القضاء خلع عنه عباءة الاعتكاف.. والمحامون يحاربون باللحم الحيّ!


أخبار بارزة, خاص 5 شباط, 2023

نقابة المحامين والقضاء هما جناحا العدالة، وإذا تأثر أيّ منهما بمشكلة ستنعكس حكماً على الآخر، لذلك كان المحامون الأكثر تضرراً من الاعتكاف القضائي.


كتبت ريتا صالح لـ”هنا لبنان”:

الانهيار الذي ألمّ بكافة مفاصل البلاد الاقتصادية منها والاجتماعية والتربوية والصحية اللبنانية، عرّى مسار السلطة السياسية: تفكّك في الآراء، نكد سياسي، تكبّر وتسلط في إدارة الأمور العامة، تخبّط في الاتفاق على مصلحة الوطن، السير وراء المصالح الخاصة، سوء تفاهم بين الحلفاء، تعابير “لا أخلاقية” بين الأخصام… وأخيرًا، “هرطقات قضائية”… وكلٌّ يغني على ليلاه!

بعد تداعيات الانهيار الكبير وكل المواجهات الاقتصادية الصعبة والاحتقانات السياسية “المملّة” والميؤوس منها، كان التطوّر في المشهد القضائي الصدمة الكبرى. ففيما ظلّ الجسم القضائي معطّلاً لفترة طويلة، تاركاً مسائل الناس عالقة في أدراج المكاتب، وفي ظلّ اعتكاف القضاة عن عملهم، وُضعت مهام المحامين جانبًا. فهل يتأثر عمل المحامين بالسجالات الحاصلة في الجسم القضائي في الآونة الأخيرة؟ وهل يتم اليوم التعاون “الإيجابي” بين القضاة والمحامين لإنهاء وإنجاز الملفات العالقة منذ اعتكافهم؟ أم أنّ العراقيل ما زالت سيدة الموقف أمام إنهاء ملفاتهم ومهامهم القانونية؟

في هذا الإطار، أكد نقيب المحامين في بيروت الأستاذ ناضر كسبار في حديث خاص لـ “هنا لبنان” أنّ نقابة المحامين والقضاء هما جناحا العدالة، وإذا تأثر أي منهما بأي مشكلة سيتأثر الآخر. وشدّد على أنّ المحامين لا يستطيعون العمل إذا كان القضاء معتكفاً أو متوقفًا عن العمل، لذلك كل ما يحصل داخل مجلس القضاء الأعلى أو داخل الجسم القضائي ككل كدعاوى ومشاكل وإضرابات واعتكافات، جميعها تؤثر على المحامين مباشرة وهم تلقائياً أكثر الناس تضررًا من جراء الاعتكاف القضائي.

كما أكّد أنّه من الطبيعي أن يعاني المحامون من صعوبة في إنهاء ملفاتهم العالقة، أولاً لأن هناك بعض القضاة لم يعودوا حتى الآن إلى عملهم بشكل كامل، وثانيًا، أنه حين كان القضاء في أيامه العادية وبكامل أجهزته كانت الدعاوى تتأجل من 8 إلى 10 أشهر ومنها أكثر أو أقل، فحتى لو عاد جميع القضاة إلى عملهم وعلّقوا الإضراب لن يستطيعوا تعيين جلسات سريعة فاليوم هناك محاكم بدأت تتعيّن لسنة 2024.

ومن جهته يشير عضو تكتل الجمهورية القوية النائب جورج عقيص في حديث لـ “هنا لبنان” كونه محامٍ ولا يزال يمارس مهنته، إلى أنّ المحامين يرحبون بعودة العمل القضائي، لأننا لا نستطيع أن نتخيّل الدولة والمجتمع والشعب من دون قضاة وقضاء، يحيث أن القضاء والمحاكم شرط أساسي من شروط استتباب العمل العادي في أي دولة ومجتمع، مشددًا على أن الأمور التي تتعلق بالقضاة بحاجة إلى علاج من أساس المشاكل وعمقها وليس “بإعطاء إبرة مخدّر لهذا القطاع”.

واعتبر عقيص أن معاناة المحامين اليوم كبيرة، بحيث أنه لم يعد هناك ” Business” واقتصاد في البلد، وهذا الأمر يؤثر على جميع القطاعات في الدولة، ومنها المحامين. وأضاف أن موضوع “أتعاب” المحامين اليوم يشكل مشكلة أيضًا، فكيف سيتقاضون أتعابهم بالليرة اللبنانية أو بالدولار، مشدداً على أنّ معيشة المحامي أصبحت مهددة فيما هناك عدد كبير من المكاتب قد أقفلت أبوابها، وخصوصاً الشباب منهم. ورأى عقيص أن وضع العدالة في لبنان لا يمكن أن نعزله عن الوضع الاقتصادي لجميع القطاعات الأخرى.

كما اعتبر أن وضع القضاة متشنّج داخلياً بالإضافة إلى موضوع معيشتهم، والضغوطات التي تأتيهم من كل جهة، متوقعًا أن الأمور متجهة إلى المزيد من التأزم بشكل عام. وقال إنه لا شك أن المحامين يتأثرون أيضاً بالضغوطات من قبل موكليهم، نتيجة التأخر بإحقاق الحق، وعدم عقد جلسات طوال أشهر، معتبراً أن هذا كله يشكّل ضغطًا كبيرًا على المحامين، مشيدًا بدور نقابة المحامين بإدراك المشقات والمصاعب التي يعاني منها المحامون والمساعدة على قدر إمكانياتها.

وأوضح عقيص أنّ جهوده مع بعض النواب اليوم تصبّ في التعجيل لإقرار قانون “استقلالية القضاء”، آملاً أن ينقل هذا القانون القضاء من ضفّة إلى ضفّة، ويعطي للقضاء مسؤولية إدارة المرفق القضائي من دون أي تدخل من قبل السلطة السياسية. وختم عقيص أن المحامين اليوم يتأثرون بالوضع الاقتصادي، أمّا القضاة فيتأثرون بالوضعين الاقتصادي والسياسي.

القضاء اللبناني اليوم يترنّح وينحدر رويدًا رويدًا إلى حافة الهاوية، وربما سيلتحق بالمسارين السياسي والاقتصادي اللذين ورّطا لبنان بالمجهول.. والعين حاليًا على العقول الوازنة والساهرة على مصلحة البلد وشعبه.. ولا سيّما أنّ المستقبل سيخبىء للوطن إمّا الفكر التفاؤلي -المسؤول والحاضر لبناء دولة جديدة على كل المستويات، وإمّا الفكر التشاؤمي الذي سيدفع البلد إلى الاستمرار في الهبوط نزولاً إلى عمق الهاوية ليصبح لبنان وشعبه بلا “هوية”!

الآمال اليوم معلقة بالجسم القضائي النظيف و”الآدمي” وتطبيق القوانين بشفافية ووضوح لإعادة لبنان الدولة الحرّة والمستقلة وغير المقيّدة بأي “أجندات سياسية”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us