الموازنة…جردة خزينة للإيرادات والنفقات واستسهال بفرض الرسوم على المواطنين


أخبار بارزة, خاص 23 تشرين الثانى, 2022

كتبت كارول سلوم لـ “هنا لبنان”:

مع دخول موازنة العام ٢٠٢٢ حيز التنفيذ، ينطلق مسار فرض الرسوم والضرائب على المواطنين في الوقت الذي باتت القدرة المالية لهؤلاء معدومة. وبنظرة سريعة إلى مضمون هذه الموازنة، فإن أبوابها مفصلة على قياس هذه الرسوم، وكل بند فيها ينطوي على زيادة تعرفة من هنا أو رسم من هناك ودولار جمركي وغير ذلك.

وهذه كلها تتظهر شيئاً فشيئاً وتترك اللبناني من دون أي حيلة، على أن الموازنة نفسها أقرت بتقديم الحوافز لموظفي القطاع العام من دون أي خطة للنمو الاقتصادي، فضلاً عن أن مسألة الضرائب تطال الجميع، وأي زيادة في الحوافز أو الرواتب ستفشل في الوقوف ضد الرسوم المتنوعة التي يتم فرضها فضلاً عن ارتفاع أسعار المحروقات.

لقد أغفلت الموازنة معناها الحقيقي المتصل بالإيرادات والمصاريف ويمضي المعنيون في هذا النهج، في ظل غياب حلول سياسية فعلية، لها تأثيرها على الواقع الاقتصادي.

لم تحمل الموازنة أي توقعات عن الاستثمار التنموي ولذلك يفضل أن يطلق عليها اسم ميزانية وليست موازنة. هذا ما يؤكد عليه الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور جو سروع لموقع “هنا لبنان” مشيراً إلى أنها “ميزانية مصاريف” أي أنها قامت لتغطية المصاريف لا أكثر ولا أقل. ويقول: هذه الموازنة تم اعتمادها في تشرين الثاني، في حين أن التوقيت الصحيح للموازنات كان بجب ألا يتعدّى شهر شباط من العام الحالي، وهي برأيي جردة خزينة للإيرادات والنفقات المحققة لتاريخه مع ما يمكن إضافته في هذا المجال إلى نهاية العام، ويشير إلى زيادة حادة في قاعدة النفقات الاستهلاكية الناتجة عن التضخم الحاصل في الاقتصاد والذي حتم على الدولة أن ترفد أجور القطاع العام بعطاءات استثنائية للمساهمة في التخفيف من وطأة التضخم المتفلت الحاصل في قيمة العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية والفوضى القائمة في أسواق الاستهلاك ولا سيما الشق النقدي منه والذي يتنامى بشكل مطّرد وعلى مختلف مكونات هذه الأسواق وتداعياتها السلبية على الإيرادات، ما يعمق الاختلالات الهيكلية في بنية المالية العامة.

ويضيف: من هذا المنطلق ولتلبية أحد مطالب صندوق النقد الدولي المتعلق بالسيطرة على العجز في الموازنة، عمدت الحكومة إلى “هندسة” الإيرادات الرقمية في الموازنة بفرض سلة من الضرائب والرسوم من المحتمل أن لا تحقق أهدافها، في ظل واقع الاقتصاد الحالي والفوضى في الأسواق، والتي لا يبدو حتى الآن أن هناك مبادرة للتعامل معها بجدية وثبات، كما أن ما من بادرة وعي حقيقي أو جهد حتى الآن من أجل إيجاد وصفة مجدية للتعامل مع هذه الفوضى لدرء مخاطرها على المالية العامة من جهة وعلى تآكل القدرة الشرائية لمداخيل الأفراد والأسر من جهة ثانية وتداعيات هذا التآكل على الحالة الاجتماعية بكافة تفاصيلها ومكوناتها.

ويبدي سروع أسفه لأن سجل لبنان في ما يتعلق بالتخطيط المالي لم يتعدَّ المنطوق الحسابي والرقمي الضيق ومنسوب ردات الفعل، عوضاً عن العمل الاستباقي. وبالرغم من هذا المحتوى -يقول سروع – لم تتطابق حسابات حقول الموازنات مع أرقام بيادرها وتاريخياً لم تسجل الموازنات أي فائض يذكر في الحساب الأول بل سجلت اتساعاً في حلقة المالية العامة المفرغة والمتمثلة بتنامي الدين العام وتنامي العجز.

ويرى أن على الموازنات أن تعكس ثقافة تطور ونمو واستدامة مكونات الاقتصاد والرفاه الاجتماعي للناس ومستقبل أجيالهم كما تتطلب معرفة وإبداعاً والتزاماً وحكماً جيداً ومتابعة ومراجعة فصلية، لا استسهالاً في فرض الضرائب والرسوم. ويضيف: أنا لست ضد هذا الأمر من حيث المبدأ، إنما في إطار ضبط العدالة الضريبية، وعلى الرسوم بالتالي أن ترتد إيجاباً على أمور الناس لا أن تزيد من شجونهم أي لا ضرائب من دون تمثيل أي لا بد لها أن تثمر عن منفعة عامة تزيد من نمو الاقتصاد وتطوره وتعزز أمن الناس الاجتماعي.

ويوضح أنه لم يعد للناس أي صبر أو قوة لتحمل تبعات تخطيط خاطئ أو لتحمل تبعات استسهال القرار الاقتصادي والاجتماعي، داعياً إلى وضع خطة إنقاذ وتعافٍ اقتصادي ومالي استباقية وشاملة قادرة على إعادة النمو إلى الاقتصاد الوطني وهذا يتطلب إصلاحاً جدياً واستقراراً متعدد الجوانب وتحقيق التوازن في المالية العامة، مشدداً على أهمية استبدال ثقافة الإدارة الحالية للبلاد والناس،التي أوصلته عمداً إلى ما هو عليه اليوم، وذلك بإدارة قادرة على اتخاذ القرار الاقتصادي والمالي الجريء والشفاف والمجدي.

ويتوقف عند المثل القائل: “العي عي والطبيب الله” الذي ينطبق على الواقع الذي أورده، مما يراكم كلفة التعافي والكلفة الاجتماعية يوماً بعد يوم، مشيراً إلى أن تراكم هذه الأكلاف منذ نهاية العام ٢٠١٩ وحتى الآن، خير شاهد على ذلك.

ويعلن أن الجهات الدولية لا تثق بالطبقة الحاكمة.

وهكذا لم تراع الموازنة الواقع المعيشي للبنانيين وانعكاساتها ترتد على جميع المواطنين الذين يدفعون الرسوم بشكل مباشر وما أكثرها، ولقد أصبحت التكلفة مضاعفة في ظل تعاظم الأسواق السوداء في جميع القطاعات.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us