كيف يمكن للدولة تحقيق المزيد من الإيرادات دون فرض الضرائب على المواطنين؟


أخبار بارزة, خاص 19 أيار, 2023

نحن اليوم أمام مفترق طرق، فإمّا أن نستمرّ بزيادة الضرائب على المواطنين وبالتالي ستقفل الشركات أبوابها وسيتقلّص الاقتصاد اللبناني أكثر فأكثر، أو أن نتوقّف عن فرض المزيد من الضرائب على المواطنين ونقوم بتفكيك الاحتكارات لتوسيع القاعدة الضريبيّة


كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:

في الوقت الذي تسعى فيه الدولة اللبنانيّة إلى زيادة إيراداتها لتأمين مداخيل لتمويل سلسلة الرتب والرواتب الجديدة، وسدّ جزء من مصاريفها، من خلال رفع الضرائب على المواطنين اللبنانيين، إن عبر ربط الدولار الجمركي وضريبة الـTVA بسعر منصّة صيرفة أو عبر فرض ضرائب بالدولار بدل تشغيل الأملاك البحريّة، أو حتى حتى فرض ضريبة بالدولار على الأجور المدفوعة بالدولار، قد يكون هناك مصادر دخل أخرى بإمكان الدولة اللجوء إليها دون فرض ضرائب مباشرة على المواطن اللبناني.

زيادة النموّ هي الحلّ عبر فكّ الاحتكار

وفي هذا الإطار يقول الخبير الاقتصادي باتريك مارديني في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” إنّه “بالدرجة الأولى على الحكومة العمل على زيادة النموّ، فهو الذي يؤمّن مدخولاً للدولة وليس الزيادات الضريبيّة التي لن تكون عائداتها للدولة كما يتوقّع البعض. فحجم إقتصاد لبنان المحليّ يبلغ حوالي 20 مليار دولار، فكم من الضرائب يمكن أن تقتطع الحكومة من اقتصاد بهذا الحجم؟ قبل الأزمة كان حجم الإقتصاد 45 مليار دولار أي نحو أكثر من ضعفي الحجم الحالي، ما كان سيسمح للحكومة باقتطاع ضعفي ونصف ما ستقتطعه اليوم. وبالتالي عندما ينمو الإقتصاد ستدّر النسب الضريبيّة الحاليّة مداخيلاً أكبر للحكومة”.

أولاً: فكّ احتكار كهرباء لبنان

وعن العائق الذي يمنع تكبير حجم الإقتصاد اللبناني يجيب مارديني، أنّ “الاحتكارات هي المانع الرئيسي لذلك. فالصناعة اللبنانيّة، لا يمكن أن تنمو وتكبر، وتحقّق أرباحاً، وتدفع المزيد من الضرائب من دون كهرباء، فيما الأخيرة تخنق القطاع الصناعي. والحلّ يكون بفتح قطاع الكهرباء أمام المنافسة. فطالما الكهرباء ليست تحت إدارة سليمة للدولة، وتخضع لاحتكار بعض أصحاب المولّدات، فتكلفة الكهرباء ستكون مرتفعة جداً للقطاعات الصناعيّة، ما سيمنعها من التطوّر والازدهار، وبالتالي ستعجز عن تقديم إيرادات أكبر لخزينة الدولة. إذاً يجب تفكيك إحتكار كهرباء لبنان، والسماح لشركات خاصّة بالدخول ومنافسة كهرباء لبنان في تقديم الكهرباء للشعب والمصانع. وهذه الشركات التي ستدخل إلى قطاع الكهرباء ستدفع بشخصها الضرائب للدولة اللبنانيّة، إذا ما حقّقت أرباحاً (وهو أمر مؤكّد، فهذه الشركات لن تعاني من هدر بنسبة 40% ومشاكل جباية وسرقة، وفوترة، وتأخير وخطط بالية، على غرار كهرباء لبنان)، كما أنّ وجود كهرباء مستدامة بسعر مقبول في لبنان، سيؤدّي إلى نموّ في القطاع الصناعي الذي بدوره سيدفع المزيد من الضرائب للدولة”.

