ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا بوساطةٍ فرنسيةٍ وتنسيقٍ أميركي ودعمٍ سعودي


خاص 14 أيار, 2025

ملف ترسيم الحدود اللبنانية – السوري أصبح بعهدة لجنةٍ فنيةٍ وتقنيةٍ في الجيش اللبناني والتي تعمل على تطابق الخرائط والتي من ضمنها الحدود بين البلديْن لا سيما موضوع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والتي تعدّ عقبةً كبرى أمام عملية الترسيم نظرًا للتواجد الإسرائيلي لجزءٍ كبيرٍ منها وامتناع سوريا سابقًا عن تقديم أي اعتراف رسمي للأمم المتحدة ولبنان بشأنها.

كتبت شهير إدريس لـ”هنا لبنان”:

انطلقت عجلة ترسيم الحدود البرّية بين لبنان وسوريا في ظلّ توافقٍ أميركي – فرنسي وتعاونٍ ثنائيّ لبناني – سوري في توقيتٍ حساسٍ تُطرح فيه اتفاقات وتقسيمات ومصالح إقليمية كبرى في المنطقة، إلّا أنّ عملية الترسيم هذه وضبط الحدود من الناحية الأمنية ومكافحة عمليات تهريب البشر والمواد المخدّرة والأسلحة عبر المعابر غير الشرعية ستؤدّي الى علاقاتٍ ثنائيةٍ ترتكز إلى الاحترام المُتبادل للسيادة والأمن والاستقرار بين البلديْن، إضافةً الى عودة العلاقات التاريخية والمميّزة مع باقي الدول العربية والخليجية.

مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا تعود الى اتفاقية “سايكس – بيكو 1916″ والتي تبلغ مساحتها 375 مترًا وسط تداخلٍ جغرافيّ وديموغرافي معقّد بدأت مناقشتها مجدّدًا خلال الزيارة الأولى لرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي الى دمشق مع بداية العام 2025 ولقائه قائد الإدارة السورية آنذاك والرئيس الحالي أحمد الشّرع. ثم تجدّد الحديث عنها في شهر آذار بعد الاشتباكات المسلّحة في منطقة القصر في البقاع الشمالي بين مجموعاتٍ سوريةٍ و”حزب الله” الذي نفى ضلوعه فيها والتأكيد أنّ العشائر تصدّت للمجموعات ما أدّى الى ردّ الجيش السوري بقصف بعض المناطق اللبنانية واستدعى تدخلًا للجيش اللبناني لضبط الحدود وتوسيع انتشاره. هذه الحادثة أدّت الى اتصالاتٍ مكثفةٍ بين الجانبيْن اللبناني والسوري للتهدئة ما أدّى إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار وتنسيقٍ بين الأجهزة الأمنية لمنع التصعيد وتجدّد التوتّر بين البلدين.

عقب هذه الأحداث جاء المسعى السعودي في جدّة الذي كانت له أبعاد سياسية وأمنية لتعزيز العلاقات مجدّدًا بين الجانبين، حيث وقّع وزيرا الدفاع اللبناني ميشال منسى والسوري مرهف أبو قصرة اتفاقًا بشأن ترسيم الحدود وتعزيز التنسيق الأمني بين البلديْن، وهذا الاتفاق شكّل الخطوة الأولى في مسار الترسيم وتشكيل لجانٍ قانونيةٍ وفنيةٍ سوريةٍ ولبنانيةٍ لدراسة هذا الأمر.

هذا الاتفاق مهّد كذلك لمساعٍ دبلوماسية جديدة في مسألة ترسيم الحدود بعد تجاهل نظام الأسد لها لعقود لا سيما بعد إعادة فتح هذا الملف من قبل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في زيارته الشهيرة الى سوريا وضرورة تشكيل لجان مشتركة، إذْ تعود المسألة الى العام 1950 حين شكّل البلَدان لجنةً مشتركةً لترسيم الحدود، لكنّها توقفت عن العمل بعد فترة قصيرة. وهكذا حصل في العام 2008 بعد زيارة الرئيس ميشال سليمان إلى دمشق، إذْ تمّ الاتفاق على تشكيل لجنةٍ مشتركةٍ لترسيم الحدود وهذه اللجنة حدّدت نحو 70 بالمئة من الحدود، لكنّ العمل توقّف بسبب اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، وفي عام 2023 أُثيرت القضية مجدّدًا خلال زيارة وفد لبناني إلى دمشق لبحث ملف اللاجئين السوريين حيث اقترح استئناف عمل اللجنة المشتركة لكن ذلك لم يحصل.

عاد موضوع الحدود اللبنانية – السورية الى الواجهة بعد زيارة رئيس الحكومة نوّاف سلام الى سوريا وخلال زيارته الى الحدود الشمالية حيث اطّلع على الجهود التي يبذلها الجيش لمتابعة أوضاع الحدود الشرقية، والتنسيق مع الجانب السوري في ما يتصل بضبط المعابر ومكافحة التهريب، وصولًا إلى ترسيم الحدود. وأكّد سلام الوقوف إلى جانب الجيش في مهمته النّبيلة لحماية الحدود، لأنه الضّامن لوحدة السيادة الوطنية، مجدّدًا الالتزام بالعمل المؤسّساتي المبني على التنسيق القانوني والشفّاف مع الأطراف الخارجية، بما يصب في مصلحة لبنان ويحصّن أمنه وحدوده. فيما أكّد وزير الدفاع ميشال منسى أنّ العمل مستمر في اللجنة المشتركة لمعالجة أوضاع الحدود مع سوريا.

ووفق مصادر حكومية لموقع “هنا لبنان” فإنّ تفعيل عمل اللجان التي تشكلت في لقاء جدّة واجتماعاتها سيبدأ قريبًا جدًا وسيتمّ البحث في ترسيم الحدود من أقصى الجنوب وما يرتبط بمزارع شبعا وصولًا الى أقصى الحدود في الشمال.

وفي جديد المساعي الدولية لا سيما الفرنسية منها، سلم السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي نسخةً من وثائق وخرائط الأرشيف الفرنسي الخاص بالحدود اللبنانية – السورية، وذلك بناءً لطلب لبنان وللوعد الذي قطعه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لرئيس الجمهورية جوزاف عون خلال زيارته الى باريس، بتزويد لبنان بهذه الوثائق والخرائط التي ستساعده على عملية الترسيم.

وبحسب مصادر مطّلعة لموقع “هنا لبنان”، جرى هذا التسليم في التوقيت نفسِه الذي سلّم فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خرائط الحدود بين لبنان وسوريا الى الرئيس السوري أحمد الشّرع خلال زيارته الى فرنسا، وأكّد ماكرون على وجوب تأمين الحدود اللبنانية – السورية وتعزيز التعاون بين البلديْن واستمرار التصدّي لحزب الله في لبنان.

بدورِها، أكدت مصادر دبلوماسية فرنسية مطّلعة على ملف الترسيم لموقع “هنا لبنان” أنّ فرنسا أخذت على عاتقها مُتابعة ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا والتفاوض بشأنه مع الدولة السورية بالتوافق مع الولايات المتحدة الاميركية التي تعمل على التفاوض مع إسرائيل بخصوص النقاط الخمس التي تتواجد فيها إسرائيل في الجنوب والتي يطالب لبنان بالانسحاب منها فورًا. وأشارت المصادر إلى أن الملف أصبح بعهدة لجنةٍ فنيةٍ وتقنيةٍ في الجيش اللبناني والتي تعمل على تطابق الخرائط والتي من ضمنها الحدود بين البلديْن لا سيما موضوع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والتي تعدّ عقبةً كبرى أمام عملية الترسيم نظرًا للتواجد الإسرائيلي لجزءٍ كبيرٍ منها وامتناع سوريا سابقًا عن تقديم أي اعتراف رسمي للأمم المتحدة ولبنان بشأنها خصوصًا أن حزب الله يعتبرها منطقة المقاومة الأولى.

وأبْدت فرنسا استعدادها لتقديم العون بشأن أي خرائط اضافية من أرشيف الخرائط الفرنسية القديمة يطلبها لبنان والجيش لتسهيل مهمته. كما كشفت المصادر الفرنسية أنّ الرئيس السوري أحمد الشّرع وعد بالإجابة على مسألة تطابق الخرائط السورية مع الخرائط الفرنسية بأسرع وقت ممكن.

ووِفق هذه المعلومات فقد دخل الفرنسيون مجدّدًا على خط الوساطة بالتنسيق مع الأميركيين كما فعلوا إبّان انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة والعمل على اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل.

التحدّيات الراهنة في قضية الترسيم بين سوريا ولبنان كبيرة ومتشعّبة والضغوط الدولية متزايدة على لبنان لضبط حدوده، فهل ستنجح وساطة فرنسا في انتزاع اعتراف سوري بأنّ مزارع شبعا هي أراضٍ لبنانية وليست سوريةً وتعمل على إرساء اتفاقٍ حول الترسيم على طول الحدود اللبنانية – السورية وكذلك حول ملف النزوح؟.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us