المخطط الفرنسي لإعادة إعمار مرفأ بيروت “ناقص”: رؤية ضعيفة وأزمة تمويل ومشروع لبناني في المرصاد


خاص 23 آذار, 2024

العرض الفرنسي الخاص لمخطط إعادة إعمار وتطوير مرفأ بيروت لم يعرض حتى الساعة على لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه، على الرغم من طلب الأعضاء النواب الاستحصال على نسخة، إلا أنها لم توزّع بعد. والموضوع لم يبحث حتى داخل اللجنة

كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:

زفّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، للبنانيين، خبر إطلاق العرض الخاص لمخطط إعادة إعمار وتطوير مرفأ بيروت، الذي أعدته فرنسا، بعد 4 سنوات على ذكرى مجزرة 4 آب. وبينما كان تأكيد المسؤولين اللبنانيين أن المشروع سيأخذ طريقه إلى التنفيذ عبر مساهمات خارجية أو من إيرادات هذا المرفق العام، طالت أسئلة وهواجس عديدة المواطنين، وسط مخاوف من أن تكون ورشة إعادة إعمار مرفأ بيروت “صفقة جديدة” ستتقاسم أرباحها الطبقة الحاكمة، على حساب مصلحة اللبنانيين، وتكون نتائجها على غرار التلزيمات السابقة.

أبرز النقاط التي يلحظها المخطط الفرنسي

وللغوص في تفاصيل مخطط إعادة إعمار وتطوير المرفأ، وتقييمه، أوضحت مصادر “هنا لبنان” أنّ “الخطة تقتصر على إعادة بناء وإعادة تأهيل الموانئ رقم 9 و10 التي تضررت من جراء الانفجار. وهذه هي أكبر تكلفة استثمارية. وستشمل الأعمال تعميق الحوض. وتقترح الخطة أيضًا تجديد طرق المرور الرئيسية داخل الميناء لتحسين تدفق الركاب والبضائع غير المعبأة في الحاويات والحبوب والمركبات. ويتضمن المشروع أيضًا، نقل منطقة الصومعة في الطرف الشمالي من الميناء رقم 8”.

وأضافت المصادر “تسعى الخطة إلى تعزيز التدابير الأمنية والمعايير والإجراءات الجمركية وتطوير وتسريع عملية مراقبة البضائع، حيث تستغرق الحاوية الواحدة من 10 إلى 12 يومًا لمغادرة الميناء، مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 3 إلى 5 أيام. وتلحظ الخطّة، مشروعاً لتوليد الطاقة البديلة لتشغيل المرفأ (استناداً إلى توصيات مؤسسة كهرباء فرنسا (EDF، وينصّ على تركيب ما يقرب من 74,000 متر مربع من الألواح الشمسية على حاجز الأمواج ومنطقة الشحن لتوليد 15 ميجاوات وتغطية جميع احتياجات الميناء من الطاقة تقريبًا”.

أمّا عن كلفة المشروع وبحسب تصريحات السلطات، سيتمّ تأمين من 40 إلى 80 مليون دولار من عائدات المرفأ لتمويل المشروع، علماً أن إيراداته بلغت 150 مليون دولار في عام 2023.

وعن المدّة التي قد يستغرقها المشروع لينضج أجابت المصادر بأنّ “الخطّة لم تضع إطاراً زمنياِ لتنفيذ المشروع، ولا تزال هناك العديد من القضايا التي يتعين التعامل معها، بما في ذلك تطوير وثائق المناقصة. فالمخطط الفرنسي الذي استلمته السلطات اللبنانية ما هو إلا دراسات في هذه المرحلة، أي لا يزال “حبراً على ورق”.

المخطط الفرنسي (لا تصاميم، مجرد تلوين)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملاحظات تؤخذ بعين الاعتبار

واعتبرت المصادر أنه “لا يوجد سبب مسبق للطعن في جودة الدراسات. ومن الواضح أيضاً أن مرفأ بيروت يحتاج إلى إعادة تأهيل وتطوير. ومع ذلك، لدينا مخاوف تتعلّق بالحوكمة والاستراتيجية وإدارة المالية العامة”.

