“المماحكون” اللبنانيون!
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
طبعت الازدواجيّة خطابات الرئيس اللبناني ميشال عون منذ وصوله إلى القصر الرئاسي في تشرين الأول 2016 وصولاً إلى الأشهر الأخيرة من ولايته خصوصاً في ما يتعلق بعلاقات لبنان العربيّة التي لم تشهد تدهوراً مماثلاً منذ عقود طويلة وهو ما جعل لبنان في عزلة شبه تامة عن محيطه.
فعلى الرغم من الكلام الرئاسي المعسول والمتكرر عن ضرورة استعادة العلاقات اللبنانيّة-العربيّة للدفء المفقود، إلا أن المواقف السياسيّة تلك سرعان ما كانت تتبدّد مجدداً مع تكرار الرئيس التزامه السياسي مع محور الممانعة وإصراره الدائم على أن سلاح حزب الله هو حاجة استراتيجيّة للبنان.
لقد نكث رئيس الجمهوريّة بوعوده المتكررة بالدعوة إلى حوار وطني حول الخطة الدفاعيّة، وبذل كل الجهد السياسي والإعلامي الممكن لتوفير التغطية “الرسميّة” لهذا السلاح من خلال تطبيق سياسات المناورة والمماطلة في عقد هذا الحوار رغم أنه دعا إلى الحوار حيال قضايا وطنيّة أخرى ولم يحقق فيه أي تقدّم يُذكر، لا بل شهد عهده أقسى الانهيارات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والماليّة والنقديّة.
على المستوى العملي، أدّت هذه السياسة من المراوغة في ما يتعلق بسلاح حزب الله، معطوفة على إيجاد التبريرات السياسيّة وغير السياسيّة له من أعلى مرجع في الجمهوريّة، إلى ولادة مناخات تجعل مجرّد إعادة طرح هذه القضيّة بمثابة طرح يبدو وكأنه خارج السياق السياسي الطبيعي بينما العكس هو الصحيح تماماً، بمعنى أن تغييب النقاش الوطني عن هذه القضيّة الحساسة هو الأمر غير الطبيعي.
كما أدّى هذا الموقف الرئاسي المزدوج والملتبس و”حمّال الأوجه” إلى أن تصل العلاقات اللبنانيّة-العربيّة إلى الحضيض وإلى مستويات غير مسبوقة من التدهور على الأصعدة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. طبعاً، كان صهر العهد قد مهّد الأرضيّة اللازمة لهذا التدمير المنهجي أثناء مروره في وزارة الخارجيّة، تماماً كما كان يُدمّر كل قطاع يتولى وزارته: الكهرباء المثال الأكثر سطوعاً.
لقد فضّل رئيس الجمهوريّة الانصياع إلى مصالح تياره السياسي في التحالف مع محور “المماحكة” لما يوفره هذا التحالف من توازنات على المستوى المحلي، من أن ينحاز إلى المصلحة الوطنيّة العليا التي يعرف تماماً (أو ربما لا يعرف) أنها تتحقق من خلال تطوير علاقات لبنان الخارجيّة مع محيطه العربي وبيئته العربيّة التي كان وسيبقى جزءاً لا يتجزأ منها.
أن يغضّ لبنان الرسمي النظر عن الأدوار الخارجيّة لمحور الممانعة وأن يشيح بنظره عن تداعياتها الهائلة على بنيته السياسيّة والاقتصاديّة الداخليّة، ففي ذلك إخفاق كبير في تحديد المصلحة اللبنانيّة والعمل على تعزيزها.
إنها سياسة “المماحكة”، السياسة المفضلة لمحور “الممانعة” بكل رموزه كباراً، صغاراً وأبواقاً.
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |