الرعونة السياسيّة والرعونة القضائيّة!


أخبار بارزة, خاص 17 كانون الثاني, 2023

المؤسف أنّ القضاء يقدّم يوميّاً أمثلة عديدة عن تراجعه وتقهقره، ليس فقط بسبب تردّي الأوضاع المعيشيّة للقضاة، بل أيضاً بسبب السلوكيّات التي ينتهجها البعض منهم.



كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:

الرعونة هي من المصطلحات التي باتت رائجة في حياتنا الوطنيّة والسياسيّة وهي التي تعكس انحطاطاً أخلاقيّاً غالباً ما يترافق مع الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والمالي بحيث ينحدر الالتزام بمنظومة القيم إلى مستويات دنيا تحت ذرائع مختلفة كالجوع والعوز والحاجة والفقر.

ولكن الفقر الأخلاقي يختلف عمليّاً عن الفقر الاجتماعي لأنه غالباً ما يعكس نفسه في سلوك الأثرياء من المجتمع سواءً أكان في السياسة أو في الميادين الأخرى. ومشكلته الأساسيّة أنه يولّد مناخات عامة تجعل فكرة الانحطاط مقبولة وتؤدي إلى إعادة صياغة مفاهيم عامة بما يتلاءم مع المصالح الآنيّة للأطراف الفاعلة على الساحة.

الرعونة القضائيّة التي تمثّلت بتوقيف بعض أهالي شهداء إنفجار مرفأ بيروت مثال على الانحدار المجتمعي العام الذي يعيشه لبنان والذي لا يمكن أن يكون القضاء منزّهاً عنه. لا بل المؤسف أنّ القضاء يقدّم يوميّاً أمثلة عديدة عن تراجعه وتقهقره، ليس فقط بسبب تردّي الأوضاع المعيشيّة للقضاة الذين غابوا عن مكاتبهم لأكثر من خمسة أشهر، بل أيضاً بسبب السلوكيّات التي ينتهجها البعض منهم وهي بعيدة كل البعد عن الكياسة المطلوبة لأهل القضاء.

كيف يمكن مثلاً تصوّر أن المطلوبين للعدالة يسرحون ويمرحون ويتلطون خلف إجراءات قانونيّة شكليّة واهية للتهرّب من المثول أمام القضاء، فيما يتم توقيف أهالي الضحايا فقط لأنهم يطالبون بحقهم البديهي بمعرفة الحقيقة في قضيّة إنفجار الرابع من آب بكل ملابساته وتفاصيله وأسماء المسؤولين والمتورطين فيه!

الرعونة السياسيّة ازدهرت أيضاً في بلادنا في السنوات المنصرمة من خلال السلوكيّات التي كانت تصب في إطار تسخيف الدستور والمواثيق والانقضاض عليها عبر تفسيرات مجتزأة لمندرجاتها وممارسات قلّما كانت تكترث إلى مقاصدها ومعانيها. وبدل أن يسير المجتمع السياسي اللبناني تدريجيّاً نحو تعزيز الثقافة الدستوريّة والديمقراطيّة وتقويتها بما يحول دون المسّ بها، فإذا به يسير في الاتجاه المعاكس تماماً.

الرعونة السياسيّة لا تزال فصولها متواصلة في الامتناع عن إنتخاب رئيس جديد للجمهوريّة وقد مضى على انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون أسابيع عديدة دون انتخاب خلف له، وهو ما فتح المجال أمام مزايدات سياسيّة وشعبويّة جديدة صارت بعض الأطراف تمتهن ممارستها وتوظفها لمصلحتها في إطار سياسة النكد السياسي والعبثيّة التي تنتهجها سبيلاً وخياراً لعملها.

الخروج من هذا الدرك يتطلبُ ترفعاً وإدارة سياسيّة رؤيويّة يمكن من خلالها انتشال البلاد من المستنقع الذي أُغرقت فيه!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us