أيّ دولة تبعد المستثمرين عنها!

ترجمة “هنا لبنان”

كتب نيكولا صبيح لـ”This is beirut“:

وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً دعوة للرؤساء التنفيذيين لبعض أكبر الشركات في العالم للمشاركة في قمة “اختر فرنسا” التي تعقد للسنة السادسة على التوالي.. الدعوة لاقت صدى لدى أكثر من 200 شركة عالمية. أما العنوان فواضح ويختصر كل شيء: “اختر فرنسا” لاستثماراتك. ومن ضمن محاور المؤتمر، الصناعة بشكل رئيسي مع تخصيص مساحات لأحدث التقنيات والخدمات، مع الإشارة إلى لقاء خاص لـ “إيلون ماسك” في الإليزيه. ولكن أين هو لبنان من هذه الفعاليات التي تحصل في دولة تعدّ الأكبر استثماراً في أوروبا؟

الحقيقة أن لبنان ما يزال على بعد سنوات ضوئية من كل هذا. وأصلاً من نحن لنقارن أنفسنا بفرنسا؟ ومع ذلك، هذا ليس السؤال الذي سنتوقف عنده هنا. الأهم هو التأكيد ببساطة على أهمية الاستثمارات الأجنبية لاقتصاد الدولة. وبالعودة إلى الماضي، نجح لبنان بالفعل باجتذاب مثل هذه الاستثمارات في يوم من الأيام، لا بل كان في كثير من الأحيان على قاب قوسين أو أدنى من دول الخليج ومصر. لكن كل شيء انهار في وقت لاحق: في العام 2022، سجل استثمار أجنبي واحد يتيم، ربما بواسطة أحد المغتربين.. استثمار خجول بقيمة 500 ألف دولار.

الأمور واضحة للغاية ولا حاجة للتفكير كثيراً بالأسباب وراء ذلك، ولا داعي للتذكير بأن لبنان يقع ضمن الـ25% من الدول حيث يتغلغل الفساد في البنية التحتية وعلى مستوى كفاءة الخدمة العامة وسيادة القانون والقضاء.

ربما يمكن حل هذه المشكلة من خلال صياغة قانون يسمح للمستثمرين باسترداد أرباحهم أو رؤوس أموالهم وإرسالها إلى الخارج في أي لحظة. مع ذلك، يبقى السؤال: من الذي يرغب فعلاً بفعل شيء كهذا؟

وبما أن كل ما تقدم لا يخفى على أحد، فلننتقل الآن إلى جانب أكثر تحديدًا: إحجام الشركات الأجنبية عن تولي أحد مشروعات الحكومة مثلاً، حيث تجدر الإشارة إلى مثال هام يكاد يمر مرور الكرام: مناقصة التنقيب عن الغاز في البلوكات الثمانية المتبقية.. مع تمديد للمرة الخامسة ولا شيء يلوح في الأفق حتى الساعة. لم تبدِ أي شركة أي اهتمام على الإطلاق.. وهي حالة فريدة في تاريخ صناعة النفط في العالم.

فلنضع الجانب الجيوسياسي والذي قد يخيف البعض لهذه الحالة جانباً، ولنوسع المجال ليشمل مجالات أخرى. بالإضافة إلى العوامل الرادعة التي تواجه أي مستثمر محتمل والمذكورة أعلاه، هناك ظاهرة لا يعرفها سوى قلة من الناس: الخلافات التي رافقت كل مشروع عهدت به الدولة لشركة أجنبية تقريباً. فلننظر بشكل عشوائي في بعض الأمثلة التي تعود للـ 30 عامًا الماضية.

في التسعينيات، كلفت شركتان ألمانيتان بدراسة وإنشاء وتشغيل شبكة طرق سريعة في جميع أنحاء البلاد. خلص فريق من المغتربين الألمان، تمركز في بيروت طوال أشهر، إلى أنه لكي يكون المشروع قابلاً للتطبيق، يجب المباشرة بالطريق الشمالي السريع، يليه الطريق الشرقي المؤدي لدمشق، نظراً لأنها أكثر الطرق ازدحامًا. إلّا أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري اعترض وأصر على أولوية الطريق السريع المؤدي إلى الجنوب. بعد ذلك، أحبط المشروع وكلف النزاع الذي تلاه، الدولة ملايين الدولارات.

