بكركي ولعنة الرئاسة والأسماء!


أخبار بارزة, خاص 30 كانون الثاني, 2023

يحتار الراعي اليوم مجدداً بين دور بكركي الوطني الجامع ومحاولة البعض جره إلى اصطفاف طائفي أو الانحياز إلى طرف دون آخر أو إلى لعبة تسمية أسماء.


كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:

لطالما شكلت رئاسة الجمهورية – الموقع الماروني الأول – معضلة بالنسبة للبطريركية المارونية منذ الاستقلال، كونها صاحبة فكرة الكيان اللبناني، ولأن أحد أهم بطاركتها الياس الحويك من قاتل من أجل انتزاع دولة لبنان الكبير عام 1920 من الانتداب الفرنسي. ويكمن التمايز – إن لم نقل الخلاف – مع مجمل الساسة الموارنة في أن الحويك أراد لبنان “دولة المواطن وليس الطائفة” كما جاء في الخطاب الذي ألقاه في مؤتمر الصلح عام 1919 الذي شارك فيه على رأس الوفد اللبناني أمام رئيس وزراء فرنسا جورج كليمنصو. هذا الدور هو الذي أعطى بكركي حضوراً وطنياً أي سياسياً وليس ققط روحياً، كما أن هذا التمايز في النظرة إلى جوهر لبنان الدولة هو الذي جعل العلاقة جدلية معقدة، وأغلب الأحيان متوترة، بين الصرح البطريركي والقادة الموارنة، وتحديداً مع من يجلس في بعبدا أو من يطمح إلى الجلوس على كرسي الرئاسة. وحاولت بكركي أن تلعب دوراً وطنياً جامعاً عماده الحفاظ على العيش المشترك وتخطي المصالح الظرفية أو الطائفية الضيقة. والتاريخ مليء بالأحداث والمحطات التي تشهد على ذلك، بدءاً من العلاقة بين البطريرك أنطون عريضة وأول رئيس بعد الاستقلال بشارة الخوري، مروراً بالعلاقة الصدامية بين البطريرك بولس المعوشي وكميل شمعون لدرجة أن البطريرك لُقب يومها بـ “محمد المعوشي”، وكذلك العلاقة بين الرئيس فؤاد شهاب والمعوشي الذي ذهب إلى حد رعاية “الحلف الثلاثي” الذي قام عام 1968 في وجه الشهابية خلال عهد الرئيس شارل حلو، والذي ضم شمعون وريمون اده وبيار الجميل. ناهيك عن العلاقة السيئة بين البطريرك انطونيوس خريش خلال الحرب الأهلية مع الأقطاب الموارنة (حرب الجبل).

أما المحطات المفصلية الأهم فهي تلك الحديثة التي طبعت العلاقة بين البطريرك نصرالله صفير الذي خاض معركة الاستقلال الثاني منذ توليه سدة البطريركية عام 1986 رافضاً الاتفاق الأميركي-السوري الذي قضى عام 1988 بتسمية مخايل الضاهر للرئاسة. إلا أنه في الوقت عينه رفض أن ينحاز مع طرف ضد آخر فكانت أول محاولة لدفعه إلى تسمية مجموعة اسماء كي يتم اختيار رئيس من بينها ولكنه رفض، فكان أن تمركز عون في بعبدا وباقي القصة معروف. وعندما تم التوصل إلى “اتفاق الطائف” لم يتردد في دعمه لوقف الحرب، ثم راح بعدها يرفع الصوت ضد الوصاية السورية إلى أن بدت تلوح بوادر الخلاف مع الرئيس إميل لحود. ورغم أنه رفض أن يتم إسقاطه في الشارع، غير أنه تساءل علناً أكثر من مرة عما يفعله في قصر بعبدا، لدرجة أنه أرسل مع أحد المطارنة يطالبه بالاستقالة. طالب بإطلاق سراح سمير جعجع من السجن ورحب بعودة ميشال عون وبفوز تياره في الانتخابات، ولكنه لم يكن أقل قساوة معه عندما قال إنه “يحلم بالرئاسة ولا هدف له غير ذلك”. وعند انتهاء عهد لحود عام 2007 حين دخلت الرئاسة في فراغ مورست ضغوط قوية على صفير من كل الاتجاهات تطالبه بأن يسمي مجموعة أسماء، تردد كثيراً وطويلاً إلى أن وافق أخيراً على تسمية خمس شخصيات، أربعة منهم مستقلين. غير أنه اضطر لاحقاً للندم لأنه لم يتم اختيار أي منها، واستمر الفراغ وتدهورت الأوضاع إلى أن قام “حزب الله” بغزو بيروت والذهاب إلى مؤتمر الدوحة والاتفاق على قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً.

بعد تنحي صفير وانتخاب بشارة الراعي بطريركاً عام 2011 اعتقد الأخير أن جمع القادة المسيحيين، ومعظمهم قادة ميليشيا سابقين، وتفاهمهم هو في صالح المسيحيين والبلد. فكان أن جمعهم في بكركي وتم الاتفاق على أن الأكثر شعبية بينهم تكون له الرئاسة، فعادت المنافسة بين عون وجعجع وعاد الاستقطاب الحاد إلى الساحة المسيحية إلى أن حسمها عون بجلوسه في حضن “حزب الله”. واليوم يحتار الراعي مجدداً بين دور بكركي الوطني الجامع ومحاولة البعض جره إلى اصطفاف طائفي أو الانحياز إلى طرف دون آخر أو إلى لعبة تسمية أسماء.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us