سحر النغم: الميلاد في ألحان (2/2)

ترجمة هنا لبنان 27 كانون الأول, 2023

ترجمة “هنا لبنان”

كتب Alain E. Andrea لـ”This is Beirut“:

مع حلول سحر الميلاد، تنبض المقطوعات الموسيقية بالحياة وتعبق الأجواء بروحها الاحتفالية. في هذه المناسبة، يهديكم موقع This is Beirut سلسلة من المقالات التي تعيد تسليط الضوء على روائع الموسيقى الغربية التي تحتفل بالميلاد وتزين لحظاته ببريقها الخالد.
تقلب الأيام وريقات وتجرف الريح آخر أوراق الشجر المتساقطة وتكتسي الطبيعة بثوبها الأبيض الأنيق. إنها ساعة الميلاد! تدق فتستيقظ أشجى الألحان وتملأ الكون لطفاً وحناناً. السحر في الأجواء يبشر باحتفالات ملؤها الدفء على الرغم من كل تلك المآسي التي تلطخ وجه العالم وتلوث أيامه. يأتي الميلاد لينير بشعاعه الأبدي ظلمة الحاضر وليحمل المؤمنين على جناح الراحة والتأمل في عظمة ذلك التجسد الإلهي ومحبة الخالق. وبعيداً عن المعاني الدينية حصراً، يبقى الميلاد رسالة اتحاد وتضامن واحتفال يفتح أبواب الجيران على بعضها البعض، ويبث الحياة في الشرايين الصاخبة للمدن، وداخل الكنائس والقاعات المرموقة لدور الأوبرا. ألا تنجح الموسيقى في كل مرة، سواء كانت دينية أو علمانية، فنية أو شعبية، غربية أو شامية، مستشرقة أو غيرها، بتوحيد الأصوات والقلوب بعيداً عن الاختلافات الثقافية؟
في هذه المناسبة، تدعوكم This is Beirut  في رحلة موسيقية تسلط الضوء مجدداً على أروع كلاسيكيات الميلاد. من الروائع الخالدة لأساتذة الموسيقى الفنية الغربية إلى الألحان الآسرة للأغاني الشعبية، ومن الألحان التقليدية إلى المؤلفات المعاصرة، تلقي هذه الألحان الضوء على احتفالات الميلاد بألوانها المتلألئة. ويسلط هذا المقال الثاني الضوء على ثلاث ترانيم شعبية لعيد الميلاد اكتسبت شهرة عالمية، على مدى عقود أو حتى قرون. ولا يمكن في هذا السياق تفويت الفرصة للاحتفاء بالموسيقى الدينية الأصيلة لبلاد الشام، سواء الأناشيد السريانية المارونية أو أناشيد الروم الأرثوذكس وكلاهما يعكس التقاليد الفنية لبلاد الشام.

أديست فيديليس
تعدّ “أديست فيديليس” من أشهر ترانيم عيد الميلاد التقليدية. وعلى الرغم من أن الغموض يحيط بأصولها ويلقي بظلال الشك على هوية مؤلفها، يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر. وبذل دوم جون ستيفان، وهو راهب بندكتيني من دير باكفاست في إنجلترا، الكثير من البحوث دون التمكن من الوصول لأبوة الأغنية. ومع ذلك، يعرف على نطاق واسع ارتباط هذه الترنيمة الوثيق بجون فرانسيس ويد (1711-1786)، وهو ناسخ وناشر للأغنية الكاثوليكية الرومانية من القرن الثامن عشر، ظهرت “أديست فيديليس” في مخطوطاته لأول مرة. ووفقًا لعالم الموسيقى الأيرلندي ويليام هنري جراتان فلود (1857-1928)، من الواضح أن كلمات وموسيقى هذه الترنيمة تُعزى إلى مصدر كاثوليكي. وفي الواقع، كان جون فرانسيس واد يقيم ضمن مجتمع كاثوليكي إنجليزي وتعرض للنفي إلى فرنسا في أعقاب فشل تمرد اليعاقبة عام 1745. وكانت هذه الثورة تهدف لاستعادة الملك الكاثوليكي، جيمس ستيوارت (1633-1701)، آخر الملوك الكاثوليكيين، الملكية البريطانية على عرش إنجلترا. وحسب فرضية عالم الموسيقى البريطاني بينيت زون، يمكن تفسير الترنيمة كدعوة لحمل السلاح، لتشجيع اليعاقبة المؤمنين على العودة بفرح منتصر وعبادة ملك الملائكة، أي الملك الإنجليزي.
وبغض النظر عن أبعادها، تبقى “أديست فيديليس”، التي تعني “هلمّوا يا مؤمنين” باللاتينية والمعروفة على نطاق واسع باللغة الإنجليزية، واحدة من الأغاني الأكثر أداءً خلال موسم عيد الميلاد. وفي الفيديو أدناه، يقدم لوتشيانو بافاروتي (1935-2007) عرضًا رائعًا إلى جانب جوقة لندن والأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية بقيادة كيرت هربرت أدلر (1905-1988).

