ربما الفرصة الأخيرة


أخبار بارزة, خاص 3 شباط, 2023

لن يكون البطريرك الراعي، للمرة الأولى، على رأس مبادرة تهدف إلى تعزيز الاستقرار الوطني في واحدة من أكثر المراحل إحراجًا تمرّ على البلاد، فهو لعب دوره في الحرص على هذا الاستقرار مرات عدة.


كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

أوّل ما تؤشر إليه مبادرة بكركي الجديدة هو الاقتناع بأنّ أزمة تغييب رئيس الجمهورية لم يعد يصحّ أن تتمدّد أكثر، وأن الخفة في التجاذبات السياسية التي تتقاذفها لم تعد تُسكت جوع الناس، ولا توفر الحلول لأزماتهم المعيشية، ولا تواري حرمانهم من عيشٍ كريمٍ لم يعتادوا غيره.
حرص بيان لقاء بكركي لرؤساء الطوائف المسيحية على ترسيم إطار تفويضهم البطريرك الماروني بشارة الراعي بالآتي:
• تأكيد مسؤولية مجلس النواب عن انتخاب رئيس الجمهورية، كونه واجبه الوطني.
• “ائتمان” البطريرك على اللقاء، في بكركي، مع من يراه مناسباً، بما في ذلك النواب المسيحيون.
• حثّهم على المبادرة سويًّا، مع النواب المسلمين لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.
• أن يكون ذلك “في أسرع وقت ممكن”.
بمقدار ما يضفي البيان لمسة تفاؤل بإمكان الوصول إلى نتيجة مجدية توصل رئيساً إلى الموقع الدستوري التنفيذي الأوّل، فإنّه يشير إلى يأسٍ من انتظار وصول مجلس النواب إلى فك الحصار عن درب بعبدا، وإسقاط الابتداعات في تطبيق الدستور، ومنها ما يجعل الـ11 جلسة انتخاب جلسة واحدة ومعلقة، ولا تقع الدعوة إلى التحاور، والتوافق على مرشح بعينه، سوى في منحى التفخيخ والإرجاء، انتظاراً لظرف إقليمي ودولي يناسب المعرقلين، الذين يعرفون أنهم لا يستطيعون، في الظروف الراهنة، أن يكرروا تجربة ميشال عون سنة 2018، وتعطيل الاقتراع سنتين ونصفاً، حتى يقبل به الشركاء في الوطن، عبر ضغوط ليس بينها وبين الديموقراطية ما يشبه الودّ والاحترام.
لكن وصول رؤساء الطوائف المسيحية إلى تفويض البطريرك الماروني على تنكّب هذه المهمة، له محاذير لدى المجتمع اللبناني طليعتها أنّ الفشل فيها يعني إقفال الأبواب أمام الحلول المحلية لاستعصاء انتخاب الرئيس الموعود، فيما لا تكفّ المراجع الدولية، دولاً ومنظمات أممية، عن حضّ اللبنانيين على انتخاب الرئيس، وبدء الإصلاحات البنيوية التي تسمح بخروج لبنان من لجة الضيم التي أُدخل فيها.
لن يكون البطريرك الراعي، للمرة الأولى، على رأس مبادرة تهدف إلى تعزيز الاستقرار الوطني، في واحدة من أكثر المراحل إحراجًا تمرّ على البلاد. فهو لعب دوره في الحرص على هذا الاستقرار مرات عدة، لعل في طليعتها التنسيق في نهاية العام 2020 مع الرئيس المكلّف سعد الحريري لإحياء التواصل مع قصر بعبدا، بحيث أُعيد الخلاف مع الرئيس، حينها، ميشال عون، إلى بعده السياسي، وعُرّي من صبغته الطائفية، ولعل الإشارة في البيان، إلى أن المؤتمرين “لهم ملء الثقة بتضامن رؤساء الطوائف الإسلامية” معهم، ما يلجم المخاوف لدى البعض من إضفاء الصبغة الطائفية على المبادرة.
كان البطريرك الراحل نصرالله صفير يؤكد دوماً أن بكركي لا تتدخل في تفاصيل الحياة السياسية، لكنها تتخذ موقفاً وطنياً، وهو ما ينطبق على البطريرك صفير الذي أدى موقفه من الانتخابات عام 1992 إلى مقاطعة المسيحيين لها، وعارض بحدّة قانون الانتخاب الذي عُرف بـ «قانون غازي كنعان»، داعماً قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري قانون 1960 الذي كان يسميه “قانون القضاء” ويعتبره الأفضل، قبل أن يقتنع، في مرحلة سبقت “اتفاق الدوحة” بأنه لم يعد مفيداً، وترك للقيادات السياسية التفتيش عن قانون “مقنع”.
قد يكون صفير الوحيد بين البطاركة الذي دخل في الاستحقاق الرئاسي، في أكثر المراحل السياسية حدة وصعوبة، من باب التسمية المباشرة لمرشحين، بعد ضغط فرنسي، وقبلها محاولة أميركية في نهاية عهد الرئيس الجميل للغاية ذاتها. لكنّ هذا لم يمنع بكركي من أن تكون موجودة عند كل استحقاق، علماً أن مؤسسات رهبانية وقفت إلى جانب رؤساء للجمهورية كما فعلت الرهبانية المارونية اللبنانية، مع انتخاب الرئيس بشير الجميل، والرهبانية الأنطونية في وقوفها إلى جانب العماد ميشال عون منذ التسعينيات.
تتوجّه الأنظار إلى البطريركية المارونية بعد “ائتمان” البطريرك على محاورة النواب المسيحيين، وفي ظلال تغييب رئيس الجمهورية، وهي تدخل اليوم بقوة على خط الاستحقاق الأبرز لدى المسيحيين وبالتحديد لدى الموارنة، وهي قامت عند حصول فراغ مماثل قبل نحو 8 ‏سنوات، بجمع الأقطاب المسيحيين تحت قبتها، وتفاهموا على السير بأحدهم رئيساً للجمهورية، لكنها لم تبادر، قبل المؤتمر، لرفض هؤلاء الجلوس إلى طاولة واحدة نتيجة خلافاتهم المستعرة.
الدعوة إلى محاورة النواب جاءت ترجمة لما نقل قبل فترة على لسان البطريرك بقوله عن القيادات المسيحية، “أنهم ‏غير جاهزين للجلوس إلى طاولة واحدة”، وأن “الحوار الآن هو بالاتجاه إلى البرلمان والتصويت والتشاور للوصول إلى نتيجة”.
مبادرة بكركي أكثر من نافذة أمل بنهاية جرجرة انتخاب رئيس جديد، إذ أنّ فشلها سيفتح الباب عريضاً أمام دور دولي مباشر في الوصاية على البلاد، وأمام انفجار مدوٍّ للأزمة المعيشية.
هي الفرصة الأخيرة؟
ربما!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us