دموع البطريرك على دولة مخطوفة


خاص 15 نيسان, 2024

لم تعد سوريا على اتساعها الجغرافي مكاناً آمناً لنظام الأسد و”الحزب”، أما لبنان الذي هو صغير جداً بالمساحة مقارنة مع سوريا لديه رجاء أن يستعيد دولته التي خطفها من خطف أيضاً سوريا. ولعل دموع البطريرك في مأتم باسكال سليمان تمثل الرجاء أن تعود الدولة المخطوفة إلى أهلها


كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:

الدموع التي سالت من عينيّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وهو يلقي عظته في جنازة باسكال سليمان يوم الجمعة الماضي كانت لافتة. فجثمان منسق “القوات اللبنانية” السابق المسجّى في كنيسة مار جرجس في جبيل صار بحجم وطن. وكان بكاء البطريرك ثلاث مرات هو على دولة مخطوفة. وعاد جثمان سليمان ليذكّرنا بأنّ الدولة ما زالت مخطوفة.

منذ أن بدأت كارثة النزوح السورية تصيب لبنان، منذ أكثر من عقد من الأعوام، لم تحن فرصة لمعرفة حجمها كما حصل مع مأساة باسكال سليمان الأسبوع الماضي. فبدا واضحاً من وقائع هذه الجريمة، أنّ الجناة المنفذين هم أدوات بيد من قرّر ولا يزال أن يختطف لبنان بالجملة. أمّا الخاطف ، فهو لم يتردّد يوماً في الإعلان عن نفسه بأنّه هو الدولة، وأنّ لبنان كان سابقاً الدولة.

عندما حمل الخاطفون جثمان باسكال سليمان إلى سوريا، انتقلوا إلى منطقة تسيطر عليها قوات نظام بشار الأسد و”حزب الله” معاً. ففي التاسع من الشهر الجاري، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان لوكالة فرانس برس إنه تم العثور في محافظة حمص السورية على جثة رجل ذي المواصفات المتطابقة مع وصف باسكال سليمان. وتخضع محافظة حمص القريبة من الحدود اللبنانية لسيطرة قوات النظام السوري ويتمتّع حزب الله اللبناني بنفوذ فيها.

تجدر الإشارة إلى أنّ مساحة محافظة حمص تبلغ 42226 كم². أي أنّها أكبر من مساحة لبنان بأربع مرات. فلو افترضنا أنّ الشعب اللبناني، بالإضافة إلى ما يعادل نصف عدده، كما هو حالياً عدد النازحين السوريين في لبنان انتقلوا إلى حمص، فلن تضيق بهم. ولما كان الأمر على هذا النحو، فلماذا لا ينتقل النازحون السوريون إليها اليوم قبل الغد؟

أحد الأجوبة على هذا السؤال بالأمس كان الأكثر غرابة من نوعه. ففي البيان الذي أصدرته السفارة السورية في لبنان يوم الجمعة الماضي، قال الآتي: “ما يعيق عودة السوريين إلى بلادهم هو تسييس ملف النزوح من قبل الدول المانحة وبعض المنظمات الدولية المعنية بملف النازحين واللاجئين، وكذلك الإجراءات القسرية الأحادية المفروضة على الشعب السوري والتي تشمل آثارها السلبية المواطن السوري واللبناني”.

ماذا نفهم من كلمة “تسييس” الواردة في بيان سفارة النظام الأسدي؟ إنّها ببساطة تعني أنّ النظام لا يريد عودة نازحي سوريا إلى وطنهم الذي يتحدّرون منه قبل ولادة حكم الأسد منذ سبعينيات القرن الماضي. فهذا النظام بمؤازرة “حزب الله” ومن خلفه إيران وكلّ من انضمّ إليهم، هجّروا معظم سكان سوريا كي تصبح على قياس مذهبي محدد. ولا ضير بالنسبة لهؤلاء أن يفعلوا ما فعلت إسرائيل في القرن الماضي بحقّ مئات الآلاف من الفلسطينيين.

هل من الضروري استئذان “الدول المانحة وبعض المنظمات الدولية”، كما سفارة الأسد في لبنان، كي يعود سوريو لبنان إلى سوريا؟

من المخيف في هذه القضية، أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قال تقريباً ما قالته هذه السفارة. ففي التصريح الذي أدلى به أوّل أمس بعد زيارته البطريرك الراعي، قال: “لا شيء يوحد اللبنانيين حالياً أكثر من موضوع النازحين، ومن خلال الاتصالات الدولية التي نقوم بها نسعى إلى البدء بما يلزم في هذا الملف”.

عن أيّ “اتصالات دولية” يتحدّث ميقاتي؟ لم يتأخر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، في الإجابة، قائلاً: “هذه الخطط كلها مضيعة للوقت”. وكان على على جعجع أن يذكّر ميقاتي بـ “أنّ لبنان وفقاً للقانون الدولي ليس بلد لجوء، وتطبيق القوانين على أرضه هو قرار سيادي ليس بحاجة للتباحث، لا مع المفوضية العليا للاجئين، ولا مع الجمعيات المنبثقة من الأمم المتحدة، ولا مع أيّ جمعيات دولية أخرى تعنى بالشأن الإنساني”.

هل أصبح الأفق مسدوداً أمام حلّ أهم معضلة في تاريخ لبنان؟ حتى لا يأتي الجواب محبطاً، لا بدّ من فسحة أمل. وعلى ما يبدو، فإنّ من تسبّب بمحنة سوريا أصابته المحنة نفسها. ومن يتابع أحوال نظام الأسد وإيران ومعهما “حزب الله” يتبيّن له أنّ سوريا على اتّساعها الجغرافي لم تعد مكاناً آمنا لهؤلاء الطغاة. أما لبنان الذي هو صغير جدًّا في المساحة مقارنة مع سوريا لديه رجاء أن يستعيد دولته التي خطفها من خطف أيضاً سوريا. ولعل دموع البطريرك في مأتم باسكال سليمان تمثل الرجاء أن تعود الدولة المخطوفة إلى أهلها.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us