عشيّة الذّكرى الثّانية لجريمة العصر… خلف لـ “هنا لبنان”: هناك رغبةٌ بعرقلة التحقيقات وعدم تبيان الحقيقة!


كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:

أيامٌ قليلةٌ تفصلنا عن الذّكرى الثّانية لاغتيال لبنان، يومَ احترقَت أحلامنا بنيران الإهمال، واستسلمت آمالنا تحت وطأة الإجرام، وغطّت رائحةُ الدّم نتانةَ الفساد؛ وامتدّت الأشلاء الجسديّة والنّفسيّة على مساحة 10452 كلم2. ذلك اليوم المشؤوم الّذي أبى أن يفارق ذاكرتنا لحظةً، رغم كلّ الأحداث السّياسيّة والأزمات الاقتصاديّة والويلات الاجتماعيّة، ما زال ينتظر من يُفكّك شيفراته ويكشف الخبايا الّتي أوصلتنا إليه.

أكثر من 727 يومًا، والتّحقيقات المتعلّقة بانفجار مرفأ بيروت، الّتي وُعدنا في آب 2020 أنّ نتيجتها ستصدر خلال 5 أيّام، لم تنتهِ بعد؛ عقب دخولها في نفقٍ من التّعطيل المتعمَّد. فطلباتُ الردّ الّتي قدّمها وزراء ونواب حاليّون وسابقون منذ أشهر، ضدّ المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار، واتّهامه بالتّسييس بعدما أصدر مذكّرات توقيفٍ بحقّهم، وغيرها من العوامل السّياسيّة والقضائيّة فَرمَلت التقدّم بمسار التّحقيقات.

التطوّر القضائي الأبرز بالملف مؤخّرًا، كان على الصّعيد الدّولي لا المحلّي للأسف، وتمثّل بإعلان مكتب الادّعاء في نقابة المحامين ببيروت الخاص بتلك الفاجعة، أنّ محكمة العدل العليا في بريطانيا، ستُلزم الشّركة الإنكليزيّة “Savaro Ltd” الّتي أَدخلت شحنة نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت عام 2013 على متن الباخرة “Rhosus”، بالإفصاح عن هويّة صاحب الحقّ الاقتصادي للشّركة (UBO).

في هذا السّياق، أوضح نقيب محامي بيروت السّابق النّائب ملحم خلف، في حديث لـ “هنا لبنان”، أنّ “شركة “savaro” هي الحلقة الأخيرة من عدّة شركات كانت مترابطة فيما بينها، وكانت تحاول تصفية نفسها، فتجنَّدت نقابة المحامين في بيروت وعددٌ من المحامين، للمطالبة بوقف هذه التّصفية؛ وعملوا مع نائبَين بريطانيَّين على ذلك”، مبيّنًا أنّ “بعد جهود متتالية، توقّفت التّصفية لمدّة 6 أشهر، يتمّ العمل على تمديدها دوريًّا”.

ولفت إلى “أنّنا من خلال مراجعاتنا، لم نتمكّن من معرفة هويّة صاحب الحقّ الاقتصادي للشّركة. فتقدّمنا بدعوى أمام المحاكم البريطانيّة، طالبنا فيها بتبيان اسم صاحب الحق، وتشكّلت لجنة من المحامين المتطوّعين في لبنان وإنجلترا، وضعوا استراتيجيّةً قانونيّةً أفضت إلى قرار صدر مؤخّرًا من محكمة بريطانيّة، بإلزام “savaro” بكشف اسم الشّخص المذكور”. وأكّد “إنّنا نتابع كلّ هذه الإجراءات والمحاكمات، للوصول إلى نتيجة”.

وعن تقييمه للجمود المسيطر على التّحقيقات بانفجار المرفأ على المستوى الدّاخلي، شدّد خلف على أنّ “هناك نيّةً لعرقلة المسار القضائي، وقد ظهر ذلك من خلال عدّة عوامل داخليّة وخارجيّة”، شارحًا أنّهم “زجّوا بهذا الملف ضمن إطار الاصطفافات السّياسيّة، فتحوّل إلى وجهات نظر، ما عرقل متابعته للمسار القضائي. كما أنّ النّيابة العامّة التّمييزيّة لا تقوم بدورها، ولا تقود هذا الملف وفق ما تحدّده مهامها”.

وركّز على أنّ “هناك مشكلةً أساسيّةً ترتبط بالتعسّف في استعمال الحقّ. فلا شكّ أنّ لكلّ شخصٍ الحقّ بتقديم طلب نقل أو طلب ردّ، إنّما ما يحصل أنّه تتمّ عرقلة المسار القضائي بسبب التعسّف باستعمال هذه الحقوق”، مذكّرًا بأنّ “21 شكوى قضائيّة بين طلب ردّ وطلب نقل تمّ تقديمها حتّى الآن، ولو بالمبدأ يمكن التقدُّم بها، إلّا أنّها تعكس تعسّفًا باستخدام الحق؛ وهذا أمر غير مألوف ويجب أن يخضع للمساءلة”.

