التدقيق الجنائي: قطبة مخفية.. وصراع بين “المال” والحكومة!


أخبار بارزة, خاص 13 تموز, 2023
التدقيق الجنائي

التقرير تأخّر 9 أشهر، وبعد أن أنجزت الشركة تقريرها، طرحت أسئلة عديدة حول سبب التكتّم عن مضمون التقرير، والذي استحصلت وزارة الماليّة على نسخة منه.

كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:

كانت وزارة المالية في الجمهورية قد أبرمت بتاريخ 17/09/2021 باسم الدولة اللبنانية عقداً جديداً للتدقيق الجنائي (forensic audit) مع شركة ألفاريز آند مارشال (Alvarez & Marsal) – بدلاً من العقد السابق بتاريخ 31/08/2020 المنتهية مفاعيله – إلتزمت بموجبه هذه الأخيرة بتقديم الخدمات الاستشارية والمشورة، وبتقديم تقرير مبدئي عن نتائج التدقيق الجنائي لحسابات وأنشطة مصرف لبنان وحساباته.

التقرير تأخّر 9 أشهر،

وبعد أن أنجزت الشركة تقريرها، طرحت أسئلة عديدة حول سبب التكتّم عن مضمون التقرير، والذي استحصلت وزارة الماليّة على نسخة منه. ولعلّ أبرز المعلّقين على الموضوع هم نوّاب ووزراء حاضرون وسابقون تابعون للتيار الوطني الحرّ، وعلى رأسهم الوزير السّابق ومستشار رئيس الجمهوريّة السّابق، سليم جريصاتي، الذي أصدر بياناً قال فيه أنّ ” تقرير Alvarez & Marsal نتيجة التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان كان يفترض أن يصدر ويبلّغ من وزير المال في 27 أيلول 2022، إلا أنه صدر أخيراً ووصل إلى يد الوزير المعني، على ما أفادنا به، بعد تأخير ناهز التسعة أشهر تقريباً وبعدما تقاضت مؤسسة التدقيق مبلغاً وقدره د.أ /2,500,000/ (مليونان وخمسمئة ألف دولار أمريكي). الأدهى في كل ذلك، وما تترتب عنه مسؤوليات جمّة، إضافة إلى التسويف المتعمّد والممنهج والعقبات والعراقيل المصطنعة التي عايشنا وما زلنا، يوم كنا في القصر الجمهوري، أن هذا التقرير لا يزال حبيس الأدراج في مكتب وزير المال، على الرّغم من المراجعات المتكررة والمملّة بشأنه، ولا نعرف من اطّلع عليه من المسؤولين ومن حجب عنه. إنّ خلاصات التقرير، وهو بالمناسبة تقرير أوليّ يُمكن للدولة اللبنانية أن تطلب استكماله إذا ما ارتأت أنّ ثمّة عناصر إضافية تستوجب إضاءات وإجابات أكثر وضوحا أو تعليلاً، أو ثمة إغفال لنواح فيه، على ما هو منتظر من هكذا تقرير يوثق تدقيقاً محاسبياً جنائياً، سيما لجهة تحديد نوع الجرم المرتكب حسابياً، في حال وجوده، والفترة الزمنية التي حصل خلالها، والأساليب التي اعتمدت للتمويه والإخفاء، وهوية المشتبه بارتكابه، والخسائر المتكبدة من جراء حصوله، وسائر القرائن والأدلة التي تمهد للملاحقة لدى القضاء المختص، واقتراح التدابير التي يُمكن أن تحول مستقبلاً دون وقوع مثل هذا الجرم”.

كنعان استشهد بأحكام المادة 32 من النظام الداخلي لمجلس النواب

وبدوره كان رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان قد وجّه كتاباً إلى وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل يطلب فيه الحصول على نسخة من تقرير تدقيق شركة “ألفاريز ومارشال” في حسابات مصرف لبنان. لفت فيه إلى أنّه “لما كانت لجنة المال والموازنة، في نطاق رقابتها الماليّة، بصدد عقد جلسة مخصصة للاطلاع على التقرير المذكور ومناقشة مضمونه بحضوركم، ومن أجل تمكين أعضاء اللّجنة من الاطّلاع على التقرير المذكور قبل تحديد جلسة المناقشة، وعملاً بأحكام المادة 32 من النظام الداخلي لمجلس النواب نتمنى عليكم إيداعنا نسخة عن تقرير الشّركة بالسرعة الممكنة”.

ومن جهتها غرّدت النائبة ندى البستاني على حسابها عبر “تويتر” فقالت: “عطّلوا التدقيق الجنائي سنتين، وخبّأوا الداتا. وبعد جهد، سلّمت ألفاريز التقرير، ولكن وزارة المال خبأته بحجّة أنّه مسودة، ولكنّه تقرير أوّلي. وهذه الطريقة تعتمد عالمياً!”

أضافت: “كلّ من يخبّئ التدقيق الجنائي هو مشترك بنهب مال الشعب، وكل شخص ساكت هو مشترك بالجريمة!”.

ما تسلمته وزارة المال ليس سوى مسودّة عن التقرير

وردّاً على هذه التصريحات أوضحت وزارة المالية في بيان أنّه “أولاً: ما تسلمته وزارة المالية من شركة ألفاريز أند مارشال، ما هو إلا مسودة عن التقرير الأولي للتدقيق الجنائي وما زال في صيغة غير نهائية، وقد جمع إيضاحات حول بعض الاستفسارات. ثانياً: إن العقد مع شركة “الفاريز أند مارشال” قد تم توقيعه مع الحكومة اللبنانية ممثلة بوزير المالية، وإن دور وزارة المالية فيه يقتصر بحسب أحكام العقد، على التنسيق بين مصرف لبنان وشركة التدقيق وليس أكثر. وعليه يكون التقرير ملكاً للحكومة اللبنانية وليس لوزارة المالية، ما يستدعى معه أن تسلّم النسخة النهائية عنه عند جهوزها، إلى مجلس الوزراء، وبالتالي فإن التصرف بمضمونه يبقى من صلاحيات هذا المجلس. ثالثاً: إن ما يتم تداوله من أن مسودة التقرير الذي أرسل إلى وزارة المالية أتت على ذكر شخصيات اقتصادية ومالية وسياسية، لا سيما رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، وشخصيات لبنانية وغير لبنانية هي أخبار غير صحيحة على الإطلاق ولا تمت إلى الحقيقة بصلة”.

المال تلعب دور الوسيط بين المركزي والشركة

ولم تكتفِ الماليّة بهذا البيان بل أصدرت بياناً ثانياً وضّحت فيه مرّة جديدة أنّ “ما تسلّمته الماليّة من شركة ألفاريز أند مارشال، ليس سوى مسودة أوليّة للتّقرير الّذي تُعدّه للتدقيق في حساباتِ مصرف لبنان، وهو ليس التقرير المتكامل والنهائيّ”، مؤكّدة على أنّ “دور وزارة المالية في هذا الشأن هو دورٌ وسيطٌ ما بين المصرف والشركة، وذلك وفقاً لبنود العقد، من أجل توفير المعطيات التي يحتاجُ إليها التقرير”.

وأشارت الوزارة إلى أنَّها “ستعمدُ فور تسلمها التقرير النهائيّ إلى رفعه لمجلس الوزراء صاحب الصلاحيّة في التصرف بمضمونه”.

وأكدت أنّ “وزير المال يوسف الخليل أعدّ كُتبَ إجابة يُوجّهُها إلى السّادة النواب الذين طالبوه بتسليمهم التقرير أو نشره يشرحُ فيها الأصول التي تحكم التعاطي في هذا الشأن”.

واعتبرت أن “ما يتم تداولُه بشأن شخصيات أو معلومات تُنسب إلى التقرير هي معطياتٌ غير صحيحةٍ ولا تدخلُ إلا في مجال التشويش”.

عقيص يحسمها ويستشهد بمبدأ حقّ الوصول على المعلومات

ليحسم عضو تكتّل الجمهوريّة القويّة النائب جورج عقيص الجدل خلال اجتماع لجنة الإدارة والعدل يوم الثلثاء 4-7-2023 ، ويقول أنه “بعد انتقاد أحد النواب لمضمون العقد الموقع بين الدولة اللبنانية وشركة alvarez & marsal لا سيما لجهة السرّية التامة التي طبعته وعدم السماح للرأي العام ولأي جهة رسمية بالاطلاع على نتيجة التقارير التمهيدية والنهائية الصادرة عنها، ذكّرت الزملاء بمضمون المادة ٥ من القانون رقم ٢٣٣/٢٠٢١ (تعديل قانون حق الوصول إلى المعلومات) والتي تنص حرفياً على أنه لا تحول بنود السرية التي تتضمنها العقود التي تجريها الإدارة من دون حق الاطلاع عليها”.

وأضاف في تغريدة على حسابه عبر تويتر: “عليه يمكن لأي كان طلب الإطلاع على نتيجة التقرير الصادر عن ألفاريز من دون أن يكون لوزير المال حق حجب مضمون التقرير. وكل من يخالف القانون يتعرض لعقوبات واضحة ومن حق القضائين العدلي والإداري المختصين الحكم بنشر التقرير، وللحديث صلة”.

قطبة مخفيّة

وفي هذا الإطار رأى الخبير الاقتصادي أنطوان فرح في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّه “لا يمكن التكهّن بكلّ التفاصيل حول مضمون تقرير التدقيق الجنائي الذي قامت به شركة ألفاريز أند مارشال في مصرف لبنان، ولكن من الواضح أن هناك قطبة مخفيّة لا تريد الطبقة السياسيّة إظهارها إلى العلن، منعاً من أن يتمّ استخدامها كأداة ضدها”.

وأضاف فرح “في ما خصّ كلّ ما حكي عن وجود أسماء أشخاص متورّطين بملفات فساد أرجّح أن لا يكون هناك أسماء شخصيّات عامّة سياسيّة، ولا أيّ أمر من هذا النوع، فالتدقيق الذي قامت به الشركة ينحصر بمصرف لبنان تحديداً”.

وفيما خصّ الوضع الاقتصادي في لبنان، تابع فرح، “لا شكّ بأنّ وضعنا لا يزال سيئاً، إلاّ أنّه يجب الإشارة إلى نقطة القوّة الأساسيّة التي نملكها وتتعلّق بالقطاع الخاص، الذي أدّت مبادراته إلى وقف الإنكماش في العام 2022، وتوقّع نموّ في العام 2023، ولو 1%، فكل ما يحتاجه لبنان اليوم هو أن تحسم قرارها السلطة السياسيّة وتتجهّه نحو الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بعد تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وعندها لن يكون هناك مدّة طويلة أمام لبنان لاستعادة عافيته”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us