قطار المتغيّرات انطلق… فهل سيلحق لبنان بالرَّكب؟

يبدو أنّ تجربة الشّرع ستتحوّل إلى نموذجٍ يُعمَّم على رؤساء دول أخرى، تبحث عن قشّةٍ تنتشلها من قعر الأزمات. وإذا كان لبنان يبحثُ عن “قشّتِه” الأميركيّة، فنائبة المبعوث الأميركي إلى الشّرق الأوسط مورغان أورتاغوس نصحته بأن يتعلّم درسًا من الشّرع، فهل ستأخذ الدّولة اللّبنانيّة بنصيحتها وتبدأ بالسّير على خطى الشّرع؟ وهل سيتمكّن لبنان من اللّحاق بقطار المتغيّرات الشّرق أوسطيّة؟
كتب إيلي صرّوف لـ”هنا لبنان”:
اعتَمر سيّد البيت الأبيض قبّعة “Make America Great Again” وأَعدّ عدّة الشّروط والقرارات، وانطلق ليقود قطار المتغيّرات في منطقة الشّرق الأوسط، رافعًا -على الأقل ظاهريًّا- شعار “السّلام عبر القوّة”. أولى محطّاته العربيّة كانت في السّعوديّة، حيث وَضع مدماك التّغيير الأوّل، المتمثّل بإعلان وقف العقوبات الأميركيّة المفروضة على سوريا منذ سنة 1979، والّتي بلغت ذروتها في العامَين 2011 و2019.
هذا الإعلان المفاجئ الّذي اعتُبر الهديّة الأثمن للشّعب السّوري بعد تحرُّره من براثن نظام الطّاغية بشار الأسد، استَبق اللّقاء الحدث الّذي جمع الرّئيس الأميركي دونالد ترامب بالرّئيس السّوري الانتقالي أحمد الشّرع في الرّياض. ولا شكّ أنّ الزّعيم السّابق لـ”هيئة تحرير الشّام” كان “تلميذًا مطيعًا” أو أقلّه أبدى تعاونًا في الملفّات الّتي تهمّ الجانب الأميركي، وتحديدًا تلك المتعلّقة بالتّعاون مع إسرائيل، إذ لم يُعارض ما طُرح عليه بالنّسبة للإنضمام إلى مسار اتفاقيّات ابراهام للسّلام الّذي انطلق عام 2020.
يبدو أنّ تجربة الشّرع ستتحوّل إلى نموذجٍ يُعمَّم على رؤساء دول أخرى، تبحث عن قشّةٍ تنتشلها من قعر الأزمات. وإذا كان لبنان يبحثُ عن “قشّتِه” الأميركيّة، فنائبة المبعوث الأميركي إلى الشّرق الأوسط مورغان أورتاغوس نصحته بأن “يتعلّم درسًا من الشّرع وكيف عمل مع السّعوديّة للتّحدّث مع ترامب وفريقنا، حول فوائد رفع العقوبات من أجل السّماح بالاستثمار”. ولم تغفل عن التّأكيد أنّ “الطّريق إلى الأمام بالنّسبة للشّرع والسّلطات الموقّتة في سوريا هو السّلام، وأعتقد أنّه يفهم ذلك”.
وفي السّياق المتعلّق بالسّلام ، أشار ترامب من الرّياض إلى “أنّنا نرى فرصةً جديدةً في لبنان لمستقبلٍ خالٍ من قبضة إرهابيّي “حزب الله”، إذا استطاع رئيسا الجمهوريّة والحكومة الجديدان إعادة بناء دولةٍ لبنانيّةٍ فاعلة. هذه فرصةٌ لا تتكرّر إلّا مرّةً واحدةً في كلّ جيلٍ، لبناء لبنان مزدهر ويعيش في سلامٍ مع جيرانه”. فهل سيتعلّم لبنان “الدّرس” من الشّرع؟ وهل سيسلُك -طوعًا أو مرغمًا- مسار السّلام؟
في هذا الإطار، يوضح الكاتب والمحلّل السّياسي وجدي العريضي، في حديث لـ “هنا لبنان”، أنّ “ما قصدته أورتاغوس في تشبُّه لبنان بالشّرع يحمل أكثر من دلالةٍ وإشارةٍ تصبّ في إطار الضّغط على لبنان كي يلتزم بالقرار الدّولي 1701، لناحية نزع سلاح “حزب الله”، والشّروع في الإصلاحات المطلوبة”، مؤكّدًا أنّ “هناك ضغوطًا أميركيّةً على لبنان بموضوع نزع السّلاح”.
