المحكمة الدولية وحكم التاريخ: أمل وخيبة في رحلة العدالة الناقصة


خاص 7 كانون الثاني, 2024

اقتصرت العدالة الناقصة على محاكمة من اتهموا بتنفيذ الاغتيال، من دون إعطاء الصلاحية بمحاكمة من أصدروا الأمر بالاغتيال، وصدرت الأحكام، فيما المحكومين ينعمون بالحرية


كتب جوني فتوحي لـ”هنا لبنان”:

هل كانت المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، مجرد رحلة نحو العدالة لم تكتمل، بحيث تحول الإفلات من العقاب على جرائم الاغتيال الكبرى، إلى مجرد محاكمة للعناصر التي اتهمت بتنفيذ الاغتيال، والاكتفاء بعدم قدرة الدولة اللبنانية على توقيفهم وسوقهم إلى العدالة، بذريعة أنّ الأجهزة اللبنانية لم تعثر عليهم، وقد لا تعثر بعد 300 سنة، كما قال حزب الله الذي وصفهم بالقديسين؟
أسئلة طرحت بعد إنهاء المحكمة الدولية لعملها، وإقفال مقرها في لاينشدام في هولندا، والبدء بإيداع الملفات لدى الأمم المتحدة، من دون أن يصدر عن المحكمة، أي توضيح حول مرحلة ما بعد إصدار الأحكام، وحول أي احتمال لتسلم المدانين، وحول الملفات الثلاثة المرتبطة بملف اغتيال الحريري، وهي المتعلقة باغتيال ومحاولة اغتيال، مي شدياق الياس المر وجورج حاوي؟
والسؤال أيضاً: ماذا عن باقي عمليات الاغتيال، التي حصلت كلها في مسلسل واحد، من سمير قصير إلى جبران تويني، ووليد عيدو وصولاً إلى محمد شطح؟
أنهت المحكمة مهمتها، وأصدرت أحكامها المبرمة على ثلاثة من الجهاز الأمني لحزب الله، هو نفسه الحزب الذي كشف وزير العدل السابق شارل رزق المعني بإنشاء قانون المحكمة، أنه كان على تنسيق وثيق مع أمينه العام السيد حسن نصرالله، كي لا تشمل أية محاكمة الكيانات السياسية والدول، وبناء عليه، اقتصرت العدالة الناقصة على محاكمة من اتهموا بتنفيذ الاغتيال، من دون إعطاء الصلاحية بمحاكمة من أصدروا الأمر بالاغتيال، وصدرت الأحكام، فيما المحكومين ينعمون بالحرية.

تأسيس المحكمة
شكل اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 حقبة تاريخية هامة في تاريخ لبنان. أدى هذا الحدث إلى تغييرات كبيرة في المشهد السياسي اللبناني، حيث شهد تحركات احتجاجية ضخمة، ومطالب بانسحاب القوات السورية من لبنان. تم تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان للتحقيق في الاغتيال، مما يبرز أهمية الحدث على الساحة الدولية، وكان ذلك أول تحقيق دولي في تاريخ لبنان بشأن جريمة قتل ذات أبعاد دولية.
أُنشِئت المحكمة الدولية المختصة بملف اغتيال الحريري، بناءً على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقد جاء إنشاء المحكمة استنادًا إلى القرار 1757 الذي اعتُمِد في 30 آذار 2007
تم تحديد مقر المحكمة في لاهاي، هولندا، وتم تعيين قضاة دوليين ليتولوا مسؤولية القضية، وقد بدأت أعمالها في 1 آذار 2009 بتمويل مستقل، يشمل العمل القانوني تحت إشراف لبنان والأمم المتحدة.

وجاء إغلاق المحكمة بعد استكمال جميع المهام القضائية المتبقية، بما في ذلك إصدار أحكام بالسجن المؤبد على ثلاثة أعضاء من حزب الله، وهم سليم جميل عياش وحسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي، لتورطهم في اغتيال الحريري.

