مَن يريد خراب الأردن؟


خاص 4 نيسان, 2024

أطلق حلفاء إيران عملية “طوفان الأقصى” في غزة فاستغلتها إسرائيل في حرب ستدوم سنوات ولن تنتهي إلا بتدمير القطاع وتهجير أهله. فهل سيطلق هؤلاء حرباً مماثلة في الأردن تستغلها إسرائيل كذريعة للتخلص مما بقي من حضور فلسطيني في الضفة الغربية؟

كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

أظهرت الأيام الأخيرة أنّ ثمة أمراً خطِراً جداً يجري تدبيره للأردن، وقد يكون مصيرياً. فهل دقت ساعة الخراب في هذا البلد، ولمصلحة مَن، وهل سينجح الأردن في إسقاط المؤامرة التي تستهدفه، كدولة وكيان؟

على مدى قرن، بقيت إسرائيل هي الهاجس الذي يؤرق الأردنيين. فمقولة ديفيد بن غوريون ماثلة دائماً في الأذهان: الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين. وبقي “الترانسفير” الفلسطيني من الضفة الغربية للنهر إلى ضفته الشرقية هو الكابوس، لأنّ ذلك سيؤدي إلى إغراق الأردن ديموغرافياً، فتزول شخصيته الوطنية ويصبح واقعياً هو الوطن البديل للفلسطينيين.

وللتذكير، في التركيبة السكانية الحالية للأردن، يعود نحو 65 % من الشعب إلى أصول فلسطينية، في مقابل 35% ينتمون بأصولهم إلى شرق الأردن. فإذا حصل أيّ تدفق سكاني فلسطيني جديد من الضفة الغربية إلى الأردن، ستصبح الغالبية الساحقة هناك ذات عصبية فلسطينية مشدودة، فتسقط الشخصية الوطنية الأردنية التي يشكل العرش رمزاً لها.

ومنذ اندلاع الحرب في غزة، وإعلان إسرائيل رسمياً سعيها إلى تهجير الفلسطيين من هناك إلى سيناء، خرجت أصوات إسرائيلية تدعو إلى استغلال الظرف السانح وتنفيذ خطة تهجير موازية من الضفة الغربية إلى الأردن. فبعض القوى في إسرائيل ترى أنّ فرصة الحرب في غزة، والتي حظيت فيها إسرائيل بدعم دولي غير مسبوق، مناسبة لتنفيذ مخطط التوسّع على الجبهتين، وفي القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.

ومن المعروف أنّ العرش الهاشمي هو الوصي أيضاً على الأماكن الدينية الإسلامية في القدس، منذ العام 1924، أي 100 عام، وهذا ما يشكل عائقاً أمام مشاريع إسرائيل الهادفة إلى تغيير طابعها الحالي وتظهير الأثر اليهودي. وفي بداية شهر رمضان الحالي، كان كثيرون يخشون أن تنطلق من المسجد الأقصى شرارة التوتر القاتلة بين الضفة الغربية والأردن.

ولكن، من المثير أنّ خوف الأردنيين على استقرارهم لا يرتبط اليوم بإسرائيل في الدرجة الأولى، بل بإيران. وثمة إشارات مقلقة في هذا الشأن يتوالى ظهورها منذ سنوات، وتسارعت بعد حرب غزة.

فالأردنيون ينظرون إلى عمليات تهريب المخدرات التي استشرت في السنوات الأخيرة على الحدود السورية والعراقية كجزء من خطة تسييب مقصودة للأمن هناك، ستزعزع حضور الدولة وتفتح الباب لتسلل خلايا التخريب. ولذلك، عمدت القوات الأردنية إلى مواجهة هذا الواقع بقوة، مستخدمة سلاح الجو.

وكذلك، قرأ الأردنيون بكثير من الاهتمام هجوم حلفاء إيران العراقيين على الموقع الحدودي الأميركي في كانون الثاني الفائت، واعتبروه رسالة تهديد لاستقرارهم. كما جاء إعلان “كتائب حزب الله” العراقي، قبل أيام، عن الاستعداد لتزويد آلاف الأردنيين بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، لإلحاقهم بالقتال في غزة، رسالة واضحة. ويتزامن ذلك مع تحريك الشارع في عمان.

فالتظاهرات هناك مستمرة منذ نحو أسبوعين، وتتمركز خصوصاً في محيط السفارة الإسرائيلية. وإذ بدأت بحملات تدعو إلى قطع العلاقات مع إسرائيل وإلغاء المعاهدات المشتركة، فقد تطورت إلى حملات ضد الحكومة ودعوات إلى انخراط الأردن في حرب حدودية مع إسرائيل، على غرار ما يجري في لبنان، وشهدت مواجهات مع قوات الأمن. وتنظر السلطات بكثير من القلق إلى ما يجري، وتعتبره محاولة من جانب إيران و”الإخوان المسلمين” لزعزعة استقرار المملكة.

فالمعادلة في الأردن مثيرة: إيران تثير الانتفاضات ضد السلطة، تحت شعار “مقاتلة العدو”. وفي المقابل، تتلقف إسرائيل هذا التوتر والفوضى المتوقعة لتصطاد في الماء العكر، أي لتحاول تحقيق أهدافها التاريخية.

بعض الباحثين في الأردن يقول إنّ الفوضى التي تحاول افتعالها بعض التنظيمات الفلسطينية، كـ”حماس” و”الجهاد الإسلامي”، هي تكرار للفوضى التي افتعلتها هناك منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات في العام 1970، زمن الملك حسين بن عبد الله، وانتهت دموياً بإخراج المنظمة من الأردن، في ما سمّي حينذاك عملية “أيلول الأسود”.

وهناك اقتناع في عمان بأنّ منظمة التحرير كانت في صدد إنشاء دولتها البديلة في الأردن، لو استطاعت، وأنها بذلك كانت ستحقق طموح إسرائيل بإنهاء قضية فلسطين. واليوم، تتكرر المحاولة في الأردن على يد “حماس” و”الجهاد”. ولا ينسى اللبنانيون أيضاً أنّ خروج منظمة التحرير من الأردن ساهم، بعد خمس سنوات فقط، في اندلاع حرب تحولت أهلية على أرضهم، ما زالت مستمرة بأشكال مختلفة.

لقد أطلق حلفاء إيران عملية “طوفان الأقصى” في غزة، قبل 6 أشهر، فاستغلتها إسرائيل في حرب ستدوم سنوات، ولن تنتهي إلا بتدمير القطاع وتهجير أهله. فهل سيطلق هؤلاء حرباً مماثلة في الأردن تستغلها إسرائيل كذريعة للتخلص مما بقي من حضور فلسطيني في الضفة الغربية؟

والسؤال الأهم هو: لماذا يتم إطلاق الحروب المتتالية، غير المدروسة، إذا كانت ستنتهي حتماً بتوسيع السيطرة الإسرائيلية؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us