المسيحيون وإضاعة بوصلة الدولة


أخبار بارزة, خاص 18 شباط, 2023

يزعم باسيل أنه يقاتل من أجل استعادة حقوق المسيحيين، وهو للمفارقة متحالف مع “خاطف” هذه الحقوق المزعومة.


كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:

لبنان الكيان كان قائماً منذ ما قبل الدولة بزمن طويل، جسدته إمارة جبل لبنان الدرزية – المارونية، وكان يقاوم الحكم العثماني بأشكال مختلفة. وبعد انهيار السلطنة وضع لبنان تحت الانتداب الفرنسي. عندها اندفع قسم من المسيحيين للمطالبة بدولة لبنان الكبير يتقدمهم بطريرك الموارنة الياس الحويك الذي ترأس الوفد اللبناني إلى فرساي مطالباً باستقلال لبنان الكبير الذي أعلن عام 1920 من قصر الصنوبر في بيروت. وبيت القصيد أن الحويك لم يسعَ إلى كيان مسيحي كما كانت تروج له فرنسا، ولم يطالب بدولة للموارنة أو للمسيحيين وإنما بـ “دولة المواطن وليس دولة الطائفة” كما جاء حرفياً في الخطاب الذي ألقاه يومها. وقام لبنان المستقل عام 1943 على الميثاق الشهير الذي جسده تفاهم بشارة الخوري ورياض الصلح حول الصيغة الفريدة للبنان التنوع السياسي والتعدد الطائفي ضمن دولة الاستقلال.

لم يقاتل بشارة الخوري، أول رئيس للاستقلال، من أجل أن يستأثر المسيحيون بالسلطة، وإنما أسس كتلة سياسية نيابية عابرة للطوائف هي الكتلة الدستورية، وتنافس مع خصمه المسيحي إميل إده الذي ترأس بدوره الكتلة الوطنية العابرة أيضاً للطوائف. كان التنافس على بناء الدولة والمؤسسات واستمر على هذا المنوال حتى عهد الرئيس شارل حلو عام 1970. وقد قامت الكتلة الدستورية على زعيمها و”بي الاستقلال” عندما خالف الدستور عام 1947 من أجل التمديد لنفسه، وتمكنت من إجباره على الاستقالة في عام 1952. وقد عمل كميل شمعون، الذي خلف بشارة الخوري في الرئاسة، على تعزيز الدولة وتحفيز النمو والازدهار الاقتصادي في عهده، وليس إلى تجييش حالة مسيحية إلى جانبه، ولم يؤسس حزباً إلا بعد أن ترك الرئاسة وكانت كتلته النيابية مكونة من مختلف الطوائف ونصفها من المسلمين. أما فؤاد شهاب فكان همه الأساس والوحيد بناء دولة المؤسسات بمفهومها الحديث القائم على الكفاءة والنزاهة في مختلف القطاعات ومرافق الحياة، لدرجة أنّ الأكثرية السياسية والنيابية التي كانت تدعمه وتحمل مشروعه هي من المسلمين، وكان على خصام مع أكثرية الزعماء المسيحيين الموارنة. واستمر نهجه حتى نهاية عهد حلو ما دفع بشمعون وريمون إده وبيار الجميل إلى تشكيل ما سموه يومها “الحلف الثلاثي” لمواجهة النهج الشهابي في انتخابات 1968.

ولم تكن الكنيسة بعيدة عن خيار ونهج الدولة والمؤسسات إذ كانت تؤكد في مواقفها وإصداراتها أن لبنان هو بلد العيش المشترك، وأن لا خيار أمام المسيحيين سوى الدولة. وكان بطريرك الاستقلال الثاني الراحل نصرالله صفير يكرر أن “المسيحيين وجدوا من أجل لبنان وليس لبنان من أجل المسيحيين”. ولم يتردد سلفه البطريرك انطونيوس خريش بمعارضة خيارات بعض الزعماء الموارنة خلال الحرب درءاً للفتنة الطائفية وصوناً للعيش المشترك في الجبل، ثم قرر الاستقالة من سدة البطريركية احتجاجاً على الممارسات التي أدت إلى الاقتتال بين الزعماء الموارنة أنفسهم.

في المقابل، يقول اليوم زعيم التيار العوني جبران باسيل أنه يقاتل من أجل استعادة حقوق المسيحيين، وهو للمفارقة متحالف مع “خاطف” هذه الحقوق المزعومة. غير أن هذا الخاطف هو في الحقيقة يخطف الدولة ويقيم مكانها سلطة دويلة مسلحة تهيمن على قرار الدولة وعلى مؤسساتها، ويعيث حلفاؤه فيها، ومن ضمنهم باسيل، الفساد والزبائنية والنهب. ويختلف باسيل مع حليفه وفريقه اليوم ليس على خيار الدولة وإنما على هوية الشخص الذي ينتمي إلى الفريق نفسه. وهذا يعني بالتالي أنه إذا كان هو الشخص الذي يقع عليه الاختيار للرئاسة عندها تتأمن حقوق المسيحيين، أما الدولة تبقى مخطوفة من قبل الدويلة وصاحبها “حزب الله”، في تكرار لتجربة ميشال عون في الرئاسة.

لذلك، كلام البطريرك الحالي بشارة الراعي عن أن المسيحيين يختلفون على هوية الرئيس بينما الآخرون يختلفون على هوية لبنان، بات يقصد خاطفي الدولة أنفسهم وصانعي رؤسائها، والذين يريدون لها هوية غير تلك التي أسس لها رجال الاستقلال وبناة الدولة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us