انتخابات الرئاسة: التوازن السلبي والأضرار الكبيرة!


أخبار بارزة, خاص 7 آذار, 2023

عمليّاً، نجحت القوى المكوّنة لمحور الممانعة بجر بعض القوى السياديّة إلى منطقها وطريقة عملها، واستدرجتها إلى فخ سياسي كبير سوف يترك أثره على مجمل العلاقات الداخليّة وطبيعة تكوينها وتطورها في المراحل المستقبليّة.


كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:

المواقف السياسيّة المعلنة للثنائي الشيعي من ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة إلى الرئاسة الأولى دفعت الاستحقاق الانتخابي نحو محطة جديدة. صحيحٌ أنها لم تكشف سراً بإعلان هذا الموقف الذي كان معروفاً ولكن استبدال الاقتراع بالورقة البيضاء بالترشيح الرسمي لفرنجيّة أخذ الأمور نحو منعطفات مغايرة لإدارة المعركة في المرحلة المنصرمة.
من أبرز هذه المنعطفات هو قطع الطريق على ترشيح قائد الجيش الذي كانت أسهمه الرئاسيّة آخذة في الارتفاع، كما قطعت الطريق على التداول بأسماء أخرى من تلك الفئة الوسطيّة، إذا صح التعبير، التي تقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين والتي تتلاءم مواصفاتها تماماً مع طبيعة المرحلة الراهنة.
في كل مرة يختار محور الممانعة مرشحاً ينتمي بالعمق إلى محوره (مثلما حصل مع الرئيس السابق ميشال عون رغم نفي حزب الله أنه كان مرشحه)، فإنه يعني بذلك إصراره على الذهاب بالبلاد نحو حقبة جديدة من الاستقطاب الحاد بين اللبنانيين والقوى المتصارعة في الساحة الداخليّة.
من هنا، يبدو أن تطبيق قاعدة التوازن السلبي بين القوى السياسيّة اللبنانيّة سوف يتحكم بمسارات اللعبة الداخليّة في المرحلة المقبلة نتيجة فشل المجلس النيابي بعد العديد من الدورات بإنجاز الاستحقاق الرئاسي الذي كان من المفترض إتمامه قبل انتهاء ولاية عون.
وإذا كانت هذه القاعدة قد تحول في بعض اللحظات الحساسة دون “تسلل” قرارات لا تصب في مصلحة البلاد أو أنها تجرّه إلى حيث لا يُراد، بحيث يُستفاد إيجاباً من التوازن السلبي في المعادلة الداخليّة لتعطيلها؛ إلا أنه يُكرّس أيضاً نهج محور الممانعة والأطراف المتحالفة معه في انتهاج سياسة التعطيل حيث تتطلب المصلحة الفئويّة لبعض القوى القيام بذلك!
انسحب هذا المنطق اليوم على عقد جلسات المجلس النيابي، فبعد تعطيل جلسات اللجان المشتركة، صدرت مواقف واضحة لقوى سياسيّة وازنة حذّرت فيها أنها سوف تمارس اللعبة ذاتها للحيلولة دون وصول مرشح من خط الثامن من آذار إلى الرئاسة الأولى.
عمليّاً، وبمعزل عن هويّة الرئيس الذي ترفض تلك القوى انتخابه (وهذا حق لها في مطلق الأحوال)، نجحت القوى المكوّنة لمحور الممانعة بجر بعض القوى السياديّة إلى منطقها وطريقة عملها، واستدرجتها إلى فخ سياسي كبير سوف يترك أثره على مجمل العلاقات الداخليّة وطبيعة تكوينها وتطورها في المراحل المستقبليّة.
لا يمكن للقوى “السياديّة” أن تنجر إلى ممارسة الأساليب السيئة التي تُمارسها القوى المناهضة لها والتي لطالما كانت تشكو منها وتعتبرها أنها على طرفي نقيض مع أحكام الدستور ومع الأصول الديمقراطيّة الهشة التي تتعثّر أكثر يوماً بعد يوم في لبنان، وتضع البلاد أمام منعطفات خطيرة من شأنها أن تمس بكل التركيبة القائمة وبالصيغة اللبنانيّة برمتها وأن تضعها أمام احتمالات إعادة تكوينها وفق أسس جديدة.
صحيحٌ أنه من غير المقبول مواصلة العمل السياسي والتشريعي بالكامل وكما يُقال باللغة الانكليزيّة business as usual في ظل الشغور الرئاسي، لا بل من المفترض البحث الجدي عن السبل الآيلة لإخراج البلاد من المأزق الكبير الذي وقعت فيه ومدخلها الطبيعي انتخاب شخصيّة تحظى بالاحترام في الداخل والخارج إلى منصب الرئاسة الأولى، ومن غير المقبول أن تتصدّر أي أولويّة أخرى هذا الملف الهام.
ولكن الصحيح أيضاً أن إغراق البلاد في دوامة لا تنتهي من التعطيل والتعطيل المضاد، وإدارة شؤون الناس التي تئن من الأزمات المتفاقمة اقتصادياً واجتماعياً ومالياً يعني عمليّاً سقوط كل المحاولات الإنقاذيّة، مهما كانت متواضعة، بانتظار انتخاب الرئيس.
الأفق السياسي مسدود، وكذلك الأفق الدستوري. لعبة التوازن السلبي سوف تزيد من الانسداد إياه. المطلوب كسر هذه الحلقة المفرغة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us