الأعمال ليس مالاً وثراءً وإنما مشروع ورؤية. وقد يكون بعض من هم في المعارضة أقرب إلى مواصفات رجل الدولة ممن هم في سدة الحكم، وهو ما ليس واضحاً في الواقع اللبناني.

يصف قاموس «أوكسفورد» الحديث “statesman” أي “رجل الدولة” بأنه “السياسي المحنك، المهم والخبير، الذي يحظى باحترام الشعب”. ويضيف مفكرون أن مصطلح رجل الدولة يطلق على الشخصيات التي تتولى مناصب مهمة في الدولة وتتصرف بمنطق أنها باتت ملكاً لمواطنيها وأمانيهم وتطلعاتهم، وتوفير فرص تقدم الأمة ورقيها، وفي حال لبنان إخراجها من مستنقع الأزمات المتزايدة، وفك طوق بلادة السياسيين أمام الأهوال التي يخبئها المستقبل ويؤشر إليها الحاضر.

في مقابل “رجل الدولة” الذي نفتقد، نجد في لبنان نوعاً آخر هو “رجل السياسة” الذي لايفكر إلا في كيفية تأمين استمرارية موقعه كسياسي وهو مبدأ قائم على المكيافيلية ومنطقها الغاية تبرر الوسيلة والتي تضرب بعرض الحائط كل القيم، وهو ما اعتدناه طوال الفترة اللاحقة بـ”اتفاق الطائف”.

أما النوع الأخير فيتمثل بصاحب عقلية “رجل العصابة”، وقد يكون فرداً، تحميه شخصية سياسية، وقد يكون قيادة حزبية لها القدرة على كم الأفواه، والنيل ممن لا تلائمها مواقفه بسبب خلفياته السياسية والثقافية والفكرية، فتتجاهل القوانين وترى أنها وحاشيتها فوقها فتكسب الثروات على حساب المال العام للدولة، بكل وسيلة ممكنة، وبأي فتوى قانونية أو دينية تجدها مواتية، وتغطي كل ذلك بخطاب وطني رنان عنوانه الأبرز “نحن نحمي الوطن”.

لبنان اليوم ليس في حاجة إلى زعماء، ولا سياسيين، وبالطبع ليس بحاجة إلى رجال عصابات، بل هو في حاجة إلى رجال دولة، لا يتلذذون بجراح الوطن، ولا يستعذبون آلام المرضى على أبواب المستشفيات، ولا يغطّون تهريب كل ما غلا ثمنه، وأياً كان وزنه، لإسناد نظام في وجه شعبه.

ولبنان ليس في حاجة إلى سياسيين وتكنوقراطيين ينظّرون لضرورة إنهاء الأزمات المتمددة منذ 10 سنوات وأكثر (نموذج الكهرباء)، ولا يحسمون في الحلول المواتية، والعروض المقترحة. ولبنان ليس في حاجة إلى سياسيين تعلو عندهم مصالحهم الزائلة، على كرامات الشهداء والضحايا والمشردين الذين أصابهم تفجير المرفأ، فيتواطأون في ما بينهم لنحر القضاء، حيناً، وتمييع التحقيق كل حين، بما يذكرنا بالقول “كاد المريب يقول خذوني”، فيما إسرائيل التي تحتل فلسطين تعطينا دروساً في احترام القانون بإخضاع رؤساء حكومات لديها للمحاكمة والسجن، بينما “جماعتنا” يدعون البراءة ويرفضون أن يكونوا شهوداً قدّام القضاء، الذي دخل بـ”فضلهم” زمن الشللية.

في لبنان ما قبل الحرب وربما حتى دخول جيش الأسد، ظل من يضع مصلحة الوطن فوق مآربه الشخصية، ويعمل بإخلاص وتفان، هو في الحقيقة رمز لمصطلح “رجل الدولة”، حتى سمي هؤلاء بـ”حزب الدولة”، وربما كان آخرهم المرحوم الدكتور سهيل بوجي أمين عام مجلس الوزراء، وهو، وغيره سمّوا “رجال دولة” لأنهم دائماً مع الدولة، ذلك أن الدولة هي الوجود الدائم، الذي يصعب زواله، وهم نادرون اليوم بعدما ملأت الميليشيات الإدارة العامة بزبانيتها، كفوئين وغير كفوئين، لغايات الإنتقام الطائفي وإعالة الميليشياويين من الخزينة العامة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us