حرب الـ10 سنوات في غزة


خاص 28 آذار, 2024

هل تتجاوز “حماس” و”فتح” خلافاتهما وتعملان معاً على إنتاج حلول تخدم القضية الفلسطينية؟ وهل يتجاوز العرب انقساماتهم المحورية ويتوافقون على استراتيجية واحدة لإنقاذ ما بقي من حقوق للفلسطينيين قبل ضياع كل شيء؟


كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

لا يخبئ بنيامين نتنياهو ما يريد القيام به في غزة. فخطوته التالية هي اجتياح رفح، وهدفه النهائي هو إنهاء “حماس” بعد عملية تهجير وتدمير واسعة للقطاع. ولكن، في المقابل، لا “حماس” ولا القوى الإقليمية الداعمة لها تكشف تصورها لمستقبل الحرب هناك، وتكتفي بإعلان إصرارها على القتال إلى ما لا نهاية. وفي ظل انعدام التوازن بين الطرفين، يبدو الفلسطينيون على عتبة خسارة تاريخية، ستكون الأخيرة.

لم يتردد نتنياهو في المجاهرة: حرب غزة ستستغرق عامين من القتال، تليها 8 سنوات من الترتيبات الأمنية والإدارية في القطاع ليصبح شبيهاً بالضفة الغربية. أي إن العملية الإسرائيلية في غزة ستستغرق 10 سنوات، تبدأ بالقضاء على “حماس” وتنتهي بخلق البدائل التي ستتكفل بإدارة القطاع بعد إعماره. ولذلك، في المعيار الإسرائيلي، ستبقى اتفاقات وقف النار والوساطات المبذولة هناك مجرد كسب للوقت، بما فيها الحراك الأميركي.

في أي حال، واشنطن تتصرف اليوم على قاعدة حفظ ماء الوجه لا أكثر. فهي تتجنب أن تلحق بها الوصمة التاريخية المنتظرة في رفح، حيث يمكن أن تقع أكبر مجزرة يتعرض لها مدنيون منذ الحرب العالمية الثانية. ومن الواضح أن الأميركيين سيكتفون بالاعتراضات اللفظية على سلوك نتنياهو، لكنهم لن يتخذوا أي تدبير عملاني لكبح جماحه. ولذلك، هم عطلوا قرارات عدة لوقف النار في مجلس الأمن، وأتاحوا الفرصة للجيش الإسرائيلي لينجز مهمته في غزة، وأرخوا الحبل لنتنياهو كي يفعل ما يريد هناك في أسرع ما يمكن. لكن المهمة بدت صعبة من دون وقوع كارثة في رفح. وأما موقفهم المفاجئ قبل يومين، وسماحهم بصدور قرار وقف النار، فيُخشى أن يكون علامة التبرؤ من الكارثة الداهمة.

وبعد أشهر قليلة، ستصاب إدارة الرئيس جو بايدن بمزيد من الإرباك في سياستها الخارجية، إذا فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية، كما هو مرجح حتى اليوم. ولذلك، لا يستعجل نتنياهو إنهاء الحرب. والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكثر الذين يعرفون مغزى عملية رفح. ولهذا السبب، هو يطلق التحذيرات المتتالية من تهجير الغزاويين إلى سيناء.

تصوُّر نتنياهو لمستقبل غزة، وفق نموذج الضفة، يعني جعلها منزوعة السلاح، تديرها السلطة الفلسطينية أو أي سلطة بديلة لـ”حماس” بالمعنى الإداري فقط، ويتولى أمنها عناصر من الشرطة. ولكن، لا قوات مسلحة فيها، فيما تبقى السيطرة العسكرية والأمنية العليا لإسرائيل. ويعرف نتنياهو أن إنهاء “حماس” سريعاً، وفي شكل قاطع، ليس في محله. وفي أي لحظة، قد تطلق الحركة عمليات مفاجئة ضد إسرائيل، ولو بعد فترات طويلة. وهذا الاحتمال يدفع نتنياهو إلى التحسب لإطالة أمد الحرب والترتيبات التي ستعقبها. ولذلك، في مراحل لاحقة، قد تجد إسرائيل مصلحة في إشراك قوات عربية أو دولية في رعاية أمن القطاع، ما يضمن منع “انبعاث” حماس، خصوصاً أن خلق قوى فلسطينية بديلة لـ”حماس”، ومستعدة للتعاون مع إسرائيل، سيحتاج إلى جهد حثيث ووقت طويل.

ولكن، في المحصلة، ولأن الحرب ستدوم سنوات، فمن البديهي أن تميل الكفة لمصلحة إسرائيل. فهي تمتلك قدرات مفتوحة وهامشاً سياسياً غير محدود، فيما ستقفل أبواب الدعم في وجه “حماس” تدريجاً، بعد عملية رفح. وإذا تمت التسوية بمشاركة عربية ودولية، فإن قدرة “حماس” على التعطيل ستصبح محدودة، لأنها لا تستطيع مقاتلة إسرائيل والعرب والمجتمع الدولي في آن معاً.

ويطمئنّ نتنياهو إلى أن القوى السياسية كافة، في الداخل الإسرائيلي، تؤيد أهدافه في غزة. فبالنسبة إلى الإسرائيليين جميعاً، وليس فقط قوى اليمين واليمين المتطرف، حرب غزة هي تتويج للحروب العربية- الإسرائيلية التي أدت إلى تشكيل دولتهم بوضعها الحالي، ولا خلاف على استغلال الفرصة التي لاحت في 17 تشرين الأول 2023. ولئلا ينخدع الفلسطينيون أو العرب، إن شكوى بعض القوى من سلوك نتنياهو هي مسألة تفصيلية لا تعوق التقدم نحو الأهداف العميقة.

من هنا، يتحتم على الفلسطينيين والعرب أن يستوعبوا المأزق التاريخي المنتظر في غزة، بعد أسابيع أو أشهر، ثم سنوات، والذي ستكون عواقبه كارثية على القضية الفلسطينية وغير قابلة للإصلاح. وهذه المسؤولية تقتضي التنسيق السريع لتدارك الخسارة قبل أن تتكرس نهائياً، إذا لم يكن القطار قد فات فعلاً.

ولكن، واقعياً، هل هذا التنسيق الفلسطيني والعربي وارد؟ هل تتجاوز “حماس” و”فتح” خلافاتهما وتعملان معاً على إنتاج حلول تخدم القضية الفلسطينية؟ وهل يتجاوز العرب انقساماتهم المحورية ويتوافقوا على استراتيجية واحدة لإنقاذ ما بقي من حقوق للفلسطينيين قبل ضياع كل شيء؟

تجارب الماضي ووقائع اليوم ترجح التشاؤم. فالفلسطينيون والعرب لم يخسروا فلسطين نتيجة أطماع إسرائيل فحسب، بل أيضاً بفعل الإهمال والتجاهل و”العنتريات الفارغة” التي لا يبدو أنهم سيقلعون عنها ذات يوم.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us