القوات سبّاقة إلى تصويب مهزلة الحوار


أخبار بارزة, خاص 14 كانون الأول, 2022

كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:

يدل موقف القوات اللبنانية من حوار الرئيس نبيه بري الذي أدى عملياً إلى استعاضة رئيس المجلس عن الحوار بالدعوة إلى جلسة مكررة لانتخاب الرئيس، على أن الأوان قد آن لبدء عصر الوضوح وعدم الخضوع للتسويات على حساب الثوابت. لا يندرج هذا الموقف في خانة البراغماتية ولا المبدئية، بل يلاقي لغة الواقعية إلى منتصف الطريق، هذه اللغة التي لا يفترض أن تؤدي بالمؤمن إلى أن يلدغ مرات ومرات دون أن يتعلم أو على الأقل أن يحضر نفسه لعدم الوقوع في مطبات حوار شراء الوقت والمناورة.
حتم موقف القوات اللبنانية على بري إعادة تحديد الأولويات، ففي ظل المقاطعة المسيحية للحوار فستكون الطاولة عرجاء، ولهذا السبب سارع بري إلى وضع أولوية جلسة الانتخاب كأولوية، ليس بعدها أولويات، وربما يعود السبب العميق بعد إعلان القوات اللبنانية لموقفها، أن بري لم يكن ليريد الوصول إلى نقطة يتم ابتزازه فيها من قبل النائب جبران باسيل، وعلى الرغم من هذا السبب فإن ما تحقق، كان كافياً لتصويب البوصلة، ولعدم تكرار الجلوس على طاولة شراء الوقت، تحت أنظار لبنانيين أنهكهم الانهيار، وسيكون آخر ما يريدون مشاهدته، مشهد أمراء الطوائف على طاولة بري يتحاورون برياء لتحديد جنس الملائكة، فيما هم يعرفون أن هذه الطاولة التي يجلسون عليها، لا معنى ولا أفق لها، إلا مخادعة الرأي العام ببعض الصور والشعارات.
قصة رئيس المجلس مع طاولة الحوار قديمة، ولأنها باتت عادة مكررة يلجأ إليها بري كلما بدا له أن شراء الوقت هو الخيار المتاح، فلا بد من أن ينبري طرف ما ليقول كلمة واضحة برفض تكرار المشاركة في المسرحية، ليس فقط لأن الرفض هو انسجام سياسي مع الذات، بل لأن المشاركة سوف تؤدي إلى إفراغ مجلس نيابي لم تمض أشهر على انتخابه، من أسباب وجوده، وهذا الواقع يضيف إلى مهازل الحوار مهزلة جديدة، تتمثل في عبثية الاعتراف بأن المجلس النيابي الحديث العهد ليس له وظيفة إلا أن يبصم على مقررات طاولة الحوار، فهو لا ينتخب ولا يشرع ولا يحاسب بل يمضي سنواته الأربع في كوما طويلة لا تنتهي إلا على وقع إجراء انتخابات نيابية معروفة النتائج مسبقاً.
لذلك فإن أي مشاركة في حوار بري ستكون اعترافاً بتعطيل انتخابات الرئاسة وبالتطبيع مع الفراغ الذي يتوقع له أن يدوم لفترة ليست بقصيرة، مع ما يعنيه ذلك من تسريع الانهيار إلى درجة الوصول إلى الارتطام الكبير، الذي بدأت معالمه تظهر من خلال التفلت الأمني في معظم المناطق، الذي سيتحول حكماً إلى حالة تستدعي من الناس الحماية الذاتية لأمنهم وأملاكهم، وعندذاك لنا أن نتصور ما سيحدث عندما تقوم كل منطقة أو كل شارع بإجراءات الأمن الذاتي الذي هو النتيجة الطبيعية لتفكك الدولة.
المطلوب اليوم من قوى المعارضة عدم الرضوخ لمنطق التعطيل، والإصرار على إجراء الانتخابات الرئاسية وعدم استبدال هذا الاستحقاق بفذلكات الحوار التي يهدف منها من يدعو إليها إلى أخذ اللبنانيين إلى متاهة لا تنتهي إلا بالرضوخ وانتخاب رئيس على قياس حزب الله.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us