بين الاكتظاظ والمجاعة والظّروف الكارثيّة… ماذا سيفجّر السّجون اللّبنانيّة أوّلًا؟


أخبار بارزة, خاص 8 أيار, 2023

السّجون اللّبنانيّة أشبه بقنابل موقوتة، تتعدّد الأسباب الّتي قد تدفعها للانفجار في أيّ لحظة. وجريًا على عادتها، تواجه الدّولة الأزمات المتلاحقة بحلولٍ ترقيعيّة. فهل ستطلّ المجاعة برأسها مجدّدًا بين زنزانات السّجون المكتظّة وتفجّرها، أم أنّ الظّروف الكارثيّة الأخرى ستتولّى المهمّة؟

كتب إيلي صرّوف لـ”هنا لبنان”:

رواياتٌ تملأ مئات المكتبات، تدوَّن يوميًّا خلف قضبانٍ حديديّةٍ، لا شكّ أنّها أكثر ليونةً من ظروف حياة معظم أبطال هذه القصص. قضبانٌ تقضم أحلام البعض، تساهم في تحويل الكثيرين إلى مجرمين، وتشهد بصمتٍ على الاكتظاظ والإجرام والذّلّ والمعاناة والتّحضير لثورة جياعٍ بدأ يشتعل فتيلها. كيف لا، وأغلبيّة نزلاء السّجون في لبنان، يعانون من عدم توافر أدنى المقوّمات المطلوبة للعيش، وغياب أيّ بصيص أملٍ في انفراجةٍ حقيقيّةٍ ومديدة.

بين “قطعة السّماء” التّي أصبحت أشبه بسجنٍ كبيرٍ يتجوّل ساكنوه بلا أصفادٍ، والسّجون الرّسميّة الـ25 الموزَّعة على مختلف الأراضي اللّبنانيّة، تُنافس الأزمة الاقتصاديّة والمعيشيّة الطّاحنة نفسها، فلا تميّز بين بريءٍ ومُدانٍ وموقوفٍ، بل ترخي بظلالها الثّقيلة حيثما وطأت. لكنّ المفارقة أنّ تداعيات هذه الأزمة على السّجناء، تُضاف إلى ما يعانونه أساسًا من إهمالٍ عمره سنوات، تراجُعٍ بالتّقديمات الطبيّة ومعايير النّظافة، صعوباتٍ لتأمين الأدوية، توقيفات لفتراتٍ طويلةٍ من دون محاكمات واكتظاظ.

في هذا السّياق، يوضح رئيس جمعيّة “عدل ورحمة” الأب الدّكتور نجيب بعقليني، في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّه “كانت هناك أزمةٌ في السّجون اللّبنانيّة والنّظارات لأسبابٍ عدّةٍ في السّنوات الماضية، إلّا أنّ الأزمة الاقتصاديّة الماليّة الاجتماعيّة والسّياسيّة الّتي يتخبّط بها لبنان منذ نهاية عام 2019، زادت الوضع سوءًا في السّجون، وباتت الحالة مزريةً ومخزيةً ومخجلة”، مشدّدًا على أنّ “الأزمة كارثيّةٌ على السّجون والنّظارات والمخافر، وهناك غياب لمعظم مقوّمات العيش الأساسيّة، بسبب شحّ الإمكانيّات المادّيّة المخصّصة للطّبابة والاستشفاء والأدوية والمحامين وغير ذلك”.

ويؤكّد أنّ “على الدّولة أن تؤمّن للأشخاص المحرومين من حرّيّتهم، الحقوق الأساسيّة والضّروريّة، وهي تقوم بذلك إلى درجٍة معيّنة”، مشيرًا إلى أنّ “قوى الأمن الدّاخلي مولجةٌ بمهمّة إدارة السّجون وحراستها، لكنّ الحكومات المتعاقبة لم تولِ ملفّ السّجون الاهتمام الكافي، ولم ترفع الميزانيّات المخصّصة لها، وبالتّالي لم نتمكّن من الدّخول في عمليّة تأهيل السّجون والمساجين، وإعادة دمجهم في المجتمع”. وأفاد بـ”أنّنا مع غيرنا من الجمعيّات، نهتمّ بمسألتَي الدّمج والتّأهيل”.

