اليمن بين نيران التصعيد ومساعي التهدئة

أصدر الجيش الإسرائيلي، الأربعاء، تحذيرًا بإخلاء ثلاثة موانئ يمنية هي رأس عيسى والحديدة والصليف، قائلًا إن جماعة أنصار الله (الحوثيين) تستخدمها في أنشطةٍ تهدّد أمن إسرائيل، وذلك بعد إعلان الجماعة اليمنية تنفيذ هجوم صاروخي على مطار بن غوريون قرب تل أبيب.
وقال المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي في منشورٍ على منصة “إكس” (تويتر سابقًا): “نحثّ جميع المتواجدين في هذه الموانئ على ضرورة إخلائها والابتعاد عنها للحفاظ على سلامتكم، وذلك حتى إشعار آخر”.
وجاء هذا التحذير بعد وقتٍ وجيزٍ من إعلان الجيش الإسرائيلي اعتراض صاروخ باليستي أُطلق من اليمن، ممّا تسبّب في إطلاق صافرات الإنذار في مناطق عدّة داخل إسرائيل. وأكد الجيش، في بيان رسمي، أنه “تمّ اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن بعد انطلاق صافرات الإنذار في مناطق عدّة داخل البلاد”.
وفي سياقٍ متصلٍ، نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصادر في هيئة الطيران المدني تعليق حركة إقلاع وهبوط الطائرات في مطار بن غوريون الدولي كإجراءٍ احترازيّ في أعقاب الهجوم الصاروخي.
وكانت جماعة الحوثي قد أعلنت، مساء الثلاثاء، مسؤوليّتها عن تنفيذ عملية عسكرية استهدفت مطار بن غوريون، باستخدام صاروخ باليستي أسرع من الصوت. وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة، يحيى سريع، في بيان رسمي: “نفذنا عملية عسكرية استهدفت مطار بن غوريون في منطقة يافا المحتلة بصاروخ باليستي فرط – صوتي”.
ولم يصدُر أي تعليق فوري من الجانب الإسرائيلي بشأن مدى دقّة ادعاءات الحوثيين حول نوعية الصاروخ المُستخدم، وما إذا كان الهجوم قد ألحق أضرارًا بالمطار.
ويأتي هذا التصعيد في ظلّ توسّع دائرة المواجهات المرتبطة بالحرب الإسرائيلية في غزّة، والتي امتدّت خلال الأشهر الماضية إلى جبهات متعدّدة تشمل لبنان، سوريا، العراق، والبحر الأحمر، حيث صعّد الحوثيون من عملياتهم ضد السفن الإسرائيلية والغربية.
ويرى مراقبون أنّ التحذير الإسرائيلي من استخدام الموانئ اليمنية يفتح الباب أمام تصعيدٍ عسكريّ محتملٍ في البحر الأحمر، خاصةً إذا ما اعتُبر أنّ هذه المواقع تُستخدم لإطلاق صواريخ أو تهديد الملاحة الدولية.
من ناحية أخرى، وبحسب تقرير موسّع لصحيفة “نيويورك تايمز”، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان قد وافق على حملةٍ عسكريةٍ تستهدف الحوثيين، واضعًا أمام مستشاريه هدفًا واضحًا: “تحقيق نتائج ملموسة خلال 30 يومًا”. حملةٌ سُمّيت لاحقًا بـ”عملية الفارس الخشن”، استندت إلى ضرباتٍ جويةٍ مركزةٍ شاركت فيها حاملة الطائرات “هاري إس ترومان”، مدعومةً بأسراب من المقاتلات الحديثة والطائرات المُسيّرة.
غير أن الأيام الأولى كشفت عن تحدّياتٍ ميدانيةٍ كبيرةٍ. فبدلًا من فرض تفوّق جوي حاسم، واجهت القوات الجوية مقاومةً نوعيةً تمثّلت في إسقاط سبع طائرات أميركية مُسيّرة من طراز “MQ-9 Reaper”، كما اقتربت الدفاعات الجوية للحوثيين من إصابة طائرات مقاتلة من طراز “F-16″ و”F-35”. وسقطت طائرتان من طراز “F/A-18” سوبر هورنت في البحر، ما زاد من تعقيدات المشهد وخلّف إصابات بين الطيّارين.
التكلفة والفاعلية: معادلة صعبة
فيما تجاوزت تكلفة الحملة خلال شهرها الأول عتبة المليار دولار، بدأت دوائر القرار في واشنطن طرح تساؤلاتٍ عن الجدوى. فبحسب مسؤولين في البنتاغون، جرى استخدام كمياتٍ كبيرةٍ من الذخائر الذّكية والدقيقة، خصوصًا تلك البعيدة المدى، ممّا دفع بعض المخططين العسكريين إلى التحذير من تأثير ذلك في الجاهزية في ملفات استراتيجية أخرى، أبرزها تايوان.
إضافة إلى ذلك، وعلى الرَّغم من تدمير أكثر من 1000 هدف عسكري شمل منشآت قيادة وتحكّم، ومصانع أسلحة، ومخازن متطوّرة، استمر الحوثيون في إطلاق النار على السفن والطائرات، وباشروا إعادة توزيع أسلحتهم وبناء مخابئ جديدة تحت الأرض.
مسارات مُتشابكة
يظهر من سرد التقرير أنّ الانقسام لم يكن فقط مع الحوثيين، بل داخل أروقة الإدارة نفسها. ففي حين كان الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية، يضغط باتجاه حملة مطوّلة من 8 إلى 10 أشهر، مدعومة بضربات دقيقة واغتيالات تستهدف القادة الميدانيين، كان مستشارو ترامب يبحثون عن مخرج سياسي سريع. وتزامنت هذه النقاشات مع تحركات دبلوماسية غير معلنة في سلطنة عُمان.
ففي الخامس من أيار، تلقّى قادة العمليات العسكرية أمرًا مفاجئًا بوقف الهجمات الجوية. ووفق مسؤولين مُطّلعين، جاء القرار بعد وساطة عُمانية أفضت إلى تفاهم غير رسمي يقضي بتوقّف الاستهداف المباشر للسفن الأميركية مقابل تعليق الضربات الجوية.
وفي خطابٍ لاحقٍ له، بدا الرئيس ترامب وكأنه يثمّن موقف الحوثيين قائلًا: “لقد ضربناهم بقوة، وكان لديهم قدرة كبيرة على تحمّل العقاب. يمكن القول إنّ لديهم شجاعة كبيرة”. وأضاف أن الجماعة وعدت بعدم مهاجمة السفن مجدّدًا، و”نحن نحترم ذلك”، على حد تعبيره.
حسابات إقليمية معقدة
حملة البحر الأحمر لم تكن منعزلةً عن السياق الإقليمي. فقد دعمت السعودية خطة كوريلا المقترحة، وزوّدت واشنطن بلائحة أهداف ضمّت 12 من كبار قادة الجماعة الحوثية. أمّا الإمارات، فقد أبدت تحفظًا، مستندة إلى تجربتها الطويلة مع صمود الجماعة على الرَّغم من سنواتٍ من القصف المكثف.
وفي خلفية هذا المشهد، برز قلق استراتيجي أميركي يتمثل في التحوّل عن أولويات آسيا والمحيط الهادئ، خصوصًا في ظلّ ارتفاع التوترات حول تايوان. وقد عبّر عن ذلك رئيس هيئة الأركان المشتركة الجديد، الجنرال دان كين، الذي اعتبر أن الاستمرار في اليمن قد يستنزف موارد حيويةً تحتاجها الولايات المتحدة في ساحاتٍ أخرى.
مواضيع ذات صلة :
![]() الجيش الإسرائيلي يعترض صاروخًا أُطلق من اليمن | ![]() غارات إسرائيلية تستهدف موانئ في اليمن | ![]() غارات إسرائيلية على الحديدة بعد صاروخ الحوثي في مطار بن غوريون |