كما أوضح نقيب المحامين السّابق، أنّ “هناك عراقيل تتعلّق بعدم إتمام التّبليغات من قِبل وزارة الدّاخليّة والبلديّات، وعدم متابعة تنفيذ القرارات الصّادرة عن المحقّق العدلي، بالإضافة إلى أنّ بعض رؤساء الضّابطة العدليّة ملاحَقون، ولا يمكن لشخص من الضّابطة أن يحقّق مع مَن هو أعلى رتبةً منه. كلّ هذه الوقائع “ما بتريّح” وتعسّر المسار القضائي”.

العرقلة لم تبقَ محصورةً بالإطار المحلّي الدّاخلي، فقد شكّلت العديد من المعوّقات الخارجيّة حجرَ عثرةٍ أيضًا في طريق التّحقيقات. ويعدّد منها خلف على سبيل المثال، “عدم إجابة العديد من الدّول على طلب لبنان الاستحصال على صور الأقمار الصّناعيّة، فسِتّ فقط من أصل 16 استنابة قضائيّة سطّرها المحقّق العدلي، تمّت الإجابة عليها”.

وأفاد بأنّ الكثير من الخبراء الدّوليّين زاروا لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، “إلّا أنّ مثلًا بعض خبراء مكتب التّحقيقات الفيدرالي الأميركي يقولون في خلاصة تقريرهم، إنّ النّتائج الّتي توصّلوا إليها مستندةٌ إلى المعلومات الّتي حصلوا عليها من السّلطات الأمنيّة اللّبنانيّة؛ وبالتّالي لم يقوموا بأيّ جهد ذاتي”. وأشار إلى أنّ “هناك خبراء بريطانيّين حتّى حضروا إلى لبنان وعملوا في مسرح الجريمة، لكنّهم لم يضعوا أيّ تقرير. والخبراء الفرنسيّون كذلك لم يخرجوا بتقرير نهائي”، مستنتجًا بأنّه “كأنّ هناك رغبةً بعدم تبيان الحقيقة، وبالتفلّت من كلّ مساءلة”.

في نيسان 2022، كلّفت الحكومة اللّبنانيّة مجلس الإنماء والإعمار الإشراف على عمليّة هدم أهراءات القمح الّتي تضرّرت بشدّة جرّاء انفجار المرفأ، من دون تحديد موعدها، بحجّة أنّ الإبقاء عليها يرتّب مخاطر على السّلامة العامّة، بينما ترميمها سيكلّف كثيرًا.

ولامتصاص غضب أهالي الضّحايا واعتراضات شريحةٍ كبيرةٍ من المواطنين والجهات السّياسيّة والاجتماعيّة على قرار الهدم، تروَّت الجهات المعنيّة ظاهريًّا، لكنّها في المقابل كانت تحضّر الأرضيّة لإتمام العمليّة. فمنذ أكثر من أسبوعين، اندلعت النّيران في جزء من الأهراءات، من دون العمل على إطفائها فورًا، وراحت تتجدّد وتستعر يوميًّا، لتخرج بعدها تحذيرات من انهيار الصّوامع. ويوم الأحد الماضي، انهار جزء من الأهراءات الشّاهدة على جريمة العصر.

وكان النّواب التّغييريّون وغيرهم من أعضاء البرلمان، قد طالبوا بتدعيم الأهراءات والإبقاء عليها، وتحويلها إلى نصب تذكاري. وفسّر خلف أنّ “هذا المكان يشكّل مَعلمًا بالغ الحساسيّة بالنّسبة لأهالي الضّحايا ويقاربونه بدرجة عالية من المشاعر، ويجب أخذ ذلك بعين الاعتبار. كما أنّه بات جزءًا من الذّاكرة الجماعيّة، ولا يجب محوه”، لافتًا إلى أنّه “على الصّعيد العملي، أجرى نقيب المهندسين دراسةً، خلُص فيها إلى أنّ بالإمكان تدعيم هذه الأهراءات، ولو كان هناك جزء منها قابلًا للسّقوط”.

ها هو الرّابع من آب يطرقُ باب ذاكرتنا النّازفة مجدّدًا، من دون أن نعرف من كان وراء انفجار بحجم وطنٍ، بلا أن يصل التّحقيق إلى أيّ نتيجةٍ ثابتةٍ معلَنةٍ تُثلج قلوب أهل أكثر من 220 قتيلًا وآلاف الجرحى، ومن دون أن يحاسَب أحدٌ؛ في بلد امتهَن مسؤولوه وسياسيّوه لعبةَ الإفلات من العقاب. لكن مهما حاولوا الهرب من عدالة الأرض، فعدالة السّماء ستبقى لهم بالمرصاد.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us