خسارة لا تُعوَّض: “شبكة العنكبوت” الأوكرانية تدمّر 13 قاذفةً استراتيجيةً في عمق روسيا

عرب وعالم 4 حزيران, 2025

تلقّى سلاح الجو الروسي واحدةً من أعمق الضربات منذ اندلاع الحرب، بعدما نجحت أوكرانيا في تنفيذ عملية نوعية معقّدة استهدفت قواعد جوية استراتيجية داخل الأراضي الروسية، وأدّت إلى تدمير أو إلحاق أضرار جسيمة بما لا يقلّ عن 13 طائرة حربية، بينها 8 قاذفات من طراز Tu-95 بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية.

العملية، التي حملت اسم “شبكة العنكبوت”، لم تُظهر فقط تطور القدرات الهجومية الأوكرانية، بل وجّهت ضربةً مباشرةً لهيبة روسيا الجوية، وسط تقديرات استخباراتية بأن بعض القاذفات المستهدفة قد تكون غير قابلة للتعويض، مما يشكّل نزيفًا استراتيجيًا لأسطول موسكو الجوي وقدراته على شنّ ضربات بعيدة المدى.

وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية ذكرت نقلًا عن خبراء أن الطائرات الروسية المتضرّرة جرّاء الهجوم الأوكراني على قواعد في العمق الروسي بلغت 13 طائرة على الأقل، وفقًا لما رصدته صور الأقمار الاصطناعية.

وأوضحت الصحيفة الأميركية أن الطائرات المتضررة شملت ما لا يقل عن 8 قاذفات من طراز Tu-95 بعيدة المدى قادرة على حمل أسلحة نووية.

وقد استخدمت هذه الطائرات بشكل متكرر في الحملة الجوية الروسية ضد أوكرانيا، وفقًا لويل غودهيند، محلل البيانات الجغرافية المكانية في “كونتيستد غراوند”، وهو مشروع بحثي يستخدم صور الأقمار الاصطناعية لتتبع النزاعات المسلحة.

وأشارت “واشنطن بوست” إلى أنها خلصت لهذه النتائج بعد مراجعةٍ أجرتها للفيديوهات المؤكدة وصور الأقمار الاصطناعية.

واعتمدت عملية “شبكة العنكبوت” على تهريب طائرات مسيّرة إلى داخل روسيا، حيث تمّ نقلها داخل صناديق مموّهة على متن شاحنات إلى مواقع الإطلاق، قبل أن تُستخدم في استهداف طائرات قاذفة قادرة على حمل أسلحة تقليدية ونووية.

وأعلنت أوكرانيا أن أكثر من 40 طائرة تعرّضت للتدمير أو لأضرار جسيمة، فيما اعترفت روسيا فقط بتضرر “عدد من الطائرات نتيجة اندلاع حريق”.

أما المحلّلون المستقلّون المعتمدين على مصادر مفتوحة، فيقدّرون العدد بما بين 10 إلى 12 طائرة.

وكشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن نتائج الهجوم الأوكراني بالطائرات المسيّرة، بينت أن روسيا فقدت قاذفات قد لا تتمكن تعويضها أبدًا، وأن أسطولها الجوي تلقّى ضربةً موجعةً قد تدفع موسكو إلى إعادة النظر في أسلوب شنّ غاراتها على أوكرانيا، إضافة إلى أن ضربات عميقة داخل الأراضي الروسية كشف كلفة الحرب الطويلة.

وأشار التقرير إلى أن صور الأقمار الاصطناعية وتحليلات الخبراء أوضحت ضخامة العملية، مضيفًا أن الجرأة الأوكرانية، التي تمثلت في التخطيط السري على مدى 18 شهرًا لإخفاء طائرات مسيرة داخل شاحنات بهدف ضرب قواعد جوية على بعد آلاف الكيلومترات من كييف، قابلها حجم كبير من الخسائر في صفوف سلاح الجو الروسي.

