هيستيريا قضائية… من “يفجّر” التحقيق في جريمة 4 آب؟


أخبار بارزة, خاص 27 كانون الثاني, 2023

ما يحصل هو هيستيريا قضائية، وسابقة تاريخية في القضاء اللبناني الذي دخل في حالة الفوضى.

كتبت ريمان ضو لـ “هنا لبنان”:

قد يكون تجهيل الفاعل في أي جريمة، أمراً معروفاً لدى النظام اللبناني، وقد لا تكون المرة الأولى التي يسقط فيها القضاء اللبناني أمام الفجور السياسي، ويعجز عن النطق بالعدل. لكن أن يقتل القضاء اللبناني الضحايا مرة أخرى فهي جريمة العصر الحقيقية، بعد أن فرّغت النيابة العامة التمييزية ملف تفجير الرابع من آب من كل مضمونه، بإطلاق سراح جميع الموقوفين.

إلّا أنّ الأخطر هو هدم آخر مداميك القضاء اللبناني، ليلتحق بركب الانهيارات السياسية والاقتصادية والمصرفية الحاصلة، وإعلان القضاء على كل آمال اللبنانيين ببناء مؤسسات الدولة وفي مقدمتها السلطة القضائية.

إذ لا يختلف اثنان، ممن يوافقون المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، أو مدعي عام التمييزي القاضي غسان عويدات، أن ما يحصل هو هيستيريا قضائية، وسابقة تاريخية في القضاء اللبناني الذي دخل في حالة الفوضى.

فبعد ثلاث سنوات من محاولات التنصل من المسؤولية وغياب المساءلة وعرقلة التحقيق، استبشر أهالي ضحايا تفجير الرابع من آب خيراً، بكسر القاضي بيطار الطوق الذي فُرض عليه لأكثر من عام ومنعه من القيام بمهامه، وأملوا الوصول إلى الحقيقة ومحاسبة المقصرين والمسؤولين عن جريمة العصر. إلّا أنّ رياح العدالة جرت عكس ما اشتهاه الأهالي، بعد ما قام به عويدات بحق بيطار ولجوئه إلى إخلاء سبيل جميع الموقوفين، ترجمة لاعتبار بيطار كمحقق عدلي فاعل، منعدم الوجود، ووجه له الاتهام ودعاه للمثول أمامه، ما زاد جنون بيطار وأعلن عدم أهلية عويدات لطلبه، متمسكاً بالادعاء عليه في قضية تفجير المرفأ.

يفصل مدير مركز ليبرتي للدراسات القانونية والاستراتيجية، الخبير القانوني د. محمد زكور الإجراءات التي قام بها بيطار أو عويدات، فأشار إلى أن “الحرب القضائية بينهما عصفورية متنقلة، وضرب من الجنون. فالقاضي بيطار، قام باجتهاد غير مفهوم. فمن جهة، لا يمكن لأي قاضٍ أن يعتبر أنه فوق الرد أو التنحي، أو أن يبت بنفسه، برده أو تنحيه، وبذلك ضربٌ لهرمية السلطة القضائية.”

ويضيف “إذا كان البيطار يعتبر أن رده فوق النظام العام، وأن رده باطل، فهذا يطرح سؤالاً إذا كانت القضية متعلقة بشخصه، فمعنى ذلك أنه إذا توفاه الله أو أصابه أي مرض تنتفي القضية، وهو أمرٌ غير منطقي وغير مسؤول. ومن جهة ثانية، لقد رُد القاضي فادي صوان الذي كان قبله وعيّن القاضي البيطار من بعده، فإذا كان لا يجوز رد المحقق العدلي بشكل عام، فيعني أنه لا يجوز رد القاضي فادي صوان، وبالتالي تعيين البيطار جاء على قرار باطل، وما بني على باطل فهو باطل.”

واعتبر زكور أن “تذرع البيطار في تعليله لقرار عدم جواز رده، بأن قانون أصول المحاكمات الجزائية يقول إنه في المجلس العدلي، الذي يتألف من الرئيس الأول ومن أربعة قضاة من محكمة التمييز، يُصار إلى تعيين قاضٍ بديلٍ معهم، ليحل محل أي قاضٍ يستقيل أو تتم تنحيته أو رده، هرطقة لأن القانون قد تحدث بشكل عام عن رد القضاة، فالكلام أن أي قاض فوق الرد هو كلام غير مسؤول.”

أمّا بالنسبة لإجراءات القاضي عويدات، فبرأي زكور “أنه ارتكب أخطاء جسيمة. فمن جهة، هو أعلن تنحيه، ومن جهة أخرى، عاد عن تنحيه ليبت بترك الموقوفين”.

ويضيف زكور أنه “لا يحق للمدعي العام التمييزي ترك أو إخلاء سبيل أي موقوف، قرر توقيفه أي قاضي تحقيق، فكيف بالمحقق العدلي الذي يمتلك صلاحيات أكبر بكثير من قاضي التحقيق!”

“فالمبدأ القانوني يقول إن القاضي الذي يوقف المتهم، هو نفسه القاضي الذي يخلي سبيله، ولا يحق للنيابة العامة التعدي على صلاحيات المحقق العدلي، فتلك هرطقة وتعدٍ صارخ على أبسط مفاهيم وإجراءات المبادئ العامة للقانون.

أما السؤال الذي يهم اللبنانيين وسط هذا التخبط القضائي والانقسام السياسي، أين يكمن الحل؟

يجيب زكور أن “الحل لا يكمن بإحالة القضية إلى المحكمة الدولية، لأن المحكمة الدولية التي ستضع يدها اليوم على التحقيق، لن تتمكن من القيام بمهامها بعدما اندثرت جميع معالم ودلائل وآثار الجريمة التي مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات. وبالتالي كان يُفترض إحالتها فوراً كما حصل بقضية اغتيال الرئيس الحريري، حيث أتت فوراً لجنة لتقصي الحقائق، ومن بعدها تشكلت المحكمة الدولية”.

وبرأي زكور أنه “إذا كانت المحكمة الدولية ستستعين بأدلة البيطار والمجلس العدلي، فالسؤال الذي يُطرح لماذا لا يبت الأمر المحقق العدلي، ومن بعده المجلس العدلي، ولماذا نذهب إلى القضاء الدولي؟”

من جهة ثانية، “الكلام عن تدخل مجلس الأمن الدولي لوضع يده على القضية، سخافة بالقانون الدولي، لأن مجلس الأمن يتدخل في القضايا التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، كالحرب الروسية الأوكرانية أو أي نزاع قد تمتد نيرانه إلى الدول المجاورة، ولا يستطيع أن يتعدى على صلاحية القضاء في جرم حصل داخل دولة ما، فهذا أمر يرفضه مبدأ السيادة، وأصلاً ليس من اختصاصه.”

ويختم زكور بأن “الحل بأن نعمد بحسن نية وسرعة فائقة إلى البت بطلب رد البيطار، من عدمه. وبعد القبول يمكن تعيين قاضٍ مكانه، عبر وزير العدل وبموافقة مجلس القضاء الأعلى وكل ما يُطرح من حلول غير ذلك هي دون جدوى”.

أما عن الادعاء على المدعي العام التمييزي من جهة، أو الإجراءات ضد البيطار ومنها منع السفر، فتلك الإجراءات، “دون جدوى ولا تترجم واقعاً على الأرض، إنما هي قرارات رجلين غاضبين فقدا صوابهما”.

ربما، لن تُقنع المطالعات القانونية، والدة أو أخت شهيد تفجير الرابع من آب، ولن تخفف الآراء القانونية من آلام المصابين الذين يحملون جرحهم شهادة على هذه المأساة، ولن تُقدم أو تؤخر نظرية قضائية، بمسار شعب يتوق للوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة. إلّا أنّ تعطيل التحقيق هو التوأم الملاصق للجريمة نفسها والمكمّل لآثارها الجرمية، فهل يُمعن القضاء اللبناني، ومن وراءه الأحزاب السياسية، بتغييب الحقيقة وتجهيل الفاعل لجريمة العصر، والقضاء على آخر آمال الشعب اللبناني ببناء دولة قوية بمؤسساتها وقضائها؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us