وعن ملاحظاتها على الخطّة عدّدت المصادر “أولاً، تتعلق الدراسات بأجزاء محددة من الميناء (باستثناء محطة الحاويات، ومنطقة الصومعة السابقة المحفوظة لأعمال تذكارية محتملة). وهي تهدف إلى معالجة القضايا القصيرة الأجل، دون الأخذ بعين الاعتبار التطورات الاستراتيجية المتوسطة والطويلة الأجل. وحتى الاستراتيجيات القصيرة الأجل، لم تناقش بعد”.

والأهم من ذلك، بحسب المصادر، أن “طريقة العمل والتوجهات، تقررهما لجنة إدارة وتشغيل مرفأ بيروت، تحت إشراف وزارة الأشغال العامة والنقل، رغم أن الوضع القانوني لهذه اللجنة غير واضح تماماً. فقد تم إنشاؤها في عام 1990 لفترة مؤقتة، وعندما انتهى امتياز مرفأ بيروت، لم يتم تنظيم عملها بعد. والأولوية اليوم هي توضيح وضع اللجنة القانوني، التي تدير المرفأ والمصرح لها باستخدام موارده لأغراض الاستثمار أو الصيانة، لأننا نتعامل مع البنية التحتية والمال العام”.

كما نشعر بالقلق، تضيف، “إزاء الميل المتزايد لمواصلة العمل كالمعتاد، في حين يتم عرقلة التحقيق في انفجار بيروت من ناحية، ومن ناحية أخرى، تنغمس السلطات العامة، المكلفة بتعجيل الأمور الجارية، في التقاعس المتعمد، لإعادة هيكلة المالية العامة والقطاع المالي”.

مشروع لبناني بديل عن الطرح الفرنسي

على مقلب آخر، انتقد الناشط السياسي والبيئي المهندس المعماري شربل أبو جودة، في حديثه لموقع “هنا لبنان” بشدّة المخطط الفرنسي، معتبراً أنّه “لا يرتقي حتى إلى مستوى Bricolage،  سائلاً كيف تموّل شركات فرنسية عالمية مخططاً مماثلاً؟ فهذا المخطط ليس دراسة، حيث أنّ الأخيرة يجب أن تتضمّن مخططاً توجيهياً عاماً للمشروع، يحدد تصميم المشروع كاملاً، وأهدافه العامّة، كأين نضع الإهراءات، وأين نضع الطاقة الشمسية إلخ. يجب أن يتضمّن ما يعرف بالـmaster plan”.

وأبرز الأخطاء التي تناولتها الخطّة الفرنسية يقول “إهمال المرفأ البحري، حصر الهنغارات بطابق واحد، تعميق الأحواض الداخلية التي من المفترض ردها بدل تعميقها،  غياب أي بعد سياحي واقتصادي واستثماري للمرفأ، السنسول بالخطة الفرنسية غير محمي بكاسر موج، فأين ترسو البواخر في الشتاء؟ أمّا تكبير حجم المرفأ فلا يرتقي إلى المعايير العالمية، وموقع لبنان الاستراتيجي. كما لم تتضمّن الخطة مشروع نقل أو سكّة حديد”.

في المقابل، يكشف أبو جودة، عن دراسة كاملة كان قد أعدّها لإعادة إعمار المرفأ وأبرز ما تضمّنت “بور سياحي عملاق بعمق 17 متر،(عمق البور الحالي 8 أمتار)، يستوعب 4 بواخر عملاقة بسعة 5000 سائح أي بمعدّل 20 ألف سائح في الأسبوع، مع موقع لتأجير السيارات السياحية، ما ينقذ السياحة في بيروت وينعشها في باقي مناطق لبنان، إلى جانب سنسول بطول 500 متر خارج المرفأ مقابل سوليدير، يمكن أن يسع 39 ونشا، أي قرابة الـ7 بواخر، ويصل إلى برج حمود، مع  بناء 10 طوابق على مساحة 120 ألف متر، تنقسم إلى 5 طوابق لبواخر السيارات، بدل فرشها في البور للاستفادة من المساحة، و5 طوابق تستخدم كمنطقة صناعية حرّة، (مثلاً يمكن استيراد قطع الهاتف وتجميعها وإعادة تصديرها)  وردم الأحواض الداخلية، مع بناء مختبر كبير على مساحة 20 ألف متر لتخليص البضاعة بسرعة”.