“الليلة الهادئة، الليلة المقدسة”
“الليلة الهادئة، الليلة المقدسة” هي واحدة من ترانيم عيد الميلاد الأكثر شهرة في جميع أنحاء العالم. كتبت هذه الترنيمة في الأصل باللغة الألمانية باسم Stille Nacht, heilige Nacht ، ومنذ ذلك الحين تمت ترجمتها إلى أكثر من 330 لغة ولهجة. يعود تاريخها إلى أوائل القرن التاسع عشر في النمسا. وتنسب مخطوطة عثر عليها في عام 1995 كلمات الأغاني إلى كاهن شاب يُدعى جوزيف موهر (1792-1848)، يُعتقد أنه كتبها عام 1816 في ماريابفار، قبل أن يتم تعيينه في أوبرندورف بعد عام. في العام 1818، عهد موهر بهذه الأبيات إلى فرانز زافير جروبر (1787-1863)، وهو عازف أرغن ومعلم، وطلب منه تأليف موسيقى لصوتين منفردين مع جوقة ومرافقة غيتار. وفي مساء 24 ديسمبر 1818، قدمت الترنيمة لأول مرة في كنيسة القديس نيكولاس في أوبرندورف، حيث أسرت الجمهور ببساطتها وجمالها. وتقول الأسطورة أن الأرغن المكسور ألهم إنشاء لحن بسيط لأداء مصحوب بالجيتار. انتشرت هذه الترنيمة وتوسعت شهرتها خارج حدود القرية بفضل عائلات المطربين الشعبيين التيرولين، عائلة ستراسر وعائلة راينر، الذين أدرجوها في مجموعة أغاني عيد الميلاد الخاصة بهم في تيرول، ثم في لايبزيغ ونيويورك. وبحلول مطلع القرن، ساهم المبشرون الكاثوليك والبروتستانت في نشرها في جميع القارات.

ترنيمة منتصف الليل
تحتفي ترنيمة منتصف الليل (Minuit, chrétiens  ) بميلاد يسوع المسيح. وهي غالبًا ما تُغنى كترنيمة افتتاحية خلال قداس منتصف الليل في الكنيسة الكاثوليكية. تحمل كلماتها توقيع الشاعر الفرنسي بلاسيد كابو (1808-1877)، وقام الملحن الفرنسي أدولف آدم (1803-1856) بتأليف موسيقاها. تعود إلى عام 1847 في روكيمور، وهي قرية صغيرة في جنوب فرنسا. حينها، طلب كاهن الرعية الأب موريس جيل من كابو أن يكتب قصيدة للاحتفال بشكل رائع بالتزامن مع ترميم النوافذ الزجاجية الملونة (أو الأرغن) لكنيسة سان جان بابتيست الجماعية، مع الاحتفال بعيد الميلاد. قبل كابو، المعروف بآرائه المناهضة للإكليروس، طلب الكاهن وكتب كلمات الأغنية، التي قام أدولف آدم بتلحينها على الفور، معتبرًا إياها “نشيداً مرسيلياً دينيًا”. وسرعان ما اكتسب النشيد شهرة كبيرة في فرنسا قبل ترجمته إلى عدة لغات، بما في ذلك نسخة O Holy Night الشهيرة باللغة الإنجليزية. ومع ذلك، لم تخل هذه الترنيمة من الجدل أيضاً. في الواقع، اعتبرت الكنيسة بعض العبارات المحددة إشكالية، خصوصاً وأن المؤلف ملحد ولا تزال هناك شكوك حول المذهب الديني للملحن، الذي يعتقد أنه يهودي.
وفي النسخة الأصلية من الترنيمة، الإله الإنسان، ومن ثم المسيح، يحل على البشرية “ليوقف غضب” أبيه، وهو تصوير رفضه اللاهوت المسيحي بشكل قاطع. ويستحضر هذا الأب الغاضب صورة الله في العهد القديم أكثر من الإله الذي يفتدي البشرية والذي يحمل معه المحبة. وفي هذا السياق، كتبت مجلة Review of Sacred Music المخصصة للموسيقى الليتورجية الكاثوليكية، بعد عدة سنوات، أن الأوان ربما قد آن للتخلي عن هذه المقطوعة التي أصبحت شعبيتها موضع شك والتي يتم غناؤها في الشوارع وفي غرف المعيشة وفي حفلات المقاهي. ورأت المجلة أن المقطوعة تتدهور وتتحلل وربما حان الوقت لخروجها من أماكن العبادة.
ومع ذلك، بقي هذا العمل صامداً حتى بعد مرور نحو قرنين من الزمان، ربما لحسن أو ربما لسوء الحظ، أمام كل هذه الخلافات.

 

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us