طريق “الحزب” لـ”التحرير” تمرّ بجزين!


خاص 26 أيار, 2025

أتى تقرير موقع “الحزب” ليؤكّد أن ما شهدته جزين هو تكرارٌ بالسياسة لما جرى عام 1976. ويحاول “الحزب” مستخدمًا قناعًا هو “التيار” ورئيسه النائب جبران باسيل، القول إنّ السعي إلى “مجدٍ” جديدٍ يماثل 25 أيار 2000 يمرّ بجزين. ويحاول “الحزب” أيضًا أن يُعيد عقارب تاريخٍ لن يعود إلّا إذا عاد نظام بشار الأسد وعاد نصر الله الى الحياة.

كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:

عاش الجنوب نهاية الأسبوع الماضي مناسبتَيْن مهمّتَيْن جدًّا: الأولى، إجراء الانتخابات المرحلة الرابعة والأخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية يوم السبت. والثانية، ذكرى إنهاء إسرائيل احتلالها للجنوب قبل 25 عامًا أمس الاحد.

نقول إنّ المناسبتَيْن مهمَّتان جدًّا لأسبابٍ يجب عرضها. فإجراء الاستحقاق الانتخابي، إنجاز لا يعود إلى أنه يتحقّق بعد آخر مرة من إجرائه عام 2016، بل لأنها الانتخابات الأولى من نوعها منذ انهيار لبنان عام 1975. فقبل نصف قرن، كانت هناك دولة فتلاشت الى أن عادت لتطلّ مجدّدًا منذ بداية هذا العام. وأتت عبارات رئيس الجمهورية جوزاف عون بعدما أدلى بصوتِه في صندوق الاقتراع في قريته العيشية لتعلن ولادة الدولة من جديد. فقد عبّر الرئيس عون عن فرحته بأنّه يمارس حقّ الاقتراع للمرة الأولى منذ 4 عقود. قد يُخيّل أنّ عون يتحدّث عن حقبةٍ كان فيها في المؤسسة العسكرية والتي لا تمنح لأفرادها حقّ الاقتراع. لكن، وعلى الرَّغم من وجاهة هذا الاعتقاد، إلّا أن جوهر الحدث في مكان آخر. ويتمثّل بقيام رئيس الجمهورية بممارسة حقّ الاقتراع بثيابٍ مدنيةٍ بحماية قوةٍ أمنيةٍ وحيدةٍ هي الجيش. ولو افترضنا أنّ الانتخابات جرت العام الماضي في موعدها الذي أُنجز هذه السنة، كان هناك سلاح “حزب الله” في مكانٍ ما سواء في داخل العيشية او على تخومها.

ونأتي إلى المناسبة الثانية والمهمّة جدًّا، ألا وهي ذكرى إنهاء إسرائيل احتلالها للجنوب في 25 أيار 2005. ويرفض “حزب الله” بشدّة استخدام هذا التوصيف للمناسبة ويذهب الى اتّهام من يستخدمه بـ”الخيانة العظمى”. وفرض “الحزب” على مدى ربع قرنٍ وصْف المناسبة بـ”التحرير” التي تعني إنجازًا حقّقه “حزب الله” بالقوّة العسكرية، والتي لولاها لما كان هناك انسحاب من الجنوب.

نتوسّع هنا بالعودة الى آخر مرّة أطلّ فيها الأمين العام السابق لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله ليتحدّث عن هذه الذكرى. ففي كلمةٍ وجهها في 24 أيار 2024، اعتذر عن إحياء الاحتفالات ليس فقط بسبب الحرب التي أشعلها الحزب في 8 تشرين الأول 2023 إسنادًا لحرب حركة “حماس” في غزّة، بل بسبب مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورفاقه في حادث تحطّم المروحية التي كانت تقلّهم في ذلك الوقت. وما قاله نصر الله في الاحتفالات الملغاة: “نُبارك لكم جميعًا ولكلّ الشعب اللبناني ولكلّ المقاومين والشرفاء والاحرار في المنطقة والعالم هذه المناسبة الجليلة التي هي عيد المقاومة والتحرير في 25 أيار2000، والتي كانت انتصارًا كبيرًا على العدو وهزيمة نكراء وتاريخية التي فرضت على العدو انسحابًا بلا قيد وبلا شرط”.

ألغى نصر الله عيدًا يمثّل “هزيمةً نكراء وتاريخيةً” لإسرائيل كرمى الحزن على الرئيس الإيراني. وتولّى نصر الله في كلمته هذه والتي كانت الأخيرة له في هذه المناسبة بعدما سقط في الغارة الإسرائيلية في أيلول الماضي، تأكيد أولوية مناسبة الحزن على الفرح بالعيد لأن الصانع الحقيقي لـ”التحرير” هما إيران أولًا ثم سوريا ثانيًا.

سيطول البحث الذي سيتواصل لاحقًا حول التوظيف الذي استمرّ نصف قرن لمناسبة إنهاء إسرائيل احتلالها لمناطق في جنوب لبنان تطبيقًا للقرار الدولي 425. لكنّ هذا التوظيف انتهى إلى غير رجعة باتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي والذي وقّعه بالأصالة ورثة نصر الله وبالنّيابة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بدعمٍ لامحدودٍ من الرئيس نبيه بري.

دخل لبنان منذ توقيع هذا الاتفاق مرحلةً أعادته الى الزّمن الذي أُبرمت فيه اتفاقية الهدنة مع إسرائيل عام 1949 والتي دامت 20 عامًا قبل أن يغرق لبنان في وحل اتفاقية القاهرة عام 1969 والتي كانت بمثابة الإشعار الأول بأنّ زمن الدولة آيل الى السقوط فكان مدوّيًا عام 1975، وها هو اليوم يبدأ رحلة النهاية هذه السّنة.

يأتي الآن دور عنوان هذا المقال “طريق الحزب للتحرير تمرّ بجزين”. يُعيدنا العنوان الى عبارةٍ شهيرةٍ أطلقها مسؤول فلسطيني كبير، هو أبو أياد أحد قياديي حركة “فتح” بزعامة ياسر عرفات الذي كان يحكم لبنان فعليًا عندما اندلعت حرب لبنان عام 1975. وتُفيد محفوظات ذلك التاريخ بأنّه خلال عام 1976 دارت اشتباكات على جميع المحاور من بيروت الى أعالي المتن وكسروان. وأدلى أبو أياد بتصريحٍ قال فيه: “إن طريق القدس تمرّ من جونية ومن قصر بعبدا”.

في سياقٍ يبدو مشابهًا، أورد موقع “العهد” الالكتروني التابع لـ”حزب الله” أمس تقريرًا مفصّلًا للانتخابات في جزين. تحت عنوان “التيار الوطني الحرّ يُخرج “القوات اللبنانية” من جزين” جاء في التقرير: “احتفل العونيّون، في جزين، بفوزهم الساحق على “القوات اللبنانية” وحزب “الكتائب”، وألقى رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل كلمةً في المناسبة؛ رأى فيها أنّ جزين ستبقى “قلعةً عونيةً”. ووجّه باسيل تحيةً إلى جميع الجنوبيين وللتيار الذي أثبت في الجنوب أنّه من صيدا إلى الزهراني إلى صور وبنت جبيل ومرجعيون وجزين القلعة”.

أتى تقرير موقع “حزب الله” ليؤكّد أن ما شهدته جزين أمس هو تكرارٌ بالسياسة لما جرى عام 1976. يحاول “الحزب” مستخدمًا قناعًا هو “التيار” ورئيسه النائب جبران باسيل، القول إنّ السعي إلى “مجدٍ” جديدٍ يماثل 25 أيار 2000 يمرّ بجزين. ويحاول “الحزب” أن يُعيد عقارب تاريخٍ لن يعود إلّا إذا عاد نظام بشار الأسد وعاد نصر الله الى الحياة.

تكمُن مشكلة “حزب الله” وجوقته الجديدة في أنّهم لا يقرأون التاريخ. ولن يتأخّر الوقت حتى يتبيّن أن جزّين على خطى جونية كي تؤكّد أنّها باقية لبنانية مهما حاول ما تبقى من “الحزب” تصويرها فارسيّة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us