ويضيف أنّ “فكّ الاحتكار في الكهرباء وفتح الأبواب للمنافسة في هذا القطاع، سيسمح بتطوير القطاع الزراعي. فالعائق الأساسي أمام تطوير هذا القطاع هو الكهرباء. فالزراعة تحتاج إلى ريّ، والذي يشكّل الكلفة الأكبر من التكاليف التي يتكبّدها المزارعون. كما أنّ الزراعة تحتاج إلى تبريد، والتبريد يحتاج إلى كهرباء، فطالما أنّ كلفة الكهرباء مرتفعة بسبب احتكار الدولة لقطاع الكهرباء، سيعجز كلا القطاعين الصناعي والزراعي عن النموّ، وبالتالي لن تتمكّن الدولة من اقتطاع المزيد من الضرائب، خصوصاً وأنّ قطاعاته لا تنتج شيئاً”.

ثانياً : فكّ احتكار الإنترنت

وإلى جانب قطاع الكهرباء يأتي احتكار الدولة لقطاع الإنترنت، يتابع مارديني، “وبهذا الاحتكار نتكلّم عن شركة “أوجيرو” الشركة الوحيدة التي يحقّ لها استيراد ساعات إنترنت من الخارج، لا عبر الكابل البحري، ولا عبر الأقمار الاصطناعيّة، كشركة star link. وهذا الاحتكار جعل من نوعيّة الإنترنت في لبنان سيّئة، مقارنة ببلدان أخرى، حيث الإنترنت بطيء جداً، فيما الخدمة غير مؤمّنة في مناطق كثيرة في لبنان، خصوصاً النائية منها، كما أنّ كلفة الإنترنت في لبنان مرتفعة جداً مقارنة بالخدمة. وبالتالي تفكيك إحتكار الدولة لقطاع الإنترنت والسماح بدخول شركات أخرى لمنافسة “أوجيرو” في قطاع الإنترنت، سيؤدّي إلى نشوء قطاع تكنولوجي في لبنان، في الوقت الذي يتحوّل فيه العالم كلّه إلى شركات العالم الرقمي، حيث أنّ معظم اللبنانيين وغير اللبنانيين الراغبين بتأسيس شركات تعنى بالقطاع الرقمي، يقومون بفتح هذه الشركات في دول الخليج أو دول عربيّة مجاورة كمصر أو دول أجنبيّة كتركيا وليس في لبنان. ما يضيّع على الدولة اللبنانيّة الكثير من الأرباح من الشركات التي قد تستثمر في هذا القطاع”.

ثالثاً: فكّ احتكار شركات الطيران

ويشير مارديني إلى أنّ “القطاع السياحي في لبنان، والذي يدخل الكثير من الايرادات إلى خزينة الدولة، هو في الحقيقة قائم على المغتربين اللبنانيين، وليس على السوّاح بالمعنى الفعليّ للكلمة. والسبب أنّ السوّاح الأجانب، كالأفارقة، الإنجليز، والأوروبيّين، والأميركيين، يفضلون زيارة وجهات منافسة للبنان، كتركيا، وقبرص، ومصر وحتى الأردن. لأنّ ثمن تذكرة الطائرة إلى لبنان مرتفع جداً، بسبب احتكار شركة “الميدل إيست” لقطاع الطيران في لبنان. وبالتالي تفكيك احتكار “الميدل إيست”، سيسمح بتخفيض سعر التذكرة إلى لبنان، وسينشّط القطاع السياحي اللبناني، ما يسمح لهذا الأخير بتوفير المزيد من الايرادات لخزينة الدولة”.

ويختم مارديني “بكسر الاحتكارات والقيام بالإصلاحات الثلاثة السابقة، يمكن إدخال مداخيل كبيرة للاقتصاد اللبناني. فنحن اليوم أمام مفترق طرق، فإمّا أن نستمرّ بزيادة الضرائب على المواطنين وبالتالي ستقفل الشركات أبوابها، وسيتقلّص الاقتصاد اللبناني أكثر فأكثر، ونكون بذلك قد عمّقنا الأزمة. أو أن نتوقّف عن فرض المزيد من الضرائب على المواطنين ونقوم بتفكيك الاحتكارات لتوسيع القاعدة الضريبيّة، وبالتالي سنسمح برفع نسب النموّ التي بدورها، ستزيد من حجم الاستثمارات، وستجذب الأموال إلى لبنان، وتؤمّن المزيد من فرص العمل، وطبعاً سيؤمّن ذلك أموالاً لخزينة الدولة”.

تحقيق التنمية المستدامة

وبحسب البنك الدولي، فإن تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلَّب زيادة كبيرة في الاستثمارات خلال السنوات العشر القادمة — أو ما يعادل حوالي 8.2% من إجمالي الناتج المحلي الوطني سنوياً بالنسبة لبعض البلدان النامية. ويشكل ذلك أمراً بالغ الصعوبة حتى على أكثر البلدان ثراءً، أما بالنسبة للبلدان المنخفضة الدخل، فقد يكون عبئاً باهظاً.

فمعظم هذه البلدان تعاني بالفعل من أعباء ثقيلة: نصف أشد بلدان العالم فقراً المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي تواجه على الأرجح ارتفاع أعباء مديونيتها أو تعاني بالفعل منه. ويُدرك كثير منها أن الاقتراض من مقرضين أجانب سيكون خياراً محدوداً في المستقبل – وأن تعبئة موارد محلية في هيئة إيرادات ضريبية سيكون ضرورياً لتحقيق تقدم اقتصادي.

يجب اتباع نهج أكثر ذكاء

واليوم، فإن قيمة الضرائب التي يحصلها أكثر من ثلث البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية –و70% من البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات- تقل عن 15% من إجمالي الناتج المحلي الوطني، ولا يكاد ذلك يكفي أن تُنفِّذ الحكومات أهم الوظائف الأساسية للدولة. ولا شك أنّ مجرد رفع معدلات الضريبة ستكون له آثار سلبية، فقد يفاقم أوضاع الفقر، ويُبطِئ خطا النمو. ومن ثم، فإن زيادة العائدات الضريبية بطرق تتسم بالاستدامة تتطلب اتباع نهج أكثر ذكاء. وهذا النهج يتضمّن أولاً، بناء الثقة بين الدولة والمواطنين، وهم يحتاجون إلى الدليل على أنه سيجري استخدام مواردهم التي اكتسبوها بعرقهم وجهدهم استخداماً حكيماً، وأنهم في الأمد الطويل سينتفعون من مشروعات أنجزت باستخدام أموال دافعي الضرائب.

وثانياً، إيجاد موارد جديدة للضرائب، وقد تكون الضرائب العقارية، ورسوم الإنتاج، وضرائب الكربون مورداً مهماً للإيرادات في البلدان منخفضة الدخل لأنها تنطبق على الأسر الأكثر ثراء. وقد تُثنِي أيضاً عن إتيان سلوكيات غير مرغوب فيها مثل قيادة السيارات في مناطق مزدحمة بالفعل، والتدخين، وتناول أغذية غير صحية.

وتأتي في المرتبة الثالثة عمليّة تبسيط القواعد الضريبيّة، ما قد يشجّع المزيد من منشآت الأعمال الصغيرة على الالتحاق بالقطاع الرسمي الخاضع للضريبة. أمّا رابعاً، فعلى الدولة الدخول في التحوّل الرقمي، فكلّما تمّ تبسيط النظام الضريبي، كان من السهل إجراء المدفوعات الضريبيّة إلكترونياً.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us