جان نخّول لـ”هنا لبنان”: نازعون نحو اللامركزية.. فاختاروا المشروع لا الزعامة

تبرز الانتخابات البلدية والاختيارية كأول فرصة حقيقية لاختبار مدى نضوجنا كمجتمع، وقدرتنا على انتشال لبنان من فوضى الانهيار إلى ضوء التغيير، ولو من الباب الصغير: باب البلديات. فهذه الانتخابات التي تنطلق في الرابع من أيار، أي بعد غد، ليست مجرد مناسبة إدارية، بل لحظة وعي، تتطلب من كل ناخب أن يراجع ضميره، لا دفتر عائلته، وأن يضع مصلحة منطقته فوق ولاءاته الضيقة.
انتخابات بلدية… أم لحظة مفصلية في مسار الدولة؟
تأتي الانتخابات البلدية كأول امتحان فعلي في عهد الرئيس جوزاف عون. هل تملك هذه المرحلة القدرة على ترسيخ ملامح حوكمة جديدة، تنطلق من القاعدة وتعيد بعضًا من التوازن إلى المشهد العام؟ لا يخفى على أحد أنّ اللبناني لم يعد يراهن على الدولة المركزية، بل بات ينظر إلى البلديات كملاذٍ أخير لضمان الحدّ الأدنى من مقوّمات العيش، من النفايات التي تغزو الشوارع إلى الحفر التي تقطع الطرقات، ومن أعمدة الإنارة المعطلة.
صندوق اقتراع… لا يُشبه المكان ولا السكان
رغم أنّ القانون يمنح كلّ مواطن بلغ الحادية والعشرين حق التصويت، إلا أنّ آلاف اللبنانيين سيصوتون في بلداتهم الأصلية لا حيث يعيشون فعليًا. النتيجة؟ انتخابات تُنتج مجالس لا تتفاعل مع واقع الناس السكاني. يُضاف إلى ذلك تعقيدات وثائق الهوية، حيث كادت البطاقة الحديثة تُصبح شرطًا إلزاميًا، قبل أن تتراجع وزارة الداخلية تحت الضغط، وتقبل بإخراج القيد.
في البلديات حياة… إن وُجدت الكفاءة
ليست البلديات مجرّد إدارات خدماتية، بل يمكن أن تكون حجر الأساس لأيّ مشروع إنقاذي حقيقي. صحيح أنّ صلاحياتها محدودة، لكن واقع الناس يصنعه من يعبّد الطرقات ويزرع الشجر ويُنظّم السير ويضيء الشوارع. لذلك، لا يُبنى التغيير على موقع رئيس الجمهورية أو الحكومة فقط، بل على رئيس بلدية يملك خطة وجرأة. البلديات قادرة على أن تُحدث فرقًا إذا أُديرت بكفاءة.
الناخب المتردد… مرآة أزمة أعمق
لكن المشكلة الأعمق لا تختبئ فقط في القوانين، بل في الوعي الانتخابي نفسه. ففي بلد أنهكته الطائفية والولاءات الضيقة، لا يزال كثيرون يختارون من «يساعدهم» لا من «يمثّلهم». تُكافأ الواسطة ويُقصى البرنامج، ويُنظر إلى من يملك رؤية واضحة كمن يعيش خارج نبض الناس. فكيف يمكن التأسيس لغد أفضل إذا كان الناخب لا يزال أسير العلاقات الشخصية بدل أن يكون فاعلًا في صناعة القرار المحلي؟
جان نخّول لـ”هنا لبنان”: الانتخابات البلدية تواجه أزمة تمثيل في القرى المختلطة
في حديث خاص لموقع “هنا لبنان”، كشف معدّ البرامج والخبير الانتخابي جان نخّول عن تفاصيل لافتة تتعلّق بالانتخابات البلدية المقبلة، لا سيّما في المناطق المختلطة طائفيًا مثل بلدة الناعمة وحارة الناعمة. وأوضح نخّول أنّ عدّة قرارات صدرت مؤخرًا عن مجلس شورى الدولة وكانت تقضي بوجود بلديتين منفصلتين للناعمة ولحارة الناعمة، لكن وزير الداخلية وبعد دراسة الواقع والمهل الزمنية، تبيّن له أنّ تنفيذ هذا القرار غير ممكن في الوقت الراهن، ما أدى إلى تأجيل تطبيقه إلى الانتخابات البلدية المقبلة.
المشكلة الأكبر، بحسب نخّول، ليست “قانونية بل عرفية، وتتمثّل في غياب التمثيل المتوازن بين مكوّنات البلدة. ففي ظل غياب مرشحين مسيحيين في بلدة الناعمة، من المرجح أن تُجرى الانتخابات بمرشحين جميعهم من الطائفة المسلمة، ما يطرح علامات استفهام حول التنوّع والعيش المشترك، ويعكس أزمة أعمق تعاني منها البلدات المختلطة في لبنان”.
وليست الناعمة وحدها المتأثرة، بل تتكرّر الإشكالية نفسها في بلدات عديدة مثل مشان في قضاء جبيل، حيث تراجع المسيحيون عن المشاركة بسبب خلافات داخلية حول عدد الأعضاء، مما أدى إلى قرارهم بعدم الترشح. وهو ما يعيد إلى الضوء معضلة التمثيل العادل التي لا تقتصر على بيروت فحسب، بل تنتشر في معظم القرى المختلطة، حيث يغيب التفاهم وتضيع فرص التوازن، في ظل غلبة المنطق العائلي والطائفي.
ويلفت نخّول إلى أنّ “هذه الإشكاليات يجب أن تُقارَب من زاوية علمية، خصوصًا أننا نسير تدريجيًا نحو اللامركزية الإدارية الموسّعة، ما يعني أنّ البلدية ستتحوّل تدريجيًا إلى نوع من الحكومة المصغّرة، تمتلك صلاحيات تنفيذية موسّعة. وبالتالي، فإنّ حسن اختيار الناخبين لمن يُدير هذه البلديات سيكون بالغ الأهمية في المرحلة المقبلة.”
وهنا يُشدد نخّول على أنّ “الناخب يجب أن يفكّر جيدًا قبل التصويت، إذ لم يعد منطق الخدمات أو الولاءات العائلية كافيًا. بل المطلوب اختيار صاحب المشروع الواضح، القادر على تقديم الأفضل لمنطقته، بعيدًا عن الشعبويات والصداقات الشخصية. لأننا ببساطة، مقبلون على مرحلة سيكون فيها القرار البلدي أكثر تأثيرًا من أي وقت مضى.”
نداء إلى الناخب: صوتك فرصة لا تتكرر
مع دخول مرحلة الصمت الانتخابي، آن الأوان أن ينظر كل ناخب إلى صوته كأداة سيادية، لا كهدية مجانية تُمنح لمرشح هنا أو زعيم هناك. صوتك ليس ورقة في صندوق، بل توقيع على مستقبل منطقتك. اختَر من يخدم الناس لا من يخدم مصالحه. استثمر صوتك في من يملك مشروعًا، لا في من يملك مكتب خدمات.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() قبل رحيله.. غوارديولا يتغزل في “الفتى الذهبي” | ![]() تملكه عائلة ملياردير شهير.. فريق جديد يصعد رسميا للدوري الفرنسي | ![]() طقس متقلّب مع أمطار متفرقة ورياح ناشطة |