“الرصاص الطائش”… عادات موروثة تتحدّى هيبة الدولة!


خاص 13 أيار, 2025

يجب أن توضع ضوابط لحيازة السلاح، فمسألة حيازة السلاح في المنزل موجودة ليس فقط في لبنان بل في أرقى الدول، ولا تؤدّي بالضرورة الى استعماله بطريقة متفلّتة إنما يجب تنظيم هذا الأمر بموجب مستنداتٍ ورخصٍ وفي الحالات الموجبة، فعلى كل بيت التصريح عن حيازته للسّلاح ومعرفة نوعيته ليُصار الى ترخيصه كحيازةٍ من دون أن يتم نقله أو حمله، مع التشدّد في إعطاء تراخيص السلاح وتحديد معايير معيّنة عن أحقّية من يمكنه حمل سلاح.

كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:

يُخلّف “الرصاص الطائش” في كلّ مناسبةٍ سعيدةٍ أو حزينةٍ في عددٍ من المناطق اللبنانية، عددًا من الضحايا بين قتيلٍ وجريحٍ، وما حصل في اليوم الانتخابي الشمالي أمس خير دليلٍ على أنّ السلاح المتفلّت والعادات الوراثية القاتلة يجب أن يوضع حدّ لها وأن تُشدّد العقوبات على مُطلقي النار الذين يتسبّبون بمقتل أبرياء أو إصابتهم بعاهات جسدية دائمة.

دائمًا ما تعلو التحذيرات من خطورة ظاهرة إطلاق الرّصاص العشوائي، وعلى الرَّغم من ذلك لا يزال إطلاق النار في المناسبات من العادات المنتشرة حتى ولو تسبّبت بكارثةٍ بفعل “رصاصةٍ طائشةٍ” أطلقها أشخاصٌ طائشين. لقد حصد اليوم الانتخابي أول من أمس أكثر من قتيل (بينهم الفتى محمد جهاد خالد من منطقة عين الدهب) وجريح، كما نجَت الإعلامية ندى اندراوس بأعجوبة بعد إصابتها بـقدمها بـ”رصاصة طائشة” أطلقها مناصرو أحد المرشّحين، فيما علت أصوات الأهالي المذعورين مُطالبين بوضع حدٍّ لتلك الظاهرة التي تتكرّر باستمرار وتهدّد سلامتهم.

تعقّب الفاعلين وبسط سيادة الدولة

وعلى وقع إطلاق الرصاص الطائش، سارعت القوى الأمنية إلى تعقّب مطلقي النار، فيما دخل الجيش اللبناني إلى أحياء عدّة وانتشر فيها لضبط الوضع. وفي هذا الإطار، كشف مصدر أمني لـ “هنا لبنان” أنّ “الجيش والقوى الأمنية يسرّعان تحرياتهما لملاحقة كلّ من أطلق النار وتسبّب بسقوط ضحايا أبرياء من المدنيين وهما أوقفا فعلًا عددًا منهم”. وأضاف: “معلوم أنّ إطلاق النار يحصل في لبنان في مناسبات معيّنة إلّا أنّ ما حصل أول من أمس تمّ بطريقة عشوائية غير مقبولة لن يتمّ التهاون في قمعها وسيكون هناك إجراءات مشددة لضبطها، وعلى القضاء تشديد أحكامه على مُطلقي النار والتسبّب بإصابة أبرياء”. وقال المصدر: “الأجهزة الأمنية تقوم بدورها، لكن هذا الأمر يجب أن يأخذ حيّزًا أكبر من الاهتمام لضبط السلاح المتفلّت خاصةً مع استعادة الدولة لعافيتها، وعند استكمال كلّ التعيينات الأمنية والقضائية والانتهاء من معالجة مسألة السلاح غير الشرعي ستبدأ معالجة “كلّ السلاح الفردي” المتفلّت والمنتشر بين العائلات بحيث سيصنّف كلّ من يحمل سلاحًا غير مرخّصٍ مخالفًا للقانون ومرتكبًا لجرم، ولن تُمنح رخص حمل السلاح إلّا بشروط معيّنة مشددة، لأنّ المرحلة المقبلة هي مرحلة بسط سيادة الدولة على أراضيها ولن يُسمح بتفلّت السلاح بالطريقة التي نشهدها اليوم”.