ريفي: مصير حزب الله كمصير ميلوسوفيتش
عن انتهاء عمل المحكمة قال النائب اللواء أشرف ريفي لـ”هنا لبنان”: “في ملف الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أنجزت المحكمة كل شيء، إذ صدر حكم الاستئناف، أما التنفيذ فهو على عاتق الدولة اللبنانية وليس على المحكمة، والسلطة القائمة تدور في فلك حزب الله الذي يحمي القتلة، فهو لا يراعي المشاعر الوطنية ولا الشراكة، وسيدفع الثمن غالياً جداً”.
وأضاف: “التحقيقات معلنة، وهي تبقى سرية ما دامت أمام قاضي التحقيق، لقد كانت المحاكمات علنية، وأصبحت الملفات بتصرف جميع المحامين”.مشيراً إلى أن محاكمة الجهة التي أعطت الأمر بالإغتيال كانت تتطلب قانوناً مختلفاً للمحكمة، ويومها لتجنب الفيتو في مجلس الأمن، صدر القانون بمحاكمة الأفراد لا الكيانات والدول.
وختم ريفي: أؤمن أن العدالة ستتحقق أخيراً، فهذا قانون إلهي… مستشهداً بميلوسوفيتش وأركانه الذين ألقي القبض عليهم بعد عشرات السنين، سنتابع المسيرة حتى يقاد قتلة رفيق الحريري، المنتمون الى حزب الله إلى العدالة، كما اقتيد ميلوسوفيتش، فمصير الحزب كمصيره وهذا مسار التاريخ.
لحزب الله نقول العدالة تحميك من الانتقام، لقد تجاوزت العدالة وأنت لا ترى إلى البعيد، وسيأتي يوم العدالة ولو متأخراً”.

شدياق: خيبة أمل
ومن جهتها اعتبرت الوزيرة السابقة مي شدياق في حديث لـ “هنا لبنان” أنّ المشهد بما يتعلق بعمل المحكمة الدولية مؤسف، فعمل هذه المحكمة استنفد الكثير من الطاقات والأموال والوقت، وكنا نأمل أن يصل إلى أكثر مما وصل إليه، فكمية الأموال التي دفعت كانت تفترض الإسراع ببت العديد من الملفات، كي نصل إلى نتائج لا تتعلق فقط بملف اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لقد أدين ثلاثة عناصر من حزب الله، ولم يدن مصطفى بدر الدين بسبب وفاته، فضلاً عن أنّ قانون المحكمة غير مخول بإدانة أحزاب ولا دول بل أفراد. لقد تم ربط التحقيق بملف الاتصالات، وصدرت قرارات ظنية ثلاثة في جريمة اغتيال كل من مروان حمادة جورج حاوي والياس المر، وركزوا فقط على هذه النقطة لجهة الرابط مع اغتيال الرئيس الحريري، في وقت كلنا نعرف أنّ الملفات الأخرى، حتى تلك المشمولة، بما فيها ملف اغتيال سمير قصير واغتيال جبران التويني وقضيتي أنا، فيها الكثير من الأدلة وليس فقط دليل الاتصالات. لقد حددوا نطاق عملهم وأضاعوا الكثير من الوقت، وبالنسبة لي النتيجة هي خيبة أمل.
وعن إمكان نشر وكشف التحقيقات السرية قالت شدياق: “لو كانت الدولة قادرة على الفعل، لما كنا ذهبنا إلى طلب تشكيل محكمة دولية”، وأضافت: “ليس عندي شيء لأخفيه، ولما طلبت المحكمة أن يطّلع قاض لبناني على الملف قبلت، أما حين طلبت أنا نسخة عن الملف، فلم يعطوني إياه. لا أؤمن بكل هذا “السيستم” ولا أؤمن بالعدالة في لبنان”.
وعن إمكان تسليم المطلوبين قالت: “منطق حزب الله “بلوا الأحكام واشربوا ميتها”، لا أحد ضغط على الحزب لتسليمهم، وهو اعتبر المدانين قديسين، وهم لا يعترفون بالمحكمة.

