صيدا على صفيح انتخابي ساخن: معركة تكسر الاصطفافات وتعيد رسم المشهد البلدي


خاص 23 أيار, 2025

الانتخابات البلدية في صيدا هذا العام تبدو الأكثر إثارة منذ عقود، فقد بلغ عدد المرشحين 96 شخصًا يتنافسون على 21 مقعدًا مقارنة بـ51 مرشحًا فقط في دورة عام 2016. هذا الارتفاع اللافت في عدد المرشحين لا يُقرأ فقط كمؤشر على ازدياد الحماسة، بل يُعدّ دليلاً واضحاً على سقوط منطق التزكية والتفاهمات المغلقة التي حكمت المجالس السابقة ويفتح الباب أمام دينامية ديمقراطية جديدة

كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:

تعيش مدينة صيدا لحظة سياسية حاسمة مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية، التي يُتوقّع أن تعيد تشكيل المشهد المحلي برمّته، وسط مناخ انتخابي غير مسبوق من حيث الحيوية والتنوّع والمشاركة. فعلى بعد ساعات من فتح صناديق الاقتراع، ترتسم ملامح معركة انتخابية محتدمة، تتنافس فيها ستّ لوائح رئيسية وعدد من المستقلين، في مشهد يعكس عمق التحولات الاجتماعية والسياسية التي تمر بها المدينة، ويعبّر عن توقٍ شعبي واسع نحو التغيير وكسر الاصطفافات التقليدية.

الانتخابات البلدية في صيدا هذا العام تبدو الأكثر إثارة منذ عقود، ليس فقط على مستوى التنافس السياسي، بل أيضاً لناحية الأرقام والمؤشرات. فقد بلغ عدد المرشحين 96 شخصًا يتنافسون على 21 مقعدًا، بعد انسحاب 15 مرشحًا من أصل 111 كانوا قد قدموا طلباتهم رسميًا، مقارنة بـ51 مرشحًا فقط في دورة عام 2016. هذا الارتفاع اللافت في عدد المرشحين لا يُقرأ فقط كمؤشر على ازدياد الحماسة، بل يُعدّ دليلاً واضحاً على سقوط منطق التزكية والتفاهمات المغلقة التي حكمت المجالس السابقة، ويفتح الباب أمام دينامية ديمقراطية جديدة، تتقدّم فيها فئات المجتمع كافة، خصوصاً الشباب والنساء، الذين يشكّلون هذا العام نسبة ملحوظة ضمن اللوائح المتنافسة.

ومن حيث المضمون، فإنّ المعركة الانتخابية تجري على أرضية مشهد سياسي متباين إلى حد التناقض، حيث تتوزّع اللوائح الستّ بين تحالفات سياسية ومبادرات مدنية ومستقلين، ما يعكس تنوّع الطروحات واختلاف الرؤى حول مستقبل العمل البلدي في صيدا.

في هذا السياق، تتقدّم لائحة “سوا لصيدا”، التي يرأسها المهندس مصطفى حجازي، وتضمّ عدداً من الأسماء الكفوءة والتي تهدف لإحداث تغيير في المدينة وتحمل اللائحة برنامجاً تنموياً وإنمائياً. وعلى الرغم من عدم مشاركة “تيار المستقبل” رسمياً في العملية الانتخابية، فإنّ شرائح واسعة من جمهوره، إلى جانب عائلة الحريري، تميل إلى تأييد هذه اللائحة.

تليها، لائحة “صيدا بدها ونحن قدها” بقيادة الصيدلي عمر مرجان، وهي مدعومة من النائب الدكتور عبد الرحمن البزري، وتواجه هذه اللائحة تحديات لا سيما من جهة “تيار المستقبل” والذي يملك حضوراً واسعاً في المدينة ويجد في هذه اللائحة محاولة لمصادرة قرار المدينة، لا سيما لجهة دعم البزري لها وفشل التغييريين الأخير.

إلى جانبها، تحظى لائحة “نبض البلد”، برئاسة المهندس محمد دندشلي، بدعم مباشر من النائب أسامة سعد، كما تنضوي تحتها قوى مدنية ومهنية، وتسعى إلى تشكيل نموذج تشاركي بين العمل السياسي والمجتمع المدني، مع التركيز على الشفافية والمحاسبة في العمل البلدي، وهي تلقى قبولاً متزايدًا في الشارع، خصوصًا في أوساط المطالبين بالإصلاح والتغيير.

