إنّه النفق الأسود: سباق بين الحد الأدنى للأجور والدولار!


أخبار بارزة, خاص 14 كانون الثاني, 2023

كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:

سباق مستمر غير عادل يخوضه الحد الأدنى للأجور والدولار، ويتمدد هذا الأخير ليطال لقمة عيش المواطن اللبناني الذي يرزح في يومياته تحت وطأة سياسات الترقيع و “فنّ الممكن” في ظل التحليق المستمر لأسعار السلع والمحروقات.

اجتمعت لجنة المؤشر 14 مرة خلال عام واحد، والنتيجة زيادة في الحد الأدنى للأجور من جهة يقابلها تآكل مستمر في قيمته. وهذه هي حال الاجتماع الأخير للجنة التي اتفقت على رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 4 مليون و500 ألف وبدل النقل اليومي إلى 125 ألف ليرة، بالإضافة إلى زيادة قيمة التعويضات العائلية 3 أضعاف، كما رفعت المساعدة المدرسية عن كل طالب من مليون إلى 3 في المدارس الرسمية، ومن مليونين إلى 6 في المدارس الخاصة. هي زيادة وضعت وفق أرقام حُددت بحسب سعر صرف للدولار يساوي 36 ألف ليرة لبنانيّة.

بين زيادات في القطاع الخاص ومسمى “مساعدات” للقطاع العام، سؤال يُطرح: إلى متى سيستمر السباق بين الحد الأدنى للأجور والدولار؟

الأسمر: زيادة وفق مبدأ “فن الممكن”

وفيما كان قد طالب الاتحاد العمالي العام بحدّ أدنى للأجور لا يقلّ عن 20 مليون ليرة ووصفه حينها البعض بالتعجيزي، أكد رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لموقع “هنا لبنان” أن ما تم التوصل إليه اليوم من أرقام في لجنة المؤشر يندرج ضمن مبدأ “خذ وطالب” و”فن الممكن” في هذه المرحلة، في ظل وجود مؤسسات مفلسة من جهة ومؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم لا تتحمل زيادات كبيرة وقد تؤدي أي زيادة إلى إفلاسها من جهة أخرى. كما أن هناك مسألة التصريح عن الأجر للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

وقال: “إن المبلغ الذي اتفق عليه اليوم يُصرّح عنه بالكامل للصندوق الوطني ولا مسميات أخرى له كما في القطاع العام إذ تسمى الزيادات بمساعدات اجتماعية.

وهذه الزيادات التي حصل عليها القطاع الخاص منذ عام ترفد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بمبلغ 3 آلاف مليار إضافة إلى 1200 مليار التي يتم تحصيلها كمتوجبات الصندوق على الدولة. وبالتالي أصبحت هناك كتلة نقدية توازي 4200 مليار تمهد لرفع الطبابة والاستشفاء بقدر معقول للمضمونين”.

وإذ شدد الأسمر على أن السلة التي اتّفق عليها توازي 10 ملايين ليرة لفت إلى أن العامل يحتاج إلى 30 مليون ليرة أي إلى ثلاثة أضعاف هذا الرقم. مشيراً إلى أنه عند إعلان الاتفاق كان الدولار يلامس الخمسين ألفاً فيما دُرست الأرقام وفق دولار 36 ألف. وبالتالي إن ربع هذه الأرقام قد تبخر منذ بدء الاجتماعات والحوار مع الهيئات الاقتصادية.

كما لفت الأسمر إلى أن هذه الزيادات بحاجة إلى مراسيم تطبيقية وقد تم الاتصال برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لوضعه في أجواء الاتفاق على أن يُعقد لقاء للبحث في الموضوع.

وأكد رئيس الاتحاد العمالي العام أن وزير العمل سيباشر بإعداد المراسيم لرفعها إلى مجلس شورى الدولة لإعطاء الرأي القانوني وثم رفعها إلى مجلس الوزراء حتى يُصار إلى إصدار هذه المراسيم إن بمراسيم جوالة أو بواسطة انعقاد مجلس الوزراء.

وشدد الأسمر على أن الهدف الأساس هو التسريع في نيل العامل الراتب وفق ما اتفق عليه وليس الهدف رفع شعارات إذ أن العامل بحاجة إلى أكثر مما أقرّ.