كما تتضمّن خطّة المرفأ حلًّا لأزمة النفايات، خصوصاً جبل النفايات في برج حمود، بالاستعانة بخطّة موريس جميّل لسكة حديد القطار، حيث يتمّ نقل النفايات إلى مناطق نائية لإعادة التدوير، ويتمّ ردم المنطقة من بعدها لتصبح جزءاً من المرفأ. ما يدخل إلى مالية الدولة قرابة المليون دولار في السنة جراء إعادة التدوير. وبذلك نكون قد خلقنا منطقة إدارية كاملة في برج حمّود مؤلفة من مكاتب ومختبرات وثكنة للجيش مع مدخل للغواصات والسفن. ومكان لصيد السمك بعمق 16 متر، ومنطقة للعلف الناتج عن تنظيف السمك، ببساطة تصبح مناطق كاملة خاصة”.

أمّا إهراءات القمح وبحسب خطّة أبو جودة، فتقسم بين بيروت وطرابلس وصور، وتخدم المناطق عبر سكّة القطار، وبذلك يصبح لدينا مرفأ اقتصادي ضخم، سياحي عملاق، وإداري صناعي، بكلفة لا تتعدى الـ4 مليار دولار. فنحن أصبحنا نعيش في عصر الملاحة العالمية ولا تشفع فينا سياسات الترقيع”.

المخطط اللبناني (تصميم كامل)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أهمية مرفأ بيروت الاستراتيجية وفرص تمويل المشروع

من جهته يلفت الخبير الاقتصادي، د. خلدون عبد الصمد، في حديثه لموقع “هنا لبنان”، إلى أنّ “أهمية مرفأ بيروت تعود إلى ما قبل الفينيقيين، فلطالما شكل ّنقطة استراتيجية من حيث موقعه الجغرافي، والمنطقة التي تحيطه، وحجمه، فهو من أكبر الموانئ في شرق البحر المتوسط، ويعتبر المرفأ الأهم. واكتسب المرفأ بعد اندلاع الحرب السورية في الـ2011، أهمية جديدة، حيث أصبح أحد المداخل الرئيسية لإعادة الإعمار. وفكرة توسيع مرفأ بيروت موجودة منذ قبل انفجار 4 آب، ما جعل عمليّة إعادة إعماره تكتسب أهميّة مضاعفة”.

وعن سبب التأخير في تبني خطّة إعادة الإعمار، ذكّر عبد الصمد، بأنّ “الخلافات السياسية أجلت هذه العملية، حيث بدأ الخلاف حول موضوع مصير الإهراءات، خصوصاً وأنّ أهالي ضحايا الانفجار رفضوا تهديم الإهراءات لأنّ من شأن ذلك محو آثار الجريمة ومعها الضحايا الـ218 الذين سقطوا في الانفجار. ومن ثمّ انتقل الخلاف إلى طريقة إعادة إعمار المرفأ والشركة التي ستستلم هذا الملفّ، ليدخل البلد من بعدها في حكومة تصريف أعمال، وفراغ رئاسي، ويغرق في مشاكل الأزمة الاقتصادية”.

وكشف عبد الصمد أنّ “الشركات التي تقدّمت بعروض جديّة لإعادة إعمار المرفأ، هي شركتا الهندسة الفرنسيتان “ارتيليا” و”ايغيس”، وقدمتا مخططاً أولياً، وهما بانتظار الحكومة لعرض دفتر الشروط لتقديم العرض بناء عليه. وتشمل المخططات التي تقدّمت بها الشركتان الفرنسيتان، تكبير المرفأ من جهة، وزيادة عمق المرافئ، مع الصيانة الدائمة، بالإضافة إلى استعمال الطاقة الخضراء أو المستدامة في توليد الطاقة”.

