الدولة المرتجاة أولاً وأخيراً!


أخبار بارزة, خاص 21 شباط, 2023

المشكلة الرئيسيّة تتمثل في غياب آليّات المحاسبة والمساءلة في لبنان والتي لا تتيح إحداث التغييرات الجوهريّة المطلوبة التي يمكن من خلالها إعطاء الدفع الضروري لجيل الشباب الذي فقد الأمل بوطنه.


كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:

بعيداً عن الشوفينيّة اللبنانيّة المقيتة التي غالباً ما تفترض أنّ الكوكب بأسره منشغل بمآسينا وفشلنا وقضايانا المحليّة التافهة، لا مناصَ من الإقرار بأن ثمّة ميزات لبنانيّة أعطت للبنان حضوراً في الكثير من الأوساط اللبنانيّة ولكن هذا حدث ويحدث بسبب كفاءات اللبنانيين أنفسهم وليس بسبب سياسات الدولة!

قصص النجاح اللبنانيّة في الاغتراب، على قدر ما تدفع إلى الاعتزاز وتشكل مساحات كبيرة من التفاعل الثقافي الحي وتؤمن مسارات دعم مالي لصمود الداخل اللبناني البائس؛ بقدر ما تدفع إلى السؤال البديهي: كيف يمكن لشعب يملك قدرات بشريّة هائلة وينخرط بفاعليّة في المجتمعات التي يقصدها ويحقق نجاحات باهرة، أن يفشل في إدارة شؤون وطنه الأم الذي منه انطلق وإليه سيعود مهما طال الزمن؟

المشكلة الرئيسيّة تتمثل في غياب آليّات المحاسبة والمساءلة في لبنان والتي لا تتيح إحداث التغييرات الجوهريّة المطلوبة التي يمكن من خلالها إعطاء الدفع الضروري لجيل الشباب الذي فقد الأمل بوطنه ويسلك دروب الهجرة متى أتيحت له الفرصة الجديّة لذلك، أو أن ينكفئ مستسلماً لقدره المؤلم.

ولكن المشكلة الأكثر تعقيداً تتصل بغياب الإرادة السياسيّة لتحقيق الإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي المطلوب والاستنكاف الإرادي عن تطبيق ما نصّ عليه الدستور من إصلاحات وردت في وثيقة الوفاق الوطني اللبناني (إتفاق الطائف) التي لم تُستكمل بنودها بشكل تام، ولعلّ البنود غير المطبقة هي الأكثر أهميّة لناحية الإصلاحات التي طال إنتظارها.

قد لا تكون تلك الخطوات الإصلاحيّة مثاليّة أو ترقى إلى طموحات المواطنين الذين يبحثون عن دولة المساواة والعدالة الإجتماعيّة، ودولة القانون والمؤسسات، ودولة القضاء النزيه والمستقل. ولكنها خطوة أولى دون شك على طريق بناء الدولة المنتظرة التي لا خلاص للبنانيين بجميع فئاتهم من دونها.

مهما بلغ فائض القوة والزهو والاعتداد بالذات مبلغاً متقدماً عند بعض الأطراف السياسيّة اللبنانيّة، إلّا أنّه لا مفرّ، حتى بالنسبة لها، من قيام الدولة. البديل عن الدولة هو الفوضى والتشرذم والانقسام.

الإصلاحات الأساسيّة التي تتمثل في إلغاء الطائفيّة السياسيّة وإنشاء مجلس الشيوخ وانتخاب المجلس النيابي خارج القيد الطائفي هي خطوات هامة ومن شأن تطبيقها أن يحدث تحولاً عميقاً في الحياة الوطنيّة والدستوريّة والسياسيّة.

بدل الإصرار الفارغ من قبل البعض على تطبيق خيارات تقسيميّة في اللحظة التي يفترض أن تسعى فيها كل فئات المجتمع اللبناني إلى الوحدة، فليتم الضغط من أجل تطبيق الدستور بجميع أحكامه.

في لحظات الانهيار المتتالية، يتزايد الخوف المشروع على الدولة. “حبيبتي الدولة”!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us