“صندوق النقد ليس جمعية خيرية”.. المصلحة أوّلاً!


أخبار بارزة, خاص 18 أيلول, 2023

على قياس مصلحته أوّلًا يحسب الصندوق خطواته المالية مع لبنان ولا شكّ أنّ له أهدافًا عدّة، كما أنّه خاضع لسيطرة الدول الغربية التي لديها مصالح اقتصادية وسياسية.

كتبت ميرنا الشدياق لـ”هنا لبنان”:

منذ أن أعلن في نيسان من العام 2022 عن التوصل إلى اتفاق مبدئي بين لبنان وصندوق النقد بشروط مسبقة تعتبر المدخل الإلزامي للوصول إلى اتفاق نهائي يُعطى بموجبه لبنان قرضاً قيمته 3 مليارات دولار تدفع على مدى أربعة سنوات، حتى بدت الحكومة وكأنها تسابق الوقت لتظهر التزامها تنفيذ “الإصلاحات – الشروط” حتى تحوّل الأموال إلى خزينة الدولة اللبنانية. ومنذ ذلك الحين “كم من أمور اقترفت باسمك يا صندوق” بذريعة تنفيذ شروط مقرونة بوعد صندوق النقد بإعطاء لبنان الثلاثة مليارات دولار التي هي بالأساس لن تحل الأزمة.

أسئلة عدة تتردّد يومياً بحسب المتابعين: هل سيؤدّي هذا الاتفاق إلى معالجة أزمة لبنان التي تزداد تعقيداً؟ ولمَ الإصرار على إظهار صندوق النقد وكأنّه الملاذ الوحيد للخروج من الأزمات، فيما أثبتت تجارب سابقة لهذه المؤسسة مع دول عديدة أنّ شروط الصندوق كانت سبباً في تفاقم الأزمات؟ أين الطاقات اللبنانية التي ساهمت في نهضة دول عديدة؟ أين البيئة الآمنة المشجعة للاستثمار والمنعشة للإقتصاد؟

لم يقل صندوق النقد في البيان الأخير الذي أصدره بعد انتهاء فريقه من زيارة بيروت أيّ جديد لا يعلمه كلّ لبناني، بأن لا إرادة سياسية لاتّخاذ قرارات صعبة لإطلاق الإصلاحات في لبنان. إصلاحاتٌ يمكن أن يقوم بها اللبنانيون من دون أي توصية من أحد لو صدقت النوايا طبعاً ولو ترفّع المسؤولون عن تقاذف المسؤوليات كما كان واضحاً في ردود الفعل على بيان الصندوق نفسه.

في هذا الإطار أكّدت مصادر مطّلعة لـ “هنا لبنان” أنّ لبنان ليس بحاجة إلى المزيد من القروض لأنّ لديه من المقومات البشرية ما يشكّل ثروة وطنية، ما يحتاجه لبنان هو إعادة الثقة بالإدارة السياسية والمصرفية في البلاد، ولا سبيل لذلك سوى بتغيير هذه الطبقة السياسية المقسومة إلى قسمين: طبقة لديها القدرة على إحداث التغيير ولكن لا ترغب وقوى سياسية لديها الرغبة في التغيير ولكن ليس لديها القدرة.

وإلى من يقول أن “لا مخرج لأزمة لبنان إلا بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي”، تشير المصادر إلى أنّ “الصندوق ليس جمعية خيرية إنّما هو يقدم قروضًا للبنان مع فوائد. كما يريد أن يضمن تسديد هذه القروض مع فوائدها. ولذلك يسأل بالتفصيل كيف يمكن أن تلتزم الدولة اللبنانية بسدّ قروضها المالية مقابل التزامها بإعادة ودائع الناس كاملة؟ وبالتالي إنّ أيّ التزامات تجاه المودعين تضرب إمكانية إعادة تسديد القروض التي قد يحصل عليها لبنان من الصندوق.

وعلى قياس مصلحته أوّلًا يحسب الصندوق خطواته المالية مع لبنان ولا شكّ أنّ له أهدافًا عدّة، كما أنّه خاضع لسيطرة الدول الغربية التي لديها مصالح اقتصادية وسياسية. ومن الأهداف الإقتصادية استثمار هذه الدول في لبنان عبر مرفأ بيروت مثلاً، مطار بيروت، وسائل النقل، الكهرباء وما إلى هنالك. ما يزيد من مخاطر إخضاعه، وهناك من يعطي مثالاً مصر التي فرض عليها صندوق النقد التخلص من القطاع العام بأثمان زهيدة، فما الذي يمنع الصندوق من أن يفرض على لبنان التخلص من القطاع العام بأثمان زهيدة جدًا؟

مصلحة الصندوق أوّلًا هي المحرك لأيّ زيارة يقوم بها إلى لبنان، وقد أتت الزيارة الأخيرة في إطار إبلاغ المسؤولين اللبنانيين أنّ الأمور شبه منتهية مع الصندوق، وبمعنى أوضح بحسب ما أكّده الخبير في الشؤون الإقتصادية الدكتور بلال علامة لـ “هنا لبنان” أنّ على المسؤولين عدم المراهنة على سير الاتفاق مع الصندوق.

وفي المقلب الآخر، يستمرّ المسؤولون اللبنانيون في التسويف والتنصل من المسؤولية ومحاولة رمي كرة النار باتجاهات متعددة، فيرميها كلّ طرفٍ باتّجاه الطرف الآخر، والتذرّع بالواقع السياسي في البلد وعدم انتخاب رئيس للجمهورية في محاولة لإيهام وفد صندوق النقد أنّ النيّة موجودة لإجراء الإصلاحات ولكن لا قدرة على ذلك نتيجة الواقع في البلد.

وفي هذا السياق، رأى علامة أنّ وفد الصندوق كان متشدّداً بالتبليغ الذي قام به واللبنانيون كانوا متشدّدين بالتنصل والتهرّب من المسؤولية. ومن الواضح أنّ ما أثير من إشكاليات هو نتيجة التناقضات الحاصلة بين صندوق النقد والمسؤولين اللبنانيين فكان موضوع الودائع والخسائر الذريعة. فيما يعود كل ذلك إلى عدم إقرار القوانين الإصلاحية بعد أن تنصّلت السلطة السياسية من إقرارها من الكابيتال كونترول إلى هيكلة القطاع المصرفي إلى هيكلة القطاع العام وإعادة تحديثه وتنشيطه إلى التوازن المالي وتحديد الخسائر ومسؤولية تحملها.

إلى أدراج النسيان لدى المسؤولين دخلت كل هذه الإصلاحات، كما يؤكّد علامة، وذهبوا في المقابل إلى تغطية الخسائر بأفعال مستقبلية منها موازنة عام 2024 التي من الواضح أنّها تهدف إلى البحث عن مداخيل وجبايات من الناس لإقفال الخسائر والفجوات المالية الحاصلة.

في الخلاصة إنّ نهاية مشوار لبنان مع صندوق النقد باتت قاب قوسين أو أدنى، وفي حين يعتبر البعض ومن بينهم الدكتور علامة أنّ هذا الأمر لا يبشّر بالخير إطلاقاً خصوصاً أنّ لبنان بات خارج الاهتمامات الدولية والإقليمية، تؤكّد آراء أخرى أنّ للصندوق أهدافه السياسية والإقتصادية وهو لا شكّ يريد أن يحفظ ماله وإن بتوجيهات مالية ومصرفية وضريبية قد لا تتناسب مع واقع لبنان المالي والمصرفي والضريبي وبالتالي لا مصلحة للبنان مع صندوق النقد.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us