مخاوف من السحايا في المدارس… وأطباء يدعون للتلقيح

بالنسبة لأعراض النيسيرية السحائية، بعضها قد يتشابه في بدايته مع نزلات البرد (حرارة، صداع، تعب)، لكنّها تتطوّر سريعًا في حالاتٍ لتشمل: حمّى شديدة مفاجئة، صداع حادّ، تصلّب في الرّقبة، تحسّس من الضوء، تشوّش ذهني، تشنّجات أو فقدان وعي، بقع بنفسجية أو زرقاء على الجلد ما يشير إلى مرحلةٍ متقدمةٍ من العدوى تتطلّب تدخلًا طبيًا عاجلًا.
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
يشهد لبنان منذ أسابيع حالةً من القلق المتزايد في صفوف المواطنين، بعد تسجيل عددٍ من حالات الاشتباه بالإصابة بالتهاب السحايا، لا سيما بين الأطفال وفي المدارس. وقد أعلنت مستشفيات خاصة عن استقبالها لحالاتٍ يُشتبه بإصابتها بالسحايا، فيما أشارت تقارير إلى إصاباتٍ مؤكّدةٍ في عددٍ من المؤسّسات التعليمية بمناطق مختلفة، ما أثار موجةً من الهلع في صفوف الأهالي، خصوصًا بعد وفاة طفل جرّاء إصابته بالتهاب السحايا الجرثومي النّاتج عن بكتيريا النيسيرية السحائية.
ومع تصاعد الحديث عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي عن “انتشارٍ محتملٍ”، تعالت الدعوات لاتخاذ تدابير وقائيةٍ صارمةٍ، في حين حذّر الأطباء من التهويل والتسرّع في إطلاق الأحكام، داعين إلى “الوعي لا الهلع”، بينما سعت وزارة الصحة إلى تبديد الشائعات عبر إصدار بيانٍ توضيحي.
وزارة الصحّة: لا حاجة للإقفال… واللّقاح هو الحل
في بيان توضيحي، أكدت وزارة الصحة العامة أنّ “ما يتم تداوله حول التهاب السحايا، وبخاصةٍ الأنواع الناتجة عن جرثومة النيسيرية السحائية (Neisseria meningitidis)، يتضمّن الكثير من المُغالطات والمعلومات غير الدقيقة التي تسهم في نشر القلق غير المبرّر بين الأهالي”.
وأوضحت الوزارة أنّ “الإجراءات الوقائية تشمل فقط المُخالطين المباشرين للحالة المُصابة، وهم أفراد العائلة الذين يبيتون تحت السقف نفسِه، والتلاميذ أو الأساتذة الذين يشاركون المُصاب الصفّ الدراسي أو الباص المدرسي”.
وشدّدت على أنّ هذه “الإجراءات لا تشمل إقفال الصفوف أو المدارس، ولا توزيع المضادّات الحيوية بشكلٍ عشوائيّ، محذّرةً من أنّ ذلك قد يؤدي إلى مقاومة جرثومية تقلّص من فعالية الأدوية في المستقبل”.
وأشارت الوزارة إلى أنّه “يتم تسجيل ما يقارب 300 حالة سنويًا من التهاب السحايا في لبنان، منها فقط نحو عشر حالاتٍ ناتجةٍ عن النيسيرية السحائية، وهي النّوع الذي يتطلّب إجراءات محددة وفقًا للمعايير الطبية العالمية”.
“وعي مجتمعي لا فوضى”
في هذا السّياق، يؤكد الدكتور برنارد جرباقة، طبيب أطفال واختصاصي في طب الطوارئ والعناية الفائقة ورئيس اللجنة الوطنية التقنية للتحصين، في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّ “ما نشهده لا يُعتبر وباءً، لكن هناك ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الحالات المشتبه بها”.
ويضيف: “تزداد مخاطر انتقال العدوى في الأماكن المكتظّة مثل المدارس، الحضانات، الثكنات، السجون، والمخيمات، خاصةً تلك التي تفتقر إلى التهوية الجيّدة”.
ويشدد جرباقة على “أهمّية التعاطي مع الواقع الصحي بجديةٍ لا بهلعٍ، مؤكدًا أنّ هذه الحالات تظهر بشكلٍ موسمي، والمطلوب هو العودة إلى أساسيّات الوقاية والحماية، مشيرًا إلى أنّ البيئة المدرسية تُمثل بؤرةً حساسةً للعدوى في مثل هذه الظروف”.
ولدى سؤاله عن الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالتهاب السحايا، الأعراض، ومتى ينبغي القلق فعليًا، يوضح جرباقة: “أنّ الأطفال دون سن الخامسة، المراهقين، كبار السن، المرضى الذين يعانون من نقصٍ في المناعة هم الأكثر عرضة للإصابة”.
أمّا بالنسبة للأعراض، فيلفت إلى أنّ “بعضها قد يتشابه في بدايته مع نزلات البرد (حرارة، صداع، تعب)، لكنّها تتطوّر سريعًا في حالات السحايا البكتيرية لتشمل: حمّى شديدة مفاجئة، صداع حادّ، تصلّب في الرّقبة، تحسّس من الضوء، تشوّش ذهني، تشنّجات أو فقدان وعي، بقع بنفسجية أو زرقاء على الجلد ما يشير إلى مرحلةٍ متقدمةٍ من العدوى تتطلّب تدخلًا طبيًا عاجلًا”.
ويقول جرباقة: “عند ظهور هذه الأعراض، خاصةً لدى الأطفال، يجب التوجه فورًا إلى الطبيب أو قسم الطوارئ من دون انتظار، لأن التأخير في العلاج قد يؤدّي إلى مضاعفات خطيرة مثل فقدان السمع أو تلف الدماغ أو حتّى الوفاة”.
وعن الوقاية، يشدّد جرباقة على أنّ اللقاحات متوفّرة في لبنان ضدّ الأنواع الأكثر شيوعًا من السحايا، وبخاصة النيسيرية السحائية، الهيموفيلوس (Hemophilus)، والرئوية (Pneumococque).
ويُضيف أنّ “بعض العائلات تتأخّر في تلقيح أبنائها إمّا لأسبابٍ ماديةٍ أو نتيجةً لغياب الوعي الصحي، مشدّدًا على أنّ التلقيح ليس خيارًا بل ضرورة. وعلى المدارس والحضانات أن تتعاون مع الأهل لمراقبة صحّة الأطفال والمطالبة بالتطعيم، وتوثيقه في السّجل الصحي الخاص بكل طفل”.
ويختم جرباقة حديثه: “لقّحوا أطفالكم… لا ينفع الندم!”.
على الرَّغم من القلق المشروع لدى الأهالي، إلّا أنّ الوضع الحالي لا يستدعي الهلع. فالتعامل مع الإصابات يتمّ وفقًا للإجراءات العلميّة المعتمدة، ووزارة الصحة تتابع الوضع عن كثب.