في الفترة نفسها تقريبًا، وقعت شركة كندية عقدًا لإدارة وتطوير الخدمة البريدية، المعروفة الآن باسم “ليبان بوست”. من مرحلة الإعداد فصاعدًا، فرضت السلطات وأعوانها شروطاً تجاوزت أحكام العقد. انسحبت SNC-Lavalin على الفور، وبقي النزاع القانوني.

في التسعينيات أيضًا، تم إنشاء الشبكة الخلوية من قبل شركتين، Cellis و Libancell ، مع مشغلين شركاء هم France Telecom و Finland Telecom. ومع ذلك وبعد عقد من الزمن، أدت المناورات السياسية الداخلية بالحكومة لتأميم الشبكات. وتكبد لبنان نتيجة التحكيم الدولي عشرات الملايين من الدولارات كتعويض.

أثناء بناء المطار، كلفت شركة كويتية بتطوير وتشغيل مرفق وقوف السيارات. ومن ضمن الحقوق والالتزامات، كان من المفترض أن تحظر السلطات وقوف السيارات خارج هذا المرفق، شرط لم يحترم على الإطلاق. انتهى النزاع بدفع ملايين الدولارات كتعويضات وفوائد.

في طرابلس، تولت شركة فرنسية في أوائل العام 2000، مسؤولية تطوير وإدارة شبكة المياه، لضمان الإمداد المستمر للمدينة. ومع ذلك، انسحبت شركة Ondeo بعد بضع سنوات، وأطيح بالعقد بسبب حكومة لم تف بوعودها ودوافع خفية للسياسيين المحليين.

في بداية العام 2010، فازت شركة قبرصية يونانية بمناقصة لبناء محطة كبيرة لتوليد الطاقة مقابل 500 مليون دولار في دير عمار. ومع ذلك ، بعد وقت قصير من انطلاق المشروع، رفض وزير المالية، علي حسن خليل الدفع، بحجة عدم تضمين ضريبة القيمة المضافة. أدى ذلك لتشابك قانوني وسياسي دام سنوات، كما يحصل في كثير من الأحيان. ومن أجل تجنب الإضرار بالتحكيم الدولي، اقترحت الحكومة على الشركة تحويل عقد البناء لاتفاقية بناء وتشغيل ونقل BOT) )، الأمر الذي تم قبوله. ومع ذلك، لم تتوقف العقبات ولم تبصر محطة الطاقة النور حتى بعد 13 عامًا.

بدورها، كانت البواخر التركية التي غادرت في العام 2021، والتي جلبها جبران باسيل لتزويد البلاد بالكهرباء، في قلب المعمعة المستمرة والمرتبطة بشبهات حول الفساد، بالنظر إلى سوء الإدارة الواضح للأموال العامة.

وفي مثال آخر، اتُهمت شركة “سوناطراك” الجزائرية المملوكة للدولة ، والتي كانت تزودنا بالوقود في ظل ظروف مواتية لسنوات، بالاحتيال في المنتجات وتم إعدامها علانية وقضائية. منذ ذلك الحين ، يحاول الوزير الحالي إعادة الاتصال. ومع ذلك ، فإن الجزائريين لم يعودوا يريدون أي علاقة بدولة غير موثوقة.

أما عن المعاينة الميكانيكية فمفوضة لشركة سعودية عملت إلى حد ما لسنوات على الرغم من التدخلات المستمرة من قبل السياسيين المحليين. ومع ذلك، توقفت العمليات تمامًا، وواجه المشغل دعوى قضائية لرفع الرسوم دون اتفاق مسبق. فالرسم الذي كان حوالي 30 ألف ليرة يعادل 20 دولارًا. ثم باتت القيمة دولار واحد في العام 2022، ولكن كان على الشركة الاستمرار بالامتثال لشروط العقد بانتظار اتفاق جديد.

هذه الأمثلة ليست سوى غيض من فيض.. قد يخيل للمرء حتى أن العالم بأسره قد شكل نقابة من المخالفين شغلها الشاغل خداعنا.. نحن الفقراء المسالمون. لكن هل تعتقد أن أحداً سيصدق واقعاً كهذا؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us