توقيف وليام نون أو طيونة قضائية أخرى؟


أخبار بارزة, خاص 16 كانون الثاني, 2023

لماذا اقتيد وليام نون إلى فرع أمن الدولة في الرملة البيضاء؟ ولماذا اختيار هذا الموقع المتاخم للضاحية الجنوبية؟


كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

ما زال كثيرون يتذكّرون الأحداث الدّموية التي وقعت في منتصف تشرين الأول العام 2021، والتي وضعت لبنان على شفير نزاعٍ أعاد إلى الأذهان شبح الحرب الأهلية عام 1975. إنّها أحداث منطقة الطيونة السيّئة الذكر، والتي كان من أبعادها الجانب القضائي المتّصل بملفّ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب عام 2020. وما أشبه اليوم بالبارحة! عندما جرى توقيف وليام نون بعد طلب التحقيق معه في مركز لجهاز أمن الدولة “على فنجان قهوة” لينتهي إلى توقيف كاد أن يطول في عطلة نهاية الأسبوع الماضي لو لم تتفجّر ردود فعل هدّدت باضطرابٍ أمنيٍّ وسياسيٍّ كبيرين.

في المناسبتين، برزت قضية مرفأ بيروت الّتي ما زالت غارقةً في مستنقع عجز القضاء الداخلي، ما أعاد إلى الواجهة جدوى اللجوء إلى هذا القضاء منذ اللحظة الأولى بعدما ارتفعت دعوات وازنة إلى تدويل القضية التي هي فعلاً ذات أبعاد إقليمية ودولية، وفق ما انتهت إليه تحقيقات في وسائل إعلام مرموقة في الخارج لا سيّما في ألمانيا.

تصدّرت المشهد العام في الأيام القليلة الماضية تساؤلاتٌ عن الأسباب الكامنة وراء توقيف ناشطٍ بارزٍ وهو في الوقت نفسه شقيق شاب قضى نحبه في الانفجار المروع في المرفأ وعنينا به جو نون. ومن الأجوبة التي قدّمتها أوساط هيئات من المجتمع المدني، أنّ الدوافع التي أملَت على القاضي توقيف وليام نون هي تلقينه وتالياً البيئة الناشطة مثله في متابعة ملف الانفجار درساً كي يتراجعوا عن الأسلوب الذي اعتمدوه بلا هوادة حتى وصل إلى حدّ عدم الاكتراث بالقضاء الداخلي على مستويات عدة وإطلاق مواقف تنطوي على انتقادات حادة مترافقة مع تهديدات انفعالية وليس فعلية؟
ولكنّ ما انتهى إليه توقيف الناشط نون، أظهر أنّ حسابات “الحقل” التي تقضي بتلقين درس للمجتمع المدني الغاضب من القضاء الداخلي لم تتطابق مع “بيدر” النتائج التي سرعان ما أظهرت تماسكاً صلباً أعاد إلى الواجهة الوقفة المشهودة بعد الانفجار والتي أكّدت تصميم اللبنانيين على المضيّ بلا هوادة لكشف حقيقة الانفجار ومعاقبة المتسبّبين به.

ما يستدعي التوقّف عنده، هو ما رافق توقيف نون ونقله من مركز إلى آخر وآخرها المقرّ الرئيسي لجهاز أمن الدولة في منطقة الرملة البيضاء. بعض المحلّلين رأوا أنّ اختيار هذا المقرّ مستقرًّا نهائيًّا لتوقيف نون، بدا وكأنّه ينطلق من حسابات أبرزها أنّ المكان يقع خارج “البيئة الحاضنة” لأهالي ضحايا المرفأ. فهو، أي المقر، على تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت معقل “حزب الله”، الأمر الذي أتاح الظنّ بأنّه سيكون بعيداً على الفئات التي تضامنت مع نون، ولن تكون متشجّعةً في الوصول إلى هذا المقرّ وما يمثّله جغرافيًّا. لكنّ المفاجأة إذا صحّ التعبير، كانت في اندفاعةٍ غير مسبوقة في حركة التضامن نحو مكان توقيف الناشط وقطع الطريق أمامه وهو أوتوستراد في الاتّجاهين بالتزامن مع بدء حركة احتجاج واسعة بدأت تعمّ المناطق اللبنانية كافةً انطوت على إنذارٍ باتّساع الحركة ما يعيد مشهد 17 تشرين الأول عام 2019.
هل من مبالغة في القول، أنّ حركة التضامن التي حاصرت المركز الرئيسي لأمن الدولة كانت وقفة شجاعة وجريئة؟ في أوساط بارزة في هذه الحركة من جماعات المجتمع المدني نفيٌ لأيّ شبهة مبالغة في هذا التوصيف، والدليل هو أنّ حركة التضامن مع الموقوف كانت إلى اتساع وليس إلى انحسار طوال الفترة التي سبقت قرار إطلاق سراح نون.

انتهى فصل توقيف وليام نون الناشط البارز في حركة أهالي شهداء المرفأ. لكن الفصول الآتية ستبيّن ما هي أبعاد توقيف الناشط، وما إذا كان هناك ما هو مخفيّ منها سيأتي الوقت ليظهر على حقيقته.

وهذا الكلام يقود إلى السؤال عن أوجه الشبه بين مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي وبين محامي عام بيروت القاضي زاهر حمادة؟ فالأوّل مضى في ملفّ الطيونة الملتهب نحو استدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. والثاني الذي مضى بعد ما شهده قصر العدل من توتّر- لكن لا يقارن بالأحداث الدموية في الطيونة- نحو توقيف أحد ذوي ضحايا انفجار المرفأ.

من الأقوال القديمة والتي تنطوي على انتقاد مرّ: “قبضنا على القتيل وفرّ القاتل”. ووجه الشبه كبير جدًّا بين ما آلت إليه الأمور في الطيونة سابقاً وفي قصر العدل حاليًّا. لكنّ هذه المقارنة لا تغني عن الحاجة إلى البحث أكثر حول ما شهده لبنان في عطلة نهاية الأسبوع الماضي.
ما حصل في قضية توقيف وليام نون أنّ دماءً جديدةً تدفّقت في شرايين حركة أهالي شهداء المرفأ ما أعادَ توحيد الصفوف وجمع المتناقضات التي تراكمت في الشهور الأخيرة تحت ستار تصنيفات للقوى وتقسيمها بين “تغييريٍّ” وبين “تقليديّ”. وإذا بالمشهد الذي أطلّ السبت الماضي، يكشف عن أنّ هناك من يطالب بالحق وهو عابر للطوائف والمذاهب والأحزاب في وجه من يريد دفن هذا الحق.
يتزامن ما جرى في عطلة نهاية الأسبوع الأخير مع وصول القضاء الأوروبي الذي يريد تعقب ملفّات تبييض الأموال وكذلك تحقيقات المرفأ. فهل هناك من أراد ترهيب حركة أهالي شهداء المرفأ كي “يلزموا الهدوء” ما يؤدي إلى محاصرة القضاة الأوروبيين عموماً والفرنسيين خصوصاً وإفهامهم أنّ أهالي ضحايا انفجار المرفأ قد “هدأوا” فلماذا يريدون أن يكونوا “ملكيين أكثر من الملك”؟

في الخلاصة حتى الآن: الرياح لم تجرِ في الطيّونة سابقاً، وفي قصر العدل حاليًّا وفق ما يشتهي بعض القضاء.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us