أشرفية بيروت وأشرفية دمشق

الفصل الراهن من الأحداث في المنطقة عموماً ولبنان وسوريا خصوصاً سينتهي إلى مسار يعزز السلام ولو بدا أنّ الحرب هي التي تتكلم حالياً.. وكما انتصرت أشرفية بيروت على المخطط المشبوه عام 2006 ستنتصر أشرفية دمشق على فتنة بدأت الأوراق تتساقط من حولها
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
أعادت الحوادث الدامية في أشرفية صحنايا في ريف دمشق الجنوبي قبل أيام ، إلى الأذهان حوادث مماثلة وقعت عام 2006 في منطقة الأشرفية ببيروت. وتفترق الحوادث في المنطقتين بحجم الإصابات البشرية. إذ تعدت الخسائر البشرية في الضاحية الدمشقية المئة قتيل. وفي المقابل، لم تسقط في المنطقة البيروتية أية ضحية.
لكن في الموازاة، التقت حوادث في كلا البلدين لجهة السبب المباشر التي أدت إليها ألا وهي ما وصف بالإساءة إلى نبي الإسلام محمد.
وعندما نعود إلى 5 شباط 2006، ففي ذلك العام تحركت جماعات مشاغبة إلى الأشرفية تحت شعار التوجه إلى السفارة الدنماركية وتوجيه رسائل الاستنكار على منشورات دنماركية مسيئة للنبي محمد. وأدى هذا التحرك إلى أعمال تخريب في الممتلكات وترويع الآمنين. لكن السلطات الأمنية تمكنت من تطويق الحوادث التي كما أسلفنا لم تسفر عن خسائر بشرية.
أما في أشرفية صحنايا الدمشقية، والتي شهدت موجة دامية من المواجهات بين جماعات أصولية ومقاتلين دروز فكانت الشرارة تسجيل مسيء للنبي محمد ، كما كانت أسرع من قدرة النظام الجديد على احتوائها بما يحول دون تفاقمها إلا بعدما وقع المحظور.
هذه الحوادث الشهيرة تظهر كأنها تنطلق من المقدسات ظاهراً، ولكنها كما أثبتت الأعوام اللاحقة في لبنان ذرائع لها أهداف أبعد مدى من ظاهرها.
يجب القول إنّ عام 2006 لبنانياً، كان من الأعوام المهمة في التاريخ الحديث لهذا البلد. ويمكن إعطاء أمثلة على أهمية ذلك العام ، إنّ لبنان كان خارجاً لتوه من وصاية النظام الديكتاتوري السوري أيام الرئيس بشار الأسد. فقد أدت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 ، وبعد شهرين تقريباً، إلى خروج جيش الأسد من لبنان بعد 30 عاماً تقريباً من التدخل المباشر في هذا الوطن.
كما يجب القول أنه غداة ما أسمي بغزوة الأشرفية في 5 شباط 2006 سارع في اليوم التالي أي في 6 شباط 2006، زعيم “التيار الوطني الحر ” ميشال عون الى توقيع مذكّرة تفاهم مع الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل على مشارف معقل “الحزب” في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأدّى هذا التفاهم إلى دعم عون لـ”حزب الله” في حرب تموز 2006، وتبنّي “حزب الله” ترشيح عون في الانتخابات الرئاسية 2014–2016.
بعد 16 عاماً، تأتي حوادث صحنايا السورية لتميط اللثام على جانب متشابه مع حوادث أشرفية لبنان. فسوريا اليوم ما زالت تتلمس طريقها السياسي الجديد بعد فرار بشار الأسد من سوريا في كانون الأول العام الماضي. وها هي بعد مرور نحو 5 أشهر تواجه جملة تحديات تكشف عن وجوهها أحياناً وتخفي وجوهها أحياناً كما حصل في صحنايا.
سقط نظام الأسد الذي يمثل تطوراً بارزاً في الشرق الأوسط هذا القرن. وانفتح في الوقت نفسه الصندوق الأسود الذي يمتلئ بالأسرار الذي ما زالت طي الكتمان.
وفي المقابل، ولدت أوضاعاً في لبنان وسوريا معاً هي تمثل نقيضاً للهزيمة الكبرى التي منيت بها القوى التي هيمنت على أقدار البلدين على مدى عقود بدءاً بوصول حافظ الأسد إلى السلطة في سوريا بانقلاب عام 1971 وانتهاءً بوصول الإمام الخميني إلى السلطة في إيران عام 1979 .
النظر الى النصف الملآن من الكأس يتيح تلمس نافذة ضوء في مستقبل لبنان وسوريا. ففي شباط 2006 ، كان قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع خارج السجن الذي قبع فيه 11 عاماً أيام النظام الأمني المشترك اللبناني السوري، وكان جعجع صاحب الدور الأكبر في إخماد فتنة “غزوة الأشرفية” في ذلك العام إدراكاً منه لأبعادها المدمرة.
اما في أيار 2025 فكان زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي السابق المبادر الأول إلى إطفاء الحريق السوري الذي تجري تغذيته بوقود درزية واصولية.
أما في سوريا التي لن تعود إلى أحضان الديكتاتورية مجدداً، تسعى إلى الخلاص من براثن لعبة الأمم التي تعصف بها في أكثر من مكان. وكتب سمير صالحة في موقع تلفزيون سوريا السبت الماضي يقول:” أحلام الراعي تكسر جرة العسل، ونظرات الفتى الحالم تسقط جرة الماء من يد الشابة في الطريق إلى النبع. الراعي فقد ماله الوحيد جرة العسل، وأعين الشاب العاشق كلفت الفتاة جرتها. والنتيجة واحدة: انكسار لا يداويه ندم.الرد المناسب قادم حتمًا وبمن حضر أمام الطاولة التي يجري الإعداد لها وسيعلن عنها ويتم توجيه الدعوات على أساسها قريبًا.”
تبدو العبارات التي وردت في المقال مبهمة لكنها تشير في مكان ما إلى أنّ الفصل الراهن من الأحداث في المنطقة عموماً ولبنان وسوريا خصوصاً، سينتهي إلى مسار يعزز السلام ولو بدا أنّ الحرب هي التي تتكلم حالياً. وكما انتصرت أشرفية بيروت على المخطط المشبوه عام 2006، ستنتصر أشرفية دمشق على فتنة بدأت الأوراق تتساقط من حولها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() هل ستستعين إيران بالقاضي البيطار؟! | ![]() عون داهم شخصياً مخزن نصرالله | ![]() لوحة عملاقة في الضاحية: خامنئي وترامب يتعانقان |