وعلى وَقع الزّيارة المرتقبة لأورتاغوس إلى لبنان في الأيّام القليلة المقبلة، والتكهنات لما ستحمله في جعبتها، لا سيّما بعد الزّيارة التّاريخيّة لترامب إلى الخليج العربي، يلفت العريضي إلى أنّ “لقاء ترامب مع الشّرع في الرّياض برعاية ولي العهد السّعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، كان مناسبةً أعرب خلالها ترامب عن تقديره لدور الشّرع. وبالتّالي أرادت أورتاغوس القول إنّ الشّرع يقوم بدورٍ كبيرٍ في سوريا، لناحية نزع سلاح الميليشيات، تثيبت وحدة سوريا الدّيمقراطيّة، وأن يكون هناك قائدٌ واحدٌ مسيطرٌ على بلده”، مركّزًا على أنّ “الولايات المتّحدة ترى من خلال أورتاغوس وما قالته في الدّوحة مؤخّرًا، أنّ هناك بطئاً في لبنان بموضوع نزع السّلاح. وقبل زيارتها إلى بيروت، أرادت إيصال هذه الرّسائل”.
وعمّا إذا كانت الشّروط أو الضّغوط الأميركيّة تتلخّص بملفَّي إقرار الإصلاحات وحصر السّلاح غير الشّرعي بيد الدّولة اللّبنانيّة، أم تتعدّاها لموضوع السّلام مع الجانب الإسرائيلي، يشدّد على أنّ “موضوع السّلاح هو الأولويّة، وهذا ما يُنقل إلى أكثر من مسؤول لبناني. أيّ مسؤولٍ يلتقي بأيّ سفير دولةٍ غربيّةٍ أو أيّ عائدٍ من الولايات المتّحدة بعد لقاءاته في الكونغرس أو الإدارة الأميركيّة، يؤكّد جدّيّة واشنطن بأنّها لن تقبل بإطالة أمد وجود السّلاح مع حزب الله”.
ويشير العريضي إلى أنّه “بالنّسبة إلى موضوع السّلام، فقد ذكر رئيس الجمهوريّة جوزاف عون في كلمته خلال المؤتمر الصّحافي المشترك مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، “أن لا مصلحة لأيّ لبنانيٍّ، ولا مصلحة لأيّ بلدٍ وشعبٍ في منطقتنا أن يستثنيَ نفسه من مسار سلامٍ شاملٍ عادل”. وما قصده هو أنّ لبنان مع السّلام العادل والشّامل إنّما وفق مبدأ حلّ الدّولتَين، وأنّه على إسرائيل أن تنسحب من النّقاط الخمس الّتي تتواجد فيها جنوب لبنان، وتوقف أعمالها العسكرية”.
ويعتبر أنّ “لبنان سيكون آخر دولةٍ توقّع على السّلام أو الصّلح أو التّطبيع مع إسرائيل، بعد توقيع سوريا والعرب، نظرًا لخصوصيّته واعتباراته الطّائفيّة والمذهبيّة، وكي لا يحصل أيّ خللٍ في التّوازن الدّاخلي في لبنان”.
ولكن عمّا إذا كان بلد الأرز سيستطيع الصّمود أمام الضّغوطات الأميركيّة، لا سيّما أنّه قد يتمّ اللّجوء إلى ربط انسحاب إسرائيل من الأراضي اللّبنانيّة كافّة ووقف خروقاتها، بموضوع توقيع اتفاقيّة سلام بين الجانبين، يرى أنّ “الولايات المتّحدة ستبقى على موقفها، أي أن تنزع الدّولة اللّبنانيّة سلاح “حزب الله”، وعندها هناك ضمانة بأن تنحسب إسرائيل من النّقاط الخمس، ويجري لاحقًا ترسيم الحدود البرّيّة وغير ذلك من الضمّانات. لكن حتّى السّاعة ليس هناك أيّ انسحابٍ إسرائيليٍّ، أو وقفٍ للعمليّات والاستهدافات الّتي باتت شبه يوميّة، كما لم تجتمع اللّجنة الخماسيّة الّتي تُشرف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النّار في لبنان، ولم تصدر أيّ إدانة… وكلّ ذلك يصبّ في إطار الضّغوط على لبنان لينزع سلاح الحزب، وعندها تأتي الضّمانات الأميركيّة بانسحاب إسرائيل ووقف الخروقات”.
بأناقةٍ، ستواصل أورتاغوس اعتماد سياسة “العصا والجزرة” الأميركيّة خلال زيارتها الثّالثة المرتقبة إلى بيروت. فهل ستأخذ الدّولة اللّبنانيّة بنصيحتها وتبدأ بالسّير على خطى الشّرع؟ وهل سيتمكّن لبنان من اللّحاق بقطار المتغيّرات الشّرق أوسطيّة؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | ![]() في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | ![]() جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |