زيارة ترامب إلى السعودية: لحظة تاريخية وإعادة تشكيل للمُعادلات الإقليمية

عرب وعالم 13 أيار, 2025

وصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية، اليوم الثلاثاء 13 أيار 2025، في بداية جولته الخارجية الأولى. هذه الزيارة، التي وصفها ترامب بـ “التاريخية”، تحمل في طيّاتها العديد من الدلالات السياسية والاقتصادية التي قد تؤثر بشكل كبير في مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وخاصة المملكة.

السعودية: قلب الاستراتيجية الأميركية في المنطقة

منذ البداية، جاءت زيارة ترامب إلى الرياض بمثابة إعلان واضح عن الأهمية الجيوسياسية المُتزايدة للسعودية في سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط. المملكة استضافت ترامب في بداية ولايته الأولى عام 2017، لكن هذه المرة تختلف كثيرًا عن سابقتها. لا تكمُن التغييرات فقط في الوضع الإقليمي المتأزّم، بل في تحول الأجندة السياسية والاقتصادية التي قد تضع المملكة في مركزها.

الزيارة، التي تستمرّ حتى 16 أيار 2025، تحمل أجندةً مزدحمةً بالاتفاقات التي يغلب عليها الطابع الاقتصادي. ويركّز المحلّلون على الملفات التي ستتم مناقشتها، مثل الطاقة النووية السلمية، الدفاع، والتكنولوجيا، حيث من المتوقّع أن يتم التوقيع على عدّة مذكرات تفاهم، خاصةً في مجالات الطاقة والذّكاء الاصطناعي، إضافة إلى تعزيز التعاون العسكري بين البلدين.

الاقتصاد أولًا: من النفط إلى التريليونات

بدأت زيارة ترامب من العاصمة السعودية الرياض، حيث انطلقت فعاليات “منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي”، بحضور نخبة من كبار رجال الأعمال الأميركيين والعرب، بينهم الرئيس التنفيذي لشركة تسلا ومستشار ترامب إيلون ماسك، إلى جانب لاري فينك (رئيس بلاك روك)، وستيفن شوارتزمان (رئيس بلاكستون)، ووزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، ووزير المالية السعودي محمد الجدعان.

وفي افتتاح المنتدى، أكد وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح أنّ “الطاقة لا تزال حجر الزاوية في العلاقات الثنائية، لكنّ آفاق الاستثمار توسّعت بشكل غير مسبوق”. وأضاف: “عندما يتّحد السعوديون والأميركيون، تحدث أمور عظيمة جدًا… وما نراه اليوم مثال حي على ذلك”.

وقد تخلل المنتدى عرض فيديو رمزي لنسور وصقور تحلّق في السماء، في إشارة إلى التاريخ الممتدّ من التحالف بين المملكة والولايات المتحدة، القائم منذ عقود على معادلة “النفط مقابل الأمن”.

وفي كلمةٍ له، قال لاري فينك إنّه زار السعودية أكثر من 65 مرة خلال 20 عامًا، مُشيدًا بمساعي المملكة لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، في إطار “رؤية 2030”.

صفقات بمليارات وتريليونات

من المتوقّع أن تسفر الجولة عن الإعلان عن مشاريع واستثمارات بمبالغ ضخمة. وكانت السعودية قد تعهدت مطلع هذا العام باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع المقبلة، لكنّ ترامب صرّح بأنه يسعى للوصول إلى تريليون دولار من الاستثمارات الخليجية.

كما أشارت مصادر مطّلعة إلى أنّ ترامب سيعرض خلال زيارته صفقة تسليح كبرى على السعودية تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار، وتشمل طائرات نقل عسكرية متطورة من طراز “C-130” وأسلحة دقيقة وتقنيات دفاعية متقدمة.

ويرافق ترامب في جولته كلّ من وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، ومستشار الأمن القومي، ما يعكس الطابع السياسي العميق للزيارة على الرَّغم من تركيزها العلني على الاقتصاد.

غزّة وإيران: الملفات المؤجلة موقتًا

وعلى الرَّغم من أن الزيارة تتزامن مع تطوّراتٍ متسارعةٍ في الحرب بقطاع غزّة، ومع استمرار التوتّر حول الملف النووي الإيراني، فإنّ هذه القضايا لم تكن في مقدمة أولويات ترامب خلال جولته، وفق أجندة زيارته الرسمية.

غيْر أن ترامب لوّح بإمكانية التصعيد في حال فشلت المساعي الدبلوماسية مع إيران، مؤكّدًا أنّ العمل العسكري “يبقى خيارًا مطروحًا”. وكان مفاوضون أميركيون وإيرانيون قد التقوا مطلع الأسبوع الجاري في العاصمة العُمانية مسقط لبحث اتفاقٍ محتملٍ يحدّ من البرنامج النووي الإيراني.

أمًا في غزة، فتسعى إدارة ترامب للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، لكنّه حتى الآن يرفض القبول باتفاقٍ دائمٍ، كما يعارض إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ، وهو ما يعرقل أي تقدم في ملف التطبيع.

ملف التطبيع… غائب رغم مركزية ترامب فيه

خلافًا لما قد يُتوقع من مهندس “اتفاقيات إبراهيم”، فإنّ ترامب يتجنّب خلال جولته الخليجية الخوض في ملف تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. وأكّدت مصادر مطلعة لوكالة “رويترز” أنّ “مسألة التطبيع لن تُطرح على الطاولة خلال هذه الجولة، على الرَّغم من أن توسيع اتفاقيات إبراهيم كان من أبرز أهداف ترامب في المنطقة خلال ولايته الرئاسية الأولى”.

وكان ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب الخاص إلى الشرق الأوسط، قد صرّح الأسبوع الماضي بأنه “يتوقّع إحراز تقدم قريب في الاتفاقات الإبراهيمية”، لكنه اعترف في المقابل بأن السعودية ليست على وشك الانضمام إليها، في ظلّ تمسكها بالمبادرة العربية التي تربط التطبيع بقيام دولة فلسطينية مستقلة.

زيارة محتملة إلى تركيا… ولقاء بوتين – زيلينسكي؟

وفي تصريحٍ لافتٍ، قال ترامب إنّه “قد يتوجه الخميس إلى تركيا” لحضور محادثات محتملة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ما أثار تكهّنات بإمكانية وساطة أميركية لإعادة إطلاق مسار السلام، على الرغم من عدم تأكيد رسمي من الأطراف المعنية.

وتأتي هذه التطورات في ظلّ زيارة تُعد الثانية لترامب إلى الخارج منذ مغادرته البيت الأبيض، بعد حضوره جنازة البابا فرنسيس في روما.

هدية قطرية مثيرة للجدل

وفيما يُتوقع أن يصل ترامب الأربعاء إلى الدوحة، كشفت مصادر مطلعة أن الأسرة الحاكمة القطرية تعتزم إهداءه طائرة بوينغ 747-8 فاخرة لاستخدامها كرئيس مستقبلي في حال عاد إلى المنصب.

وقد أثار هذا الأمر جدلًا واسعًا بين خبراء الأخلاقيات السياسية، إذ اعتبره البعض “هديةً سياسيةً غير معتادةٍ”، على الرغم من أن ترامب قال إنّه سيهدي الطائرة لاحقًا إلى مكتبته الرئاسية المقررة.

خاتمة الجولة: الإمارات مركز الأعمال

من المُنتظر أن يختتم ترامب جولته الخميس في الإمارات العربية المتحدة، حيث سيجتمع مع مسؤولين حكوميين واقتصاديين، وسط توقعات بالإعلان عن مشاريع استثمارية مشتركة جديدة.

وتعكس هذه الجولة طموح ترامب في ترسيخ دوره كزعيم اقتصادي عالمي، قادر على جذب الاستثمارات وتحريك التحالفات الإقليمية، وربما استعادة النفوذ الأميركي في المنطقة من بوابة الاقتصاد، بعيدًا – موقتًا – عن ملفات النار في غزّة وطهران.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us