لكن الأهم بالنسبة لكييف، حسب التقرير، هو إثباتها قبيل مفاوضات وقف إطلاق النار في إسطنبول، أنها قادرة على تغيير قواعد اللعبة، وإيصال رسالة واضحة للكرملين مفادها بأن الأهداف الواقعة في عمق روسيا أصبحت معرضة للخطر، حتى من دون استخدام أسلحة غربية.

ويقول مايكل كوفمان المحلل العسكري في مؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي”، إن الضربات الأوكرانية قلّصت قدرة روسيا على تنفيذ ضربات من مسافة بعيدة، عبر تدمير طائرات يصعب على موسكو تعويضها.

وأضاف: “قد لا يكون ذلك كافيًا لوقف الغارات الروسية على أوكرانيا، نظرًا لحجم أسطول القاذفات، لكنه يثبت أن مواصلة الحرب سيكلف روسيا الكثير، ليس فقط عسكريًا، بل من حيث مكانتها كقوة كبرى”.

وقال محللون لصحيفة “فايننشال تايمز” إن الطائرات التي تم استهدافها تمثل نحو 20% من القاذفات الروسية البعيدة المدى الجاهزة للاستخدام. وهي طائرات مصممة لتنفيذ هجمات عميقة داخل أراضي الخصم، وتحمل حمولات ثقيلة.

وأشار فابيان هوفمان، الباحث في جامعة أوسلو، إلى أن هذه الطائرات كانت من بين الأكثر جاهزية، بينما كانت غيرها تخضع للصيانة، ما يجعل خسارتها أكثر إيلاما.

أمّا ويليام ألبيرك، المسؤول السابق في حلف شمال الأطلسي والذي يعمل حاليا في مركز “ستيمسون”، فيقول إن الطائرات المستهدفة استخدمت لقصف أهداف مدنية داخل أوكرانيا، بينها الموجات الأخيرة من الهجمات.

أميركا لا تعلم

في المقابل، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكن على علم مسبق بهجمات أوكرانيا بطائرات مسيّرة على قواعد جوية في العمق الروسي.

وبما يخص مفاوضات وفق إطلاق النار، قالت ليفيت إن الولايات المتحدة حققت تقدمًا خلال أربعة أشهر فقط في ملف حرب أوكرانيا وروسيا “بفضل إصرار الرئيس ترامب على إنهائها”، معتبرةً أنه كان “من غير المعقول” أن تدخل موسكو وكييف في “محادثات مباشرة”.

وأضافت: “كما تعلمون، فإن روسيا وأوكرانيا انخرطتا في محادثات مباشرة، وكان ذلك بتشجيع من الرئيس ترامب، عندما تحدث مع قادة البلدين عبر الهاتف قبل بضعة أسابيع فقط”.
واعتبرت ليفيت أن ترامب “احتفظ بخيار العقوبات على روسيا بحكمة، كأداة في جعبته إذا لزم الأمر”، لافتةً إلى أن مجلس الشيوخ، وكل من في الكونغرس “يحترمون أن الرئيس هو القائد الأعلى”.

“شبكة العنكبوت”

ووصفت أوكرانيا الهجوم الذي نفذته بطائرات مسيّرة على قواعد جوية في العمق الروسي، بأنه أحد أكثر العمليات تعقيدًا وجرأةً منذ بدء الحرب، خصوصًا أنه نُفذ على بعد آلاف الكيلومترات من جبهات القتال.

ومثلت عملية “شبكة العنكبوت”، تحولًا في قدرات كييف الهجومية، إذ زعمت أنها استهدفت أكثر من 40 قاذفة، أي حوالي ثلث أسطول القاذفات الاستراتيجية الروسية، التي “تضررت أو دمرت” في هجوم الأحد، من بينها قاذفات استراتيجية قادرة على حمل صواريخ نووية. فيما قالت موسكو إن الهجوم تسبّب في اشتعال نيران في عدد من الطائرات في قاعدتين بإقليم إيركوتسك في سيبيريا ومقاطعة مورمانسك في الشمال، وأكّدت أن الحرائق أُخمدت.

وأكدت مصادر أوكرانية أنّ جهاز الأمن الأوكراني هو الذي قاد العملية الخاصة، مشيرةً إلى أن الطائرات من دون طيار تمكنت من