خشان: المحكمة أهانت اللبنانيين والضحايا
وقال الإعلامي فارس خشان، الخبير في متابعة عمل المحكمة الدولية، لـ “هنا لبنان”: عملياً قرار إنهاء عمل المحكمة اتخذ منذ أكثر من سنة، فالمحكمة أقفلت في تموز العام 2022 ، وبقيت في حالة تصفية إدارية ذاتية، والآن انتهت من هذه العملية، وقررت مصير الأرشيف، وما ستريد نقله إلى الدولة، وما ستريد إبقاءه في محفوظات الأمم المتحدة. لم يكن واضحاً إذا ما كانت المحكمة قد أبقت على وجود خلية نائمة، بحيث إذا كان أحد المتهمين المحكوم عليه غيابياً سلم نفسه، تكون على جهوزية للتصرف معه بالمقتضى القانوني، بحيث يكون للمحكمة القدرة على إعادة محاكمته.
أضاف: يفترض أن لا تكشف كل التحقيقات التي تحمل طابع السرية، ضماناً لحماية الشهود، والذين قدموا وثائق سرية، وإفادات سرية، فبعض هؤلاء أُعطوا للتعريف عنهم أرقاماً، وليس أسماءً، وبالتالي لا ترفع السرية حتى عشرات السنين القادمة.
وقال: بين فترة الإغلاق الإداري للمحكمة، والإغلاق الفعلي مر وقت طويل، فهناك الكثير من الملفات تحتاج إلى بت وحفظ. هناك ملفات ثلاثة استردتها المحكمة الدولية من القضاء اللبناني، متعلقة باغتيال ومحاولة اغتيال الياس المر جورج حاوي ومروان حمادة، والسؤال اليوم بعد إقفال المحكمة، هل ستعود هذه الملفات إلى صلاحية القضاء اللبناني؟أم سيكون هناك فراغ قضائي ومنع محاكمة في هذه الملفات، علماً أن متهماً وحيداً وجهت له التهمة في هذه الملفات الثلاثة وهو سليم عياش.
وأضاف: إذا تبين أن أشخاصاً جدد متورطين بالاغتيالات، هل تعود الصلاحية للقضاء اللبناني ، أم تبقى الصلاحية تائهة بحيث ننتقل من نظرية وعد لبنان بوقف زمن الإفلات من العقاب، إلى تحول المحكمة إلى أداة من أدوات الإفلات من العقاب.
وفي ما يتعلق بإمكان توقيف الذين اتهموا قال الحريري قال: هناك سرية مطلقة حول ما حصل بين المحكمة، وبين القضاء اللبناني. هناك وزير عدل عليه مسؤوليات في هذا الموضوع. لا أحد يعرف ماذا بين المحكمة الدولية ووزير العدل. هناك سرية مطلقة ومريبة.
لذلك أقول: هناك إهانة للبنانيين في طريقة إنهاء عمل المحكمة. هذه المحكمة أهانت اللبنانيين، لم تكمل عملها، لم تعلن ماذا سيحصل بعد إنهاء عملها، لم تخبرنا إذا ما كان إنهاء عملها هو نهاية التحقيقات، لم تخبرنا إذا ما كان المحكوم عليهم سيبقون طلقاء. هناك إهانة للبنانيين في طريقة إغلاق المحكمة، والإهانة أيضاً للضحايا. المحكمة برعاية الأمم المتحدة التي أهانت اللبنايين، فقد تركتهم في غموض مطلق، وقالت لهم إنّ استمرار العدالة لا يعنينا، وقالت لهم إن الإفلات من العدالة أصبح مغطى بقرار دولي، من خلال إغلاق المحكمة وعدم إيجاد البدائل الواضحة للبنانيين.

قصير:حزب الله لن يسلم المحكومين
وقال الكاتب السياسي قاسم قصير لـ “هنا لبنان”: منذ انطلاق لجنة التحقيق الدولية، وصولاً إلى المحكمة الدولية، أثيرت الكثير من الإلتباسات، سواء لجهة طريق العمل أو للنتائج التي تم التوصل اليها، ذلك على الرغم من أنه كان هناك رأي عام عربي ودولي، يأمل بالوصول إلى نتائج. وأثارت المحكمة الكثير من الإلتباسات، سواء بطريقة عملها، وبالنتائج التي توصلت لها، وأول مشكلة واجهناها، عمل لجنة التحقيق الدولية. فاللجنة بنت على معطيات غير دقيقة، وعلى نوع من شهادات مسيسة، مما أدى إلى ذهاب التحقيق الى مكان معين، وإعتقال ضباط وتوقيف أشخاص، ومن ثم تم إطلاق الضباط، وحاولت المحكمة أن تتجاوز هذه الإشكالات، والعمل من أجل تصحيح المسار، لكن المشكلة الأساسية بلجنة التحقيق الدولية، أنها اعتمدت على نقطين أساسيتين: النقطة الأولى هي الشهادات السياسية، بمعنى آخر تبني وجهة نظر سياسية، وهذا الموضوع يمكن لكل جهة أن تفسره على ما تراه مناسباً، وهذا الموضوع يبقى في إطار التحليل، يعني أن كل جهة تحلل وفقاً للمعلومات التي لديها. النقطة الثانية التي اعتمدتها المحكمة، هي الاعتماد على دليل واحد وهو دليل الاتصالات الهاتفية، ولم تعتمد على مضمون الاتصالات، ولم يتوفر ما يسمى الأدلة الصلبة، التي تؤكد صحة ما توصلت، بما يزيل الالتباسات.
وختم قصير : الخلاصة أن نتائج المحكمة ستكون أحد نقاط الخلاف التاريخية في لبنان، وانا أجزم أن حزب الله لن يسلم أحداً من الذين تم اتهامهم، لأنه يعتبر المحكمة مسيسة بالأساس.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us