نقاش في بيان جريء تأخّر صدوره


أخبار بارزة, خاص 21 آب, 2023
بيان

يسجّل لهذه القوى رفضها للوسيلة التي طرحها المبعوث الرئاسي الفرنسي جان- إيف لودريان للتشاور والتحاور أي الردّ خطيًّا على أسئلته التي طرحها عليهم، وكأنّهم تلاميذ مدرسة أو في حضرة الوصي أو المندوب السامي


كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:

لا بدّ أولاً من الثناء على البيان الصادر عن عدد من القوى السياسية والتي استحقت بموجبه تسمية “المعارضة” وليس قبله. فقد شكّلت الخطوة بحدّ ذاتها إنجازاً في الشكل وفي المضمون، إذ أنّها وضعت لأوّل مرّة حجر الزاوية في بناء معارضة حقيقية وجدّية ترتكز على “اتفاق الطائف” (1989) الذي إرتضاه اللبنانيون ودفعوا ثمنه غالياً فاق المئة ألف شهيد، والذي أرسى توازناً قيمياً ونموذجياً لاجتماع لبناني تعدّدي ومتنوع لم تحسن المنظومة السياسية – الميليشياوية التي استأثرت بالسلطة والقرار إدارته أو تعمّدت عدم تطبيقه وتطويعه وتشويهه. كما تجنّبت بعض القوى المسيحية التركيز عليه والإصرار على تطبيقه، ومنها من إلتزم الصمت حياله، لقناعتها أنّه مجحف بحق المسيحيين، وها هي اليوم تعود للمطالبة بشكل واضح وصريح بتنفيذ كافة مندرجات وثيقة الوفاق الوطني في “الطائف” التي أصبح معظم بنودها جزءاً من الدستور الذي يطالب البيان بتطبيقه. والمدماك الثاني هو المطالبة بتطبيق قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، لا سيما القرارات 1559 و1680 و1701.

إنّ هذه الأسس – الثوابت التي انطلق منها البيان من شأنها أن تمكّن أخيراً المعارضة السياسية والنيابية من العمل على التلاقي والتكامل مع معارضة شعبية واسعة في البلاد، أعلنت ثورتها على الطبقة السياسية منذ 17 تشرين 2019 والتي التقط “حزب الله” قبل غيره أنّها انتفاضة جذرية على طاقم السلطة بكافة أشكاله وتشّعباته، وهو في مقدّمها، فلم يرحمها وشنّ حرباً استباقية عليها لأنّه أدرك أنّها تستهدف سلاحه وتضعه في صفوف الفاسدين، وتمنعه من أن يفرض تميّزه عن الآخرين. من هنا يأتي رفض قوى المعارضة اليوم لأيّ صيغة حوار مع “حزب الله” وحلفائه ورفض أيّ رئيس للجمهورية يشكل امتداداً لسلطة الحزب، معلنة استعدادها لمواجهة أيّ مسار يؤدي إلى استمرار خطف الدولة. إنّها تعلن إذاً أنّ المشكلة هي سلاح “حزب الله” وهيمنته على القرار. فهل تأخرت في استدراكها والتقاطها للحظة؟ طبعا أن تلتقطها متأخرة أفضل من أن لا تلتقطها أبداً، وتركيزها على أنّ الحوار الذي يتلطّى “حزب الله” وراءه هو فقط من صلاحية رئيس الجمهورية بعد انتخابه، ويجب أن يتمحور حول السلاح غير الشرعي. أما المدماك الآخر فهو ملاقاة المعارضة لمضمون البيان الذي صدر عن اجتماع لجنة الدول الخمس في الدوحة في 17 تموز الماضي في تحديد المواصفات المطلوب توفّرها في شخص الرئيس، والتي تلتقي مع مواصفات المعارضة، وتركّز على “الطائف” والقرارات الدولية.
ويسجّل لهذه القوى رفضها للوسيلة التي طرحها المبعوث الرئاسي الفرنسي جان- إيف لودريان للتشاور والتحاور أي الردّ خطيًّا على أسئلته التي طرحها عليهم، وكأنّهم تلاميذ مدرسة أو في حضرة الوصي أو المندوب السامي، باعتبار أنّها تشكّل انتقاصاً من كرامتهم ومن سيادة البلد وممثلّيه. ربما كان صحيحاً، ولكننا نعتقد أنّها مسؤوليتهم هم بالدرجة الأولى وقبولهم بوصاية خارجية أو مراهنتهم على الخارج كما هو حاصل اليوم في تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية. إلّا أنّ مقاطعة وساطة لودريان تشكّل خدمة لفريق الممانعة الذي حشره بيان الخماسية، وقبله التصويت لجهاد أزعور، في زاوية الاستحقاق.
في المقابل، هناك ثغرتان في طريق هذا الإنجاز: الأولى هي غياب جنبلاط ونواب “اللقاء الديموقراطي” بما يمثّل عن هذا التموضع السياسي المفصلي الذي لا يجب أن تغيب عنه فئة أو طائفة أو منطقة أو لقاء بعينه، بحثاً عن نصاب وطني لبناني. كما أنّ جنبلاط كان شريكاً أساسياً في طرح وتبنّي ترشيح أزعور وليس مجرد “متقاطع” مع الآخرين مثل التيار العوني الذي يلعب على أكثر من حبل كما يفعل حالياً مع “حزب الله”! أمّا الثغرة الثانية فتنمّ عن نزوة شعبوية تقوم على افتراض أنّ الإحباط أو النقمة في الشارع المسيحي تجاه سيطرة “حزب الله” تعالج بملاقاة دعوات للإنزواء أو الإنغلاق أو حتّى الإنفصال عن المناطق الأخرى عبر “لامركزية إدارية ومالية موسعة” كما يروّج جبران باسيل، علماً أنّ هذا بند من بنود اتفاق الطائف الذي أصبح في صلب الدستور، والذي لم يسعَ باسيل نفسه إلى تطبيقه، أقلّه منذ دخل تياره جنة السلطة في 2008 أي منذ خمس عشرة سنة!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us