ويحمّل الأب بعقليني مسؤوليّة تدهور الأمور إلى “الحكومات المتعاقبة، بالإضافة إلى مجلس النّواب الّذي كان عليه أن يحاسب هذه الحكومات؛ فالمطالَبات الّتي وجّهها بعض النّواب للوزراء المعنيّين غير كافية”، لافتًا إلى أنّ “من أبرز التّحدّيات في السّجون اليوم هي تلك المرتبطة بالنّظافة العامّة والنّظافة الشّخصيّة، تأمين الطّعام بطريقة لائقة، وعدم وجود أدوية كافية… ويتمّ الاتّكال هنا على الأهالي والجمعيّات، ومن بينها “عدل ورحمة”.

لا شكّ أنّ الاكتظاظ من أبرز العناوين الّتي تتصدّر لائحة المشاكل الّتي تعانيها السّجون، إذ أنّ عدد النّزلاء يفوق قدرة السّجون على الاستيعاب. غير أنّ استمرار توقيف الكثير منهم طويلًا من دون محاكمات، بسبب تأجيلها باستمرار نتيجة الإضرابات في القضاء وتقنين الجلسات، وارتفاع عدد الموقوفين من الجنسيّة السّوريّة؛ فاقم من معاناة المساجين.

ويركّز في هذا الصّدد، على ضرورة “تسريع المحاكمات الّتي لم تكن تسير بالوتيرة المطلوبة، وإقرار قانون تقصير السّنة السّجنيّة إلى ستّة أشهر”، كاشفًا أنّ “80% تقريبًا من الموجودين في سجن رومية، هم موقوفون وليسوا محكومين بعد. كما أنّ نحو 38 بالمئة من المتواجدين في السّجن المذكور، هم من الجنسيّة السّوريّة”.

في الدّول المتقدّمة والحضاريّة، حيث يسود احترام الإنسان، وتتواجد دولةٌ فعليّةٌ تسهر على تطبيق القوانين وحسن سير المؤسّسات، تكون السّجون أشبه بمراكز إعادة تأهيلٍ، تساهم في توجيه المساجين ليكونوا عناصر فاعلين وجيّدين في مجتمعاتهم. أمّا في لبنان، فقد وصلت معاناة السّجناء إلى حدّ تهديد أمنهم الغذائيّ وحرمانهم من وجبات الطّعام، ما أَنذر بمجاعةٍ تطال الآلاف منهم.

ففي 24 آذار 2023، أعلن متعهّدو تقديم المواد الغذائيّة للسّجون، أنّهم سيتوقّفون عن تسليم الطّعام بدءًا من الرّابع من نيسان الماضي، نتيجة عجز الدّولة عن دفع ديونها المتراكمة منذ أكثر من سبعة أشهر. غير أنّ وزير الماليّة في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل أخرج فانوسه السّحريّ، وأجّل انفجار الوضع في السّجون مرحليًّا، مع إعلانه الموافقة على نقل اعتمادٍ من احتياطي الموازنة إلى قوى الأمن الدّاخلي، لتأمين دفع المستحقّات لمتعهّدي تقديم المواد الغذائيّة والوجبات الجاهزة للسّجناء.

ويذكّر بعقليني بأنّ “أزمةً مشابهةً واجهتها السّجون في العام الماضي، وتمّ دفع سلف للمتعهّدين، وعندما تجدّدت المشكلة في آذار، قرّروا أيضًا إعطاءهم مستحقّاتٍ على مراحل؛ ما يعني أنّ هناك تأمينًا للمواد الغذائيّة لمدّة 6 أشهر. في كلّ مرّة تحصل “خضّة”، تكون الحلول ترقيعيّة وقصيرة المدى”. وبيّن أنّه “لا توجد أكثر من الخطط، لكنّ الأساس هو تطبيقها”.

السّجون اللّبنانيّة أشبه بقنابل موقوتة، تتعدّد الأسباب الّتي قد تدفعها للانفجار في أيّ لحظة. وجريًا على عادتها، تواجه الدّولة الأزمات المتلاحقة بحلولٍ ترقيعيّة. فهل ستطلّ المجاعة برأسها مجدّدًا بين زنزانات السّجون المكتظّة وتفجّرها، أم أنّ الظّروف الكارثيّة الأخرى ستتولّى المهمّة؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us