اللبناني وصناديقه… التغيير يبدأ من الجرأة على التفكير!


خاص 26 أيار, 2025

 

تجربة السنوات الماضية أثبتت أنّ الرّهان على التغيير من داخل النظام ممكن، شرط أن يُقرَن بمحاولاتٍ جدّيةٍ لرفع نسبة الاقتراع، مع طرح رؤى جديدة وخيارات جريئة، تفرض على اللبنانيين أن يُفرزوا في صناديقهم نوابًا أحرارًا، قادرين على كسْر حلقة الجمود السياسي ومواكبة الدينامية الإصلاحية التي فرضها الرئيس العماد جوزاف عون.

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

نجح رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وحكومة العهد الأولى، الفتيّة، برئاسة نوّاف سلام، في فرض احترام الاستحقاقات الدستورية وإجراء الانتخابات البلدية والاختياريّة في موعدِها. ونجحوا أيضًا في سحب العديد من الذرائع التي لطالما استخدمتها الطغمة الحاكمة للهروب من الامتحان الشعبي؛ قبل أن تنقضّ على مكاسب وتنفيعات تنظيم الاستحقاق، بدءًا من تأمين الحبر الانتخابي بأسعارٍ خياليةٍ ولا تنتهي عند المولّدات الكهربائية لمراكز الاقتراع.

وسْط هذا المشهد، سجّل “الثنائي الشيعي” إطباقًا شبه كاملٍ على قرار بلداته المُدمّرة بفعل توريط “الحزب” لبنان في “تذوّق السمّ من باب التجربة” أمام العدوانية التي تُضمرها إسرائيل لكلّ ما تعتبره تهديدًا لأمنها. في المقابل، “عرَّت” بيروت نواب “فوْرة 17 تشرين”، وكشفت زيف تحالف الطغمة الحاكمة لضمان مناصفةٍ طائفيةٍ في مجلسها البلدي، وأثبتت أنَّ دينامية البيارتة، السنّية تحديدًا، تتجاوز لوائح الأضداد وجماعة “الإرادة الهدّامة” و”بيروت مدينتي”.

أمّا في الساحة المسيحية، فبعد خمولٍ واضحٍ للتيار الوطني الحرّ في معظم الأقضية، الذي اقتصر حضوره على قضم بعض المخاتير وأعضاء المجالس البلدية عبر العائلات والحسابات القروية، وجد باسيل نشوة الفوز في لائحة النائب السابق ابراهيم عازار في جزين، حيث أهدى أصوات الجزّينيين إلى الحبيب الأول، العماد ميشال عون، معلنًا أنّ ريح التيّار تهب من فوق جزين، ووعد بتأجيل “شكّ العلم” للاستحقاق المقبل عام 2026.

في المقابل، نجحت “القوات اللبنانية”، حتّى قبل فتح صناديق الاقتراع، في إدارة معركة التباهي بسيطرتها الانتخابية على الأرض، والرّهان على الإطباق على اتحادات البلديات؛ وحوّل “القواتيون” مشاركتهم المحدودة في عددٍ من الأعضاء إلى جانب ممثلي العائلات غير الحزبية في معظم المجالس البلدية إلى نصرٍ انتخابيّ ووجوديّ، وطائفيّ أحيانًا، باستثناء بلدات قضاء بشري، حيث النسيج الاجتماعي مختلف بغالبيته. ومع ذلك، سُجّلت معارضة لافتة للائحة “القوات” أفرزتها صناديق الاقتراع في بلدة بشري.

مع طغيان الحسابات المَحلّية على الانتخابات البلدية والاختيارية، وتصاعُد حزب المكايدات السياسية – النكايات – فوق أي مشروع جوهري أو إنمائي، برز انخفاض نسب الاقتراع كجرس إنذارٍ صريحٍ، أكّد نفور الناخبين من أحزاب الحرب الأهلية وموروثاتها البالية، وكذلك من السياسيين التقليديين، بل وبشكلٍ أدقٍّ، من متسلّقي “فوْرة 17 تشرين” وما أفرزته من إحباطاتٍ و”تعتير”!.

هذا الواقع يدفع الأكثرية الصامتة، المُنكفئة، إلى تحمّل مسؤولياتها، إلى جانب الناشطين الحقيقيين وقادة الرأي والإعلام المسؤول، اليوم قبل الغد، للشروع انطلاقًا من مؤشر استحقاق 2025، في إثبات إرادتهم الفعلية بمواكبة عهد الرئيس العماد جوزاف عون، والانخراط عمليًا مع الأحرار خارج القطعان الحزبية والطائفية في عملية إعادة إحياء الدولة وانتظام مؤسّساتها، مع تغليب تطبيق الدستور أوّلًا – الفيصل بين اللبنانيين – على أي مشاريع تقسيمية لا تغادر خيال أركان الحرب الأهلية والمُتاجرين بدماء الشهداء، ولا سيما الشهداء الجدد الذين لم تجفّ دماؤهم بعد، واعتبارها استفتاءً على ما تبقّى من “خطٍ” لم يُنتجْ سوى دمارٍ لكل بيئةٍ أومكوّنٍ حلّ به.

حصيلة الصناديق، والتحدّيات المتفاقمة في لبنان لا يجوز أن تكرّس عزوف اللبنانيين عن المشاركة، وكأنّهم فقدوا الإيمان بفاعلية العملية الانتخابية كوسيلةٍ للتغيير. لقد أثبتوا عام 2022 قدرتهم وإرادتهم على التغيير، على الرَّغم من أنّ المؤتمَنين على تمثيلهم تنصّلوا، بل خانوا وانقلبوا على الأمانة وإرادة التغيير.

اليوم، التغيير الإصلاحي المنشود في دولة المؤسسات لا يمكن أن يُولدَ من رحم التكرار. فالجمود في الأداء الانتخابي، وتكرار الخيارات نفسِها، لن يؤدّيا إلّا إلى إعادة إنتاج الأزمات ذاتِها، بل واستمرار الطغمة الحاكمة التي أوصلت البلاد والعباد إلى الانهيار. ومع بدء العدّ العكسي للانتخابات النيابية في أيار 2026، تبدو الحاجة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى لمراجعةٍ عميقةٍ في خيارات الناس الانتخابية؛ وأن يُقبلوا على صناديق الاقتراع بنهجٍ جديدٍ، سواء من خارج الصندوق أو حتّى من داخله، لكن بعقليةٍ مختلفةٍ.

تجربة السنوات الماضية أثبتت أنّ الرّهان على التغيير من داخل النظام ممكن، شرط أن يُقرَن بمحاولاتٍ جدّيةٍ لرفع نسبة الاقتراع، مع طرح رؤى جديدة وخيارات جريئة، تفرض على اللبنانيين أن يفرزوا في صناديقهم نوابًا أحرارًا، قادرين على كسْر حلقة الجمود السياسي ومواكبة الدينامية الإصلاحية التي فرضها الرئيس العماد جوزاف عون.

التغيير لا يُفرض من فوق، بل يُصنع من القاعدة الشعبية. وأمام اللبنانيين اليوم فرصةً حقيقيةً لصناعة هذا التغيير. فقط إن تجرّأوا على التفكير بطريقةٍ مغايرةٍ… واستعدّوا للتصويت بعقليةٍ مغايرةٍ ومنهجيةٍ مختلفةٍ في التقييم والاختيار.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us