أمّا كلفة إعادة الإعمار فواجهت تضارباً في الأرقام، بحسب عبد الصمد، “فالبعض توقّع أن تكون الكلفة بالمليارات فيما البعض الآخر حصر الكلفة ببعض الملايين، إلّا أنّ مما لا شكّ فيه بأنّ الكلفة كبيرة جداً. أمّا الحديث عن تسديد إعادة الإعمار من عائدات مرفأ بيروت فهو غير منطقي، حيث أنّ أعلى رقم حصدته عائدات المرفأ هو 150 مليون دولار في عام 2023، وأقلّ رقم كان في الـ 2020 وهو لا يتخطى الـ 10 ملايين دولار، ما يعني أنّ معدّل الإيرادات يتراوح بين الـ50 والـ100 مليون دولار في السنة، فهل هذا يكفي لتغطية الدمار الحاصل والذي يقدّر فوق المليار؟ ولتوسيع المرفأ ولتوفير مواصفات وتقنيات حديثة ومتجددة؟ طبعاً لا، وبالتالي نحن متجهون إمّا لإعطاء شركة خاصة الحقّ الحصري لاستثمار المرفأ، تحت رقابة الحكومة اللبنانية، وهو الحلّ الأمثل الذي تعتمده جميع دول العالم وعلى رأسها الصين، أو الاتجاه إلى الاقتراض، فيما لبنان لا يحمل المزيد من الديون، خصوصاً بعد الانهيارات المالية التي حصلت، ولو توفّرت الدراسة التي تضمن طريقة لتسديد الديون، فأي مجتمع دولي أو جهات مانحة تثق بعد بلبنان، وهي على يقين بأنّ الدولة عاجزة عن سداد ديونها، فيما موازنتها لعام 2024، هي موازنة تغطية نفقات فقط وهي خالية من أي خطط طويلة الأمد”.

حظوظ عالية للشركات الفرنسية للاستثمار في البور

وإلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أنّ فرنسا، وعبر الملحق الاقتصادي في السفارة الفرنسية في لبنان والمنطقة فرنسوا سبورير، أكدّت استعدادها لتمويل الأشغال في المرفأ “ولكن ليس قبل توقيع لبنان اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على البنك الدولي الذي أبدى استعداده لتمويل أعمال إعادة المرفأ”. ما يعني أنّه وفي حال لجوء الدولة إلى الاستدانة لتمويل إعادة الإعمار، سيكون مصير المرفأ وكحال أي مشروع آخر، رهينة الإصلاحات المطلوبة من قبل المجتمع الدولي.

وعلى ما يبدو، فانّ حصّة شركة CGA-CGM الفرنسية، ستكون محفوظة في عمليّة إعادة الإعمار، حيث أن سبورير، الذي شكك بقدرة أي شركة محليّة لبنانيّة على إعادة إعمار المرفأ، لفت إلى أنّ “هناك شركة قادرة على القيام بهذه المهمّة، مثل شركة CMA-CMG (الفرنسية) التي قد تبادر الى المساهمة مثلاً باعتبارها تعمل في لبنان”.

وكانت الشركة الفرنسية قد سبق لها أن فازت بتلزيم محطة الحاويات في مرفأ بيروت فرصدت استثمارات بقيمة تفوق الـ 30 مليون دولار، وقامت بتشغيل محطة الحاويات منذ العام 2022.

وتجدر الإشارة إلى أنّ المخطط الفرنسي، لم يتطرّق إلى مسألة هدم الإهراءات من عدمها، معتبراً أنّ هذا “شأن لبناني داخلي”.

وفي معلومات خاصّة لـ “هنا لبنان” فإنّ ” العرض الفرنسي الخاص لمخطط إعادة إعمار وتطوير مرفأ بيروت لم يعرض حتى الساعة، على لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه، على الرغم من طلب الأعضاء النواب الاستحصال على نسخة، إلا أنها لم توزّع بعد. والموضوع لم يبحث حتى داخل اللجنة”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us