في المقابل، تتبنّى لائحة “صيدا بتستاهل” خطاباً يقوم على الكفاءة والتخصص، وتضم في صفوفها 16 مرشحاً من المستقلين وأصحاب الاختصاص، وتحظى بدعم الجماعة الإسلامية وبعض العائلات المحافظة. وهي تسعى لتقديم رؤية إصلاحية تبتعد عن الاصطفافات الحادة وتراهن على المهنية والخبرة كأدوات لإدارة المدينة.

ولا تغيب عن المشهد لائحة “صيدا تستحق”، برئاسة المهندس مازن البزري، والتي جاءت كخيار مستقل إثر تعثر تشكيل لائحة جامعة. تضم سبعة مرشحين وتسعى إلى تقديم خطاب توازني يبتعد عن التجاذبات السياسية، مرتكزاً على الكفاءة والمبادرة الفردية.

أما اللائحة السادسة، “رئيس عالي جبينك يا لبنان” برئاسة أحمد جرادي، فتقدّم نفسها كصوت احتجاجي مغاير، من حيث الخطاب والمضمون، وتسعى إلى كسر القوالب التقليدية، رغم أنّ حظوظها لا تبدو كبيرة في المنافسة الحالية.

اللافت في هذه الانتخابات، بحسب مصادر متابعة، هو التراجع الواضح في التدخلات السياسية المباشرة، إذ غابت القوى التقليدية الكبرى، وفي مقدمتها تيار المستقبل، عن دعم أي لائحة بشكل رسمي. ويُفهم من ذلك أنّ المرحلة الراهنة تشهد انتقالًا من الاصطفاف السياسي الحاد إلى التنافس المحلي والعائلي، وهو ما يعكس رغبة في إعادة صياغة المشهد البلدي بطريقة أكثر واقعية ومرونة، استعداداً لما قد يكون مرحلة تمهيدية للاستحقاق النيابي المقبل في أيار 2026.

هذا التحول يواكبه زخم انتخابي على الأرض، إذ تزيّنت شوارع المدينة بصور المرشحين، وأُطلقت حملات دعائية مكثفة على وسائل التواصل وفي اللقاءات المباشرة، حيث سُجّلت زيارات ميدانية لرابطات العائلات والهيئات الأهلية، إلى جانب تنظيم لقاءات انتخابية وندوات حوارية، في مشهد يوحي بأنّ الناخب الصيداوي أصبح أكثر انخراطًا ووعياً بطبيعة الخيارات المطروحة.

وفي قراءة تحليلية للمشهد، يرى المحلل الانتخابي ربيع الهبر أنّ “صيدا تشهد واحدة من أكثر المعارك البلدية تعقيداً، نظراً لتعدد اللوائح وتشابك التحالفات”.

ويشير الهبر إلى أنّ المنافسة الفعلية تتركز بين ثلاث لوائح رئيسية: “صيدا بدها ونحن قدها”، “نبض البلد”، و”سوا لصيدا”، مشيراً إلى أنّ اللائحة الأولى تحظى بتأييد واسع من الشباب والناخبين المتحمّسين للتغيير، بينما تتمتع اللائحتان الثانية والثالثة بدعم سياسي وشعبي راسخ.

ويقدّر الهبر أنّ نسبة المشاركة قد تصل إلى نحو 29,000 ناخب من أصل 67,109 مسجلين، وهي نسبة قد تلعب دوراً حاسماً في تحديد هوية الفائزين.

بهذا المعنى، تدخل صيدا الانتخابات البلدية ليس فقط بوصفها استحقاقاً محلياً إدارياً، بل كمحطة سياسية مفصلية تعكس ملامح تحوّل عميق في الوعي الشعبي والممارسة الديمقراطية، حيث أصبح الناخب هو المحور الأساس في معادلة التغيير، وصار الاقتراع وسيلة لإعادة رسم خريطة النفوذ والتأثير في مدينة لا تزال تحافظ على خصوصيتها السياسية والاجتماعية، وتتمسك رغم كل التحديات، بحقها في تقرير مصيرها البلدي وفق ما تقتضيه إرادة أبنائها.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us