إلى متى يبقى لبنان أسير المماطلة والمعايير المزدوجة؟

سيبقى لبنان أسير المماطلة السياسية والخلافات الإقليمية. ومع كل تأخير في تشكيل الحكومة، يدفع اللبنانيون الثمن الأكبر، وسط أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، لن تُحلّ إلا بخروج لبنان من قبضة المصالح الضيقة والانفتاح على الحلول الوطنية الحقيقية
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
مرَّ نحو شهرين ونصف على دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيِّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني، والذي من المفترض أن تنتهي مدّته، الممدَّدة حتى 18 شباط، بانسحاب إسرائيل الكامل من جنوب لبنان. وفي المقابل، مرَّت أكثر من ثلاثة أسابيع على تكليف رئيس حكومة جديد لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، بعدما سبقه انتخاب رئيس جديد للجمهورية في 9 كانون الثاني، منهياً فراغاً رئاسياً دام سنتين وشهرين.
وبينما لا تزال الحكومة رهينة السجالات، ها هي إسرائيل، من جهتها، تسعى للبقاء في لبنان بحجة أنّ مهمتها لن تنتهي قبل القضاء على “حزب الله” المسلَّح، الذي لم يلتزم بعد بالتراجع إلى شمال الليطاني ولم يباشر بتسليم سلاحه، وفقاً للقرار 1071 الذي يتضمّنه اتفاق وقف إطلاق النار.
في المقابل، يصرّ “حزب الله” على مواصلة ما يعتبره دوره العسكري، متنكراً للهزيمة التي مُني بها في “حرب المساندة”، التي ورّط لبنان بها. وهو يدرك أنّ تمسكه بسلاحه بات مشكلة لبنانية داخلية، قبل أن تكون إقليمية أو دولية، وفق ما صرّحت المبعوثة الأميركية الجديدة التي وضعت خطوطاً حمراء واضحة على مشاركة “حزب الله” في الحكومة.
وبالتالي يصرّ الطرفان، إسرائيل و”حزب الله”، كلٌّ من موقعه، على لعب دور سلبي ومدمّر يُهدّد بإشعال حرب جديدة، في وقت ما زال لبنان يرزح تحت تداعيات الحرب الأخيرة، من إعادة إعمار وإعادة النازحين إلى بلداتهم. يُضاف إلى ذلك، تداعيات حرب غزة والخشية من الحديث عن ترحيل الفلسطينيين إلى دول الجوار، ومنها لبنان، وهو أمر يُثار بقوة في الأوساط الإقليمية والدولية.
أما داخلياً، فما زال الرئيس المكلف نواف سلام “محتاراً” في أمر حكومته المنتظرة، وفي الاسم الشيعي الخامس وازدواجية المعايير التي يعتمدها!
إلى ذلك تواجه مشاركة “حزب الله” وحركة أمل في الحكومة بمعارضة واسعة من اللبنانيين، الذين يحمِّلون الثنائي مسؤولية توريط البلاد في الحروب واحتكار التمثيل الشيعي. كما أنّ سياسات الثنائي تُناقض التغيير الذي يُفترض أن يُجريه العهد الجديد لمحاربة الفساد والمحسوبيات، وإنقاذ لبنان من الارتهان للسياسة الإيرانية، ودور “الشرطي الإقليمي” الذي لعبه “حزب الله” في المنطقة لعقود.
ويبدو أنّ الثنائي يحاول مع سقوط نظام الأسد، وتراجع نفوذ “حزب الله” في الإقليم، التمسك بما تبقّى له من نفوذ داخلي. ونبيه بري، الذي بات الزعيم الشيعي الأوحد بعد اغتيال السيد حسن نصرالله والضربات التي تلقّاها “حزب الله”، يسعى لتعزيز موقعه عبر الحكومة، التي يرى فيها الملاذ الوحيد للبقاء. لكنه يُدرك، كما “حزب الله”، أنّ الحمل الشيعي ثقيل، مع وجود أكثر من 100 ألف نازح جنوبي ومنازل مدمّرة تحتاج إلى إعادة إعمار.
وفي ظل شحّ الأموال والدعم من طهران، لم يعد أمام الثنائي خيار سوى الانخراط في حكومة قادرة على تأمين الدعم الدولي. مع ذلك، يبدو أن لعبة التعطيل التي يمارسها الثنائي أصبحت مكشوفة داخلياً وخارجياً، يقابلها الازدواجية التي يظهرها الرئيس المكلّف في تعاطيه مع الأحزاب الممثلة نيابياً.
وبذلك يبقى لبنان أسير المماطلة السياسية والخلافات الإقليمية. ومع كل تأخير في تشكيل الحكومة، يدفع اللبنانيون الثمن الأكبر، وسط أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، لن تُحلّ إلا بخروج لبنان من قبضة المصالح الضيقة والانفتاح على الحلول الوطنية الحقيقية.
وهذا لن يحدث إلا بقانون انتخابي جديد يقلب موازين القوى على الساحة الشيعية في الانتخابات المقبلة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() قاسم يُحضِّر للتنازل… بحربٍ كلامية | ![]() “الحزب” بين تسليم السلاح أو الحرب | ![]() رسالة أورتاغوس واضحة… “تسليم السلاح” |