ولكن أمام الارتفاع المستمر للدولار، كان هناك اتفاق في اللجنة على العودة إلى الحوار في أوائل شباط من أجل المواءمة بين الزيادات والارتفاع المستمر لسعر صرف الدولار، إذ أن كل زيادة تؤخذ في ظل هذا الواقع الراهن لن تكون الحل، هي لا تعدو كونها علاجات آنية أي إبراً مخدرة بانتظار أن يكون هناك استقرار مالي واقتصادي يكون فيه الدولار ثابتاً عند حدود معينة ما يسهل الوصول إلى حلول مرحلية، متوسطة وبعيدة المدى.

أما في ما يخصّ القطاع العام، فأكد الأسمر على وجوب انطلاق حوار مع الرئيس ميقاتي مع بدء دراسة قانون الموازنة العامة خصوصاً أن مبدأ الزيادات في القطاع العام يعطى تحت مسمى مساعدات، وعند إعطائها بصورة منتظمة يجب عندها أن تدخل في صلب الراتب، على أن يصار إلى مساواة بدل النقل اليومي في القطاع العام بما تمّ الاتفاق عليه للقطاع الخاص من دون نسيان الأجهزة العسكرية.

أما الحل، بحسب الأسمر، فهو في العمل على إرساء استقرار سياسي يؤدي حكماً إلى استقرار اقتصادي واستقرار في سعر صرف الدولار وكل الحلول الأخرى لن تؤتي بنتيجة فعلية.

وناشد جميع القوى السياسية أن تبعد الحالة المعيشية عن التجاذبات السياسية، إذ أن هذا الاتفاق يشمل 450 ألف عامل في القطاع الخاص أي يشمل نحو مليوني لبناني.

ولكن أمام هذا الواقع كيف ستؤثر هذه الزيادات على الأوضاع المالية والنقدية؟

علامة: الزيادة لزوم ما لا يلزم

الخبير في الشؤون الاقتصادية الدكتور بلال علامة أكد لموقع “هنا لبنان” أنه بالمفهوم العلمي المالي والاقتصادي، كل إنفاق إضافي يؤدي إلى مزيد من التضخم. فالعلاج ليس في اتباع ما يسمى بإصلاح الأجور أو زيادتها أو بإعطاء أموال بطرق ما، كما يسمونها مثلاً في القطاع العام “مساعدة اجتماعية”.

فعندما يرفع القطاع الخاص رواتب موظفيه سيلجأ بطبيعة الحال إلى رفع السلع والخدمات التي يقدمها ما سيؤدي إلى التضخم وبالتالي كل إنفاق إضافي في الحالة التي نعيشها في لبنان ومن دون زيادة في الإنتاج سيؤدي إلى التضخم وتدهور الأوضاع أكثر”.

وإذ شدد علامة على أن خطوة تعديل الأجور في القطاع الخاص مطلوبة وضرورية -وقد حكي كثيراً أن هذا القطاع قد تكيف مع التدهور القائم وعدّل في أجور العاملين فيه- فإن إقرار الزيادة اليوم لزوم ما لا يلزم في ظل التدهور المستمر القائم، وقد تم إدخال القطاع الخاص اليوم بهذه الخطوة في نفق ودوامة إضافية ولن يحصد العاملون نتائج ايجابية منها.

أما الحل الجذري في لبنان بحسب علامة هو بإعادة هيكلة القطاعات بما فيها هيكلة الأجور بطريقة جديدة وهذا لا يمكن أن يحصل إلا إذا تم حل المشكلة القائمة المالية والنقدية.

ولفت علامة إلى أنه ليس هناك من ك دراسة جدية لقياس التناسق في العائدات التي يتقاضاها العامل أو ما يسمى الحد الأدنى مع الضرورة الاستهلاكية التي يجب على الأقل أن تكون ثابتة لتحديد الحد الأدنى للأجور.

إذاً، الزيادة التي تتضاءل شيئاً فشيئاً ما بين إقرارها وتنفيذها ليست الحل، فالأزمة أوسع أعمق من ذلك والحلول يجب أن تصيب جذورها لا تشعباتها.. فنحن قد دخلنا في نفق، ولا نعلم كيفية الخروج منه.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us