رفع العقوبات عن سوريا: فرصة جديدة يجب الاستفادة منها

عرب وعالم 14 أيار, 2025

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس من العاصمة السعودية الرياض، رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، وذلك بعد مشاورات مباشرة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وقال ترامب خلال مؤتمر مشترك: “قررت رفع العقوبات عن سوريا لمنح شعبها فرصة جديدة للنهوض”، مؤكدًا أن المملكة لعبت دورًا مركزيًا في هذا القرار.

هذا الإعلان جاء ضمن زيارة رسمية وصفها ترامب بـ”التاريخية”، تخللها توقيع شراكة استراتيجية مع السعودية ووعود بمساعدة لبنان اقتصاديًا.

أبعاد القرار: السعودية صانعة تحولات إقليمية

لم يكن إعلان ترامب من الرياض مجرّد صدفة. بل جاء ليكرّس دور السعودية كوسيط إقليمي مؤثر، قادر على صياغة تحالفات وإنهاء عزلات. فرفع العقوبات عن سوريا لم يكن ليتم من دون ضوء أخضر إقليمي، وبالتحديد سعودي، في إطار ما يمكن تسميته بمقاربة “صفر مشاكل” التي تنتهجها المملكة حديثًا، سواء مع إيران أو في ملفات معقّدة كاليمن وسوريا.

ووفق مصادر دبلوماسية تحدثت لـ”الأنباء”، فإنّ الرياض “أصبحت الشريك الإقليمي الأكثر تأثيرًا في القرارات الدولية المرتبطة بالمنطقة، وأنه لم يعد بالإمكان تجاوزها في أي تسوية أو مبادرة”، مشيرةً إلى أن قرار ترامب يندرج في هذا السياق.

ماذا يعني رفع العقوبات اقتصاديًا؟

من الناحية الاقتصادية، تتعدد تأثيرات القرار وتتشابك:

1 – فتح الأسواق وتدفق السلع:

توقعت المحللة الاقتصادية لانا بادفان أن يؤدّي رفع العقوبات إلى “تحول جذري” في الاقتصاد السوري. وقالت لـ”العربية.نت”:

“سيفتح القرار الأسواق أمام السلع والبضائع الأساسية، ما سيؤمّن حاجات السكان من المواد الغذائية والدوائية التي كان من الصعب تأمينها في ظل القيود الدولية”.

كما اعتبرت أن رفع العقوبات “يمهّد الطريق لإطلاق مشاريع إعادة الإعمار في البنية التحتية، كالمستشفيات والمدارس والطرق”.

2 – مناخ استثماري مشجّع:

المحلل الاقتصادي عابد فضيلة رأى أن القرار “لن يؤدي إلى ازدهار فوري”، لكنه يُعدّ نقطة انطلاق لمناخ استثماري إيجابي. وقال: “عادة ما تتبع الولايات المتحدة قراراتها بخطوات مشابهة من الاتحاد الأوروبي وجهات دولية أخرى، ما يفتح المجال لمستثمرين دوليين لدخول السوق السورية”.

3 – عودة المستثمرين إلى “أرض الفرص”:

الخبير الاقتصادي عمار يوسف أشار إلى أن إلغاء العقوبات سيشجع عودة رؤوس الأموال، لأن “البلاد، على الرغم من دمارها، باتت أرضًا خصبةً للاستثمار، خصوصًا في قطاعات النفط والطاقة والسياحة والزراعة”. وأضاف: “صحيح أن التحديات لا تزال قائمةً، لكن رفع العقوبات يشكّل مدخلًا ضروريًا لإنعاش القطاعات الإنتاجية واستعادة الوظائف والنمو”.

قفزة في الليرة السورية: مؤشر أولي

لم يمضِ سوى دقائق على إعلان ترامب، حتى سجلت الليرة السورية ارتفاعًا لافتًا أمام الدولار الأميركي في السوق الموازية بنسبة وصلت إلى 10%. وبلغ سعر صرف الليرة مقابل الدولار نحو 8700 ليرة للبيع و8300 للشراء، بحسب منصات تداول محلية.

ويُعدّ هذا الارتفاع أول مؤشر فعلي على أثر القرار، ويعكس حجم التفاعل الإيجابي للأسواق مع احتمال عودة الاقتصاد السوري إلى الدورة المالية العالمية.

فرص جديدة… ومخاطر قائمة

على الرغم من الأمل الذي أثارته هذه الخطوة، يحذر خبراء من الإفراط في التفاؤل. فرفع العقوبات لا يعني تلقائيًا نهاية العزلة ولا يُزيل العقبات الداخلية المعقدة. كما أن فاعلية القرار تتوقف على مدى تجاوب الأطراف الدولية الأخرى، وتقدّم الإصلاحات الداخلية في دمشق.

ويرى الاقتصاديون أن أي تحسن اقتصادي سيكون تدريجيًا ويتطلب توفير بيئة قانونية آمنة، إصلاح النظام الضريبي، وتسهيل دخول الاستثمارات الأجنبية. كما أن العودة إلى الإنتاج الكامل في قطاعات رئيسية كالصناعة والزراعة تتطلب سنوات من العمل والاستقرار.

سوريا بعد الحرب: نحو اقتصاد إعادة الإعمار؟

منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد وتشكيل حكومة انتقالية، ظلت السلطات الجديدة في دمشق تطالب المجتمع الدولي برفع العقوبات كشرط مسبق للبدء في إعادة الإعمار.

قرار ترامب، بدعم سعودي، يُعد أول استجابة فعلية لهذه المطالب، ويعيد طرح السؤال: هل تتحول سوريا إلى ورشة إعادة بناء بمليارات الدولارات؟

وزير الاقتصاد السوري نضال الشعار أعرب عن تقدير بلاده الكبير للدور السعودي، وقال: “هذه الخطوة تمثّل انطلاقةً جديدةً للاقتصاد السوري، وعبارات الشكر لا تفي المملكة حقها”.

هل تتكرر الخطوة أوروبيًا؟

الأوساط الدبلوماسية في بروكسل بدأت فعلًا مناقشة تأثير الخطوة الأميركية، وهناك مؤشرات إلى وجود انقسام في الموقف الأوروبي. ففي حين تدعو بعض الدول إلى “اغتنام الفرصة” وتشجيع مسار التعافي السوري، تصر أخرى على “ربط أي خطوة بتقدم سياسي حقيقي وضمانات حقوقية”.

لكن حتى لو تأخر القرار الأوروبي، فإن مجرد وجود إرادة سياسية جديدة في واشنطن والرياض قد يحرّك الجمود الدولي حول الملف السوري.

بين التفاؤل والتحفّظ

رفع العقوبات عن سوريا هو لحظة مفصلية تحمل في طيّاتها وعودًا كبيرةً، لكنها أيضًا اختبار صعب لحكومة دمشق الجديدة، وللقدرة السعودية على تثبيت نفوذها كقوة سلام إقليمية.

الطريق لا يزال طويلًا، والانتقال من دولة مدمّرة إلى دولة جاذبة للاستثمار يتطلب أكثر من قرار.

لكن المؤكد أن سوريا دخلت مرحلةً جديدةً، عنوانها: “فرصة ثانية”… وعليها أن تُحسن استخدامها.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us