التعليم الرسمي في لبنان “يحتضر”.. و”الخاص” لمن يملك للمال سبيلاً!


أخبار بارزة, خاص 28 كانون الثاني, 2023

الانهيار في لبنان وصل إلى القطاع التعليمي، وبين إضراب الرسمي و”دولرة” الخاص، الطالب هو الضحية الأبرز.

كتبت بشرى الوجه لـ “هنا لبنان”:

فيما يحظى طلاب المدارس الخاصّة في لبنان بتعليم طبيعي، هناك طلاب آخرون، يراقبون مستقبلهم وهو يحتضر، وهم طلاب التعليم الرسمي، الذين لا يملك أولياء أمورهم المال الكافي لنقلهم إلى مدارس أخرى باتت تغطية أقساطها تستلزم عشرات الراوتب.

وفيما لا تزال صفوف الرسمي معلّقة مع انسداد الأفق أمام أيّ حلول مرحلية لأزمة التعليم المتراكمة منذ سنوات، وفيما تقترب المدارس الخاصة من إكمال المنهاج الدراسي، يتّجه أساتذة التعليم الرسمي إلى تخفيض الأهداف الموضوعة لكل صفّ دراسي، منذ ثلاث سنوات، وفق ما تؤكّد إحدى المعلّمات المتعاقدات مع إحدى المدارس الرسمية الجنوبية، إذ تقول لـ “هنا لبنان”: “خلال الثلاثة أشهر التي درّسنا فيها قبل إعلان الإضراب منذ مطلع العام الجديد، كنّا نُخفّض من الأهداف التعليمية للصفوف التعليمية، كما في السنتين السابقتين، فمثلًا تلاميذ الصفّ السادس، يُدرَّسون مستوى الصف الرابع سابقًا، وبالتالي نعترف أنّ التعليم الرسمي تراجع كثيرًا”، مضيفةً: “نحن بالطبع لم نكن نريد أن يتأثّر تلاميذنا بأزمات بلدنا، غير أنّنا حقيقةً لم نعد نستطيع الإستمرار في رسالتنا التعليمية، لأنّنا كنّا ندفع من جيوبنا للذهاب إلى المدرسة”.

ومع الإستمرار في الإضراب، بدأت موجة هجرة جديدة نحو المدارس الخاصة، فبحسب ديانا، وهي والدة لتلميذين انتقلا إلى مدرسة خاصة هذا الأسبوع، “هناك الكثير من الأهالي الذين نقلوا أبناءهم إلى مدارس خاصة، ضمن قسط مقبول، لكنَّ ليست جميع المدارس قبلت التسجيل في هذا الوقت المتأخّر، وهناك من ينتظر ما سيحصل الأسبوع المقبل واتضاح الأمور أكثر، حتّى يركبوا موجة الهجرة هذه”.

ما يحصل في هذا المجال اليوم ليس غريبًا، بل كان متوقعاً الوصول إلى الأزمة الراهنة، نتيجة الإهمال والتراكمات التي حصلت خلال السنوات السابقة، وعجز الحكومات المتعاقبة عن اجتراح حلول تُنقذ ما تبقّى من تعليم في لبنان، إذ في حال بقيت الأزمة على ما هي عليه، سيصبح من الصعب تعويض تلامذة الرسمي البالغ عددهم نحو 300 ألف، ما فقدوه من دراسة.

في هذا السياق، توضح رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، نسرين شاهين، أنّه “لا شك أن المشكلة الأكبر في التعليم الرسمي، لكن التعليم الخاص لديه مشاكله أيضًا، فالمدارس ذات الأقساط المرتفعة قادرة على إعطاء المستوى المطلوب والمعتاد، ولكن في المقابل هناك نسبة كبيرة من المدارس التي لا تتجاوز أقساطها الـ40 والـ50 دولار، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الأمر على المستوى التعليمي إن كان لجهة خفض الدوامات أو لجهة تقليل المناهج”.

وتلفت لـ “هنا لبنان” إلى أنّ “التعليم الرسمي تراجع نتيجة التراكمات، واليوم 70% من الأساتذة هم متعاقدون، وهم مسحوقون، لذلك نحن مستمرون بالإضراب، رغم أننا مياومون وبمثابة عاطلين عن العمل، فالأزمة اشتدّت حتّى بتنا بلا رواتب وبلا بدل نقل ولا حتى ضمان”.

وتعتبر شاهين أنّنا “نعيش ضمن منظومة كاذبة، فالسنة الماضية أضربنا لأكثر من شهرين، حتى حصلنا على مرسوم بدل النقل في 10 شباط، واليوم وبعد أكثر من 10 أشهر، يُقال لنا أنّ مرسوم بدل النقل يتضمن ثغرة يجب التوافق عليها خلال اجتماع حكومي قبل البدء بالدفع”.

وتوضح: “بدأنا العام الدراسي الحالي بعد وعد من وزير التربية والتعليم عباس الحلبي بإعطاء الأساتذة 130$ شهريًا، ولكن انتهى الفصل الأول دون أن نحصل على شيء، لا على العقد الكامل ولا المستحقات ولا بدل النقل ولا حتى الحوافز”.

واليوم وبعدما كان الوعد بالحصول على 130 دولار شهريًا، وعد الوزير الحلبي الأساتذة بالحصول على 100 دولار عن الفصل الأوّل، أي عن ثلاثة أشهر، الأمر الذي رفضه الأساتذة، معتبرين أنّه “طرح مهين”.

في هذا الصدد، تقول شاهين: “كل الوعود المتتالية هي وعود غير صادقة، لأنهم لا يملكون الأموال وهم يريدون من الأساتذة التعليم سُخرة”، لافتةً إلى أنّ “ساعة الأستاذ المتعاقد ارتفعت إلى 100 ألف ليرة عندما كان دولار السوق السوداء 30 ألف، وحتّى اليوم لم نحصل على هذا الراتب الذي تدنّت قيمته مع تضاعف الدولار إلى 60 ألف”.

وتضيف: “مؤخراً قال الوزير أنّ لديه وِفرة، وأنّه سيعطي الأساتذة 5 دولارات عن كل يوم، أي ما يُقارب الـ 90 دولارًا شهريًا، ولكن الأجدر بالوزير دفع المستحقات من بداية العام الحالي وما هو متراكم من العام الماضي، حتى يتم تعليق الإضراب”.

وتنتقد شاهين مطالبة الروابط التعليمية باجتماع للحكومة “العقيمة المستقيلة لحل الأزمة في ظل الانهيار القائم”، وتقول “طالبوا وزير التربية بالإفراج عن الاموال التي أتت لإكمال العام الدراسي، أمّا انتظار انعقاد الحكومة يعني إعلان إنتهاء العام الدراسي”، مشددةً على أنّ “حقّنا كأساتذة هو عند الدولة اللبنانية التي يتوجّب عليها دفع مستحقاتنا، وليس عند الجهات المانحة التي يُحمّلونها مسؤولية فتح المدارس”.

بحسب شاهين، إنّ العام الدراسي لن يُستكمل إلّا في حال الحصول على “مطالبنا وهي: دفع العقد الكامل، بدل النقل، المستحقات، الحوافز”، كما ترى أنّه ومع الارتفاع الهستيري لسعر صرف الدولار، “أصبح من الضروري دولرة أجر ساعة الأستاذ وبدل النقل”.

أمّا للأهالي والتلاميذ الذين يتّهمون الأساتذة بسلبهم حقّهم في التعليم، فتقول لهم “نحن في خندق واحد، ونحن لا نواجههم هم، ولكن الدولة تأخذنا جميعًا، أساتذة وتلاميذ، رهائن التجاذبات والسجالات، لأنّه يبدو أنّ هناك تآمر سياسي لإقفال المدارس، لأنّ المسؤولين باستطاعتهم إيجاد صيغة ولو مؤقتة لعودة التعليم الرسمي”.

إذًا قد يتمثّل الحلّ المؤقّت للأزمة بتحويل الأموال من الجهات المانحة إلى الأساتذة وإعطائهم أبسط حقوقهم، لكنّ الأزمة لن تستقيم إلّا في إعادة النظر في الواقع التعليمي، والعمل على وضع خطة إنقاذية قبل انهيار القطاع التعليمي بأكمله، وانتهاء التعليم الرسمي في لبنان!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us