لبنان: “بازار سياسي وشعارات رنانة”


أخبار بارزة, خاص 2 أيلول, 2023
لبنان

الصندوق السيادي، الصندوق الائتماني، اللامركزية الموسعة وغيرها.. طروحات لو لم يكن اللبنانيون غارقين بالأزمات تلو الأزمات لرأوا فيها طروحات جريئة لبناء دولة عصرية


كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:

وكأنّ جميع الأزمات التي تتوالى على لبنان لم تكن كافية، حتى تبرز إلى الواجهة فجأة شعارات “رنانة” وطروحات “ثورية” تناقض أفعال مطلقيها، وليست سوى شعارات فارغة المُراد إدخالها ضمن بازارات الخلافات والانقسامات السياسية، وحتى المساومة في بعض الأحيان.
الصندوق السيادي، الصندوق الائتماني، اللامركزية الموسعة وغيرها من الطروحات التي لو لم يكن اللبنانيون غارقين بالأزمات تلو الأزمات لرأوا فيها طروحات جريئة لبناء دولة عصرية. إلّا أنّ الشعب اليوم في وادٍ والمسؤولون في وادٍ آخر.
هي شعارات كبيرة وتطبيقها على الأرض سيصطدم بعقبات تقنية كثيرة قبل السياسية. وكل ذلك في ظل غياب رئيس جمهورية ووجود سلطة تشريعية تتقاعس عن دورها في انتخاب رئيس وتتغاضى عن إقرار القوانين الإصلاحية، وحكومة تصرّف الأعمال حيناً بالمعنى الضيق وأحياناً أخرى بكامل الصلاحيات. أما التخوّف فمن سلطة سياسية ليست ببعيدة عن تسخير عائدات هذه الصناديق لتحقيق مصالحها.
ففي ما يتعلق باللامركزية الموسعة، صحيح أنه منذ توقيع وثيقة الوفاق الوطني في عام 1989 دخل هذا المفهوم حيز الإجماع في لبنان لكن الانقسام بقي في طريقة التنفيذ، ولذلك لم تُنفّذ اللامركزية حتى اليوم رغم أنّ ثمانين جلسة قد عُقدت في مجلس النواب لدراستها.
وهنا يطرح السؤال كيف يحدد سلم الأولويات لدى هذه الطبقة السياسية؟ وكيف أعطي قانون الصندوق السيادي الأولوية في مجلس النواب فيما ينتظر اللبنانيون والمجتمع الدولي منذ أربع سنوات إقرار مشاريع القوانين الإصلاحية لا سيما المتعلقة منها باستعادة الانتظام المالي؟

في هذا السياق، أكد الباحث والخبير الإقتصادي الدكتور محمود جباعي في حديث لـ “هنا لبنان” أنّ التأخير في تنفيذ الإصلاحات يعود إلى التجاذبات السياسية وتراشق الاتهامات والمصالح السياسية، وقد برزت في الآونة الأخيرة مفاهيم الصندوق السيادي والصندوق الائتماني واللامركزية الموسعة كنوع من المفاوضات الجارية حول رئاسة الجمهورية لذلك تكرر الحديث عنها، وكل ذلك يصب في خانة المصالح السياسية.
وأشار جباعي إلى أنه منذ أربع سنوات، ومع بداية الأزمة الاقتصادية، كثرت في لبنان المواقف حول وجوب إجراء الإصلاحات سواء في القطاع العام، أو الكهرباء، أو البنى التحتية؛ إلّا أنه حتى اليوم لم تقم القوى السياسية والحكومة بأي إصلاح، ما يدل على أنّ لبنان الرسمي لم يخطُ أيّ خطوة جدية للخروج من الأزمة. وعلى الرغم من كمّ الإصلاحات الواجب تنفيذها، إلا أنّه وعلى “الطريقة اللبنانية” تؤدي المناكفات السياسية إلى إهدار المزيد من الوقت والتأخر في تنفيذها.
وفي ظل الحديث عن صندوق سيادي وآخر ائتماني، أمل جباعي الوصول إلى إصلاح متوازٍ بين صندوق سيادي وائتماني، بالإضافة إلى الإصلاحات الأخرى الاقتصادية منها كالكهرباء، والمالية بوجوب أن تكون ضرائب الموازنة حقيقية وتعديل النظام الضريبي الخاطئ ومنع التهرب الضريبي، ووضع قوانين لتفعيل الرقابة للخروج من أزماتنا، والذي لن يكون ممكناً بغياب هذه الإصلاحات.
وإذ أشار جباعي إلى أنه “على أي بلد سيصبح بلداً نفطياً أن ينشئ صندوقاً سيادياً يكون مرتبطاً وفق المفهوم العام بإدارة عائدات النفط والغاز، ضمن لجنة مختصة للإشراف عليه، على أن تخصص نحو 75% من هذه الأموال للأجيال اللاحقة من أجل التنمية المستدامة ويتم استعمال نحو 25% منها للتنمية الحالية الاقتصادية والاجتماعية”، لفت إلى أن للصندوق السيادي معايير يجب اعتمادها فإذا دخلت المحاصصة لا يمكن الوصول إلى النتيجة المرجوة، وبالتالي نحن اليوم بحاجة إلى الشفافية.
كما أكد جباعي أنه كان قد اقترح سابقاً أن يكون هناك مراقبة دولية محلية على أموال الصندوق وكيفية استخدامها واستعمالها، لكي تكون خاضعة لرقابة حقيقية بعيدة عن المحاصصة.
وعن الصندوق الائتماني أكد جباعي أنه مرتبط بإدارة أملاك الدولة ومرافقها العامة، خصوصاً أنّ الدولة قد فشلت بإدارة هذه المرافق، ولكن إذا كانت الإدارة عامة للصندوق من دون تغيير بالأشخاص فلن يكون هناك أي نتيجة. ولذلك فمن الأفضل إدخال الشركات الخاصة من خلال شراكة بين القطاعين العام والخاص للوصول إلى نتيجة.

وتبقى المماطلة سيدة الموقف عند الحديث عن الإصلاحات المطلوبة للخروج من الأزمة إذ أنها لن تحصل بهذه السهولة في ظل رأيين حول مهام المجلس النيابي في الشغور الرئاسي، فهل هو هيئة ناخبة أو تشريعية ما يدخل ضمن المناكفات السياسية التي لا تنتهي.
وفيما الخسائر في قطاع الكهرباء مثلاً أكثر من 25 مليار دولار في 10 سنوات، لم يتم إيجاد أي حل لمسألة حتى اليوم. وتأتي الحلول ترقيعية وفق الأسلوب نفسه الذي تعتمده الحكومات المتعاقبة، كذلك في قطاع الاتصالات والبنى التحتية والمرفأ…
ويبقى أنّ أي إصلاح يحتاج إلى قراءة واقعية ومنطقية للخروج من الأزمة بعيداً من الشعبوية والمناكفات التي أمعنت في إغراق لبنان.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us