استياءٌ من عادات موروثة

لا تخفي “أم علي” السيدة العكارية استياءها ممّا حصل، لكنّها في الوقت نفسه تخشى من مواجهة ذكور العائلة ومنعهم من “إطلاق الرصاص”، جلّ ما فعلته أنّها أدخلت صغارها المنزل وأبعدتهم عن الشرفات كي لا يصابوا بأذى. توافق “أم حسين” جارتها الرّأي مُعربةً عن حزنها لمقتل فتى في ربيع العمر، “لقد أمطروا المنطقة بالرصاص ابتهاجًا بالفوز بمقعد مختار أو عضو بلدية وتسبّبوا بكارثةٍ أصابت عائلات لا ذنب لها إلا أنّها تسكن في منطقةٍ يتوارث أهلها عادات خاطئة يجب التخلّص منها اليوم قبل الغد”.

ضبط السلاح المتفلّت

لقد نصّ الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والذي شارك لبنان في صياغته والتزم بتطبيقه “على حقّ الانسان بالأمان”، وتعتبر ظاهرة إطلاق النار في الهواء انتهاكًا لحق الفرد في العيش آمنًا كونها تُهدّد حياته. هنا يشير العميد الركن الدكتور حسن جوني في حديثٍ لـ”هنا لبنان” إلى أنّ “معالجة السلاح المتفلّت في لبنان ممكنة من خلال ثلاثة مسارات: أمنية وقانونية وتوعويّة. في الشق الأمني، يجب أن توضع ضوابط لحيازة السلاح، فمسألة حيازة السلاح في المنزل موجودة ليس فقط في لبنان بل في أرقى الدول، ولا تؤدّي بالضرورة الى استعماله بطريقة متفلّتة إنما يجب تنظيم هذا الأمر بموجب مستنداتٍ ورخصٍ وفي الحالات الموجبة، فعلى كل بيت التصريح عن حيازته للسّلاح ومعرفة نوعيته ليُصار الى ترخيصه كحيازةٍ من دون أن يتم نقله أو حمله، مع التشدّد في إعطاء تراخيص السلاح وتحديد معايير معيّنة عن أحقّية من يمكنه حمل سلاح (صرّاف، صاحب محل مجوهرات…) لا أن يكون الأمر بالواسطة لكون طالب السلاح على معرفة بالوزير أو بضابط في الوزارة”.

أما من الناحية القانونية “فيجب اتباع تشريعات وقوانين قاسية وصارمة تتعلّق بحيازة أو استعمال السلاح من دون ترخيص ورفع العقوبات عند إطلاق النّار في المناسبات سواء أكانت سجن أو غرامة ماليّة والإسراع في المحاكمات وإصدار الأحكام”.

تبقى الناحية التوعوية، برأي جوني، “وهي مهمّة للغاية إذْ يجب أن تبدأ التوعية من البيت مرورًا بالمدرسة وعلى المستوى الوطني والهيئات المدنيّة والبلديات ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، كلّ تلك الأمور عوامل مساعدة قد لا تؤدّي الى نتائج فورية إنّما هذا مسار قد يحقق نتائجه حتمًا”.

وتُشير آخر الاحصاءات الى أنّ هناك أكثر من مليون قطعة سلاح متوفّرة بين أيدي الناس (بينها 600 ألف سلاح غير مرخّص، فيما البعض يمتلك أسلحةً متوسطةً أو ثقيلةً أيضًا). وخلال السنوات العشر التي سبقت العام 2023، سقط أكثر من 81 قتيلًا و169 جريحًا أي بمعدّل سبعة قتلى في العام الواحد.

تحدي هيبة الدولة

ويصف الأستاذ الجامعي في العلوم السياسية الدكتور جوني، ما حصل أول من أمس بأنه “تحدٍ لهيبة الدولة التي تحاول أن تعلن عن نفسها بالعهد الجديد رافعةً شعاراتٍ سياديةً على المستوى الأمني والسياسي وغيرهما، ما يُحتّم التعامل معه بشدّة لأنه وفي حال حصول تهاون سيكون مدخلًا للتهاون أيضًا في مناطق أخرى لا سيما في انتخابات البقاع المزمع إجراؤها الأحد المقبل ونحن نعرف الطبيعة العشائرية في تلك المحافظة”.

وختم: “ليس مقبولًا أن نسمع ونرى وابلًا من الرصاص ابتهاجًا بفوز أحدهم بمقعدٍ ما، وأن يتسبّب في المقابل بقتل أناس أبرياء، إنّه اختبار لمدى جدّية الدولة وعليها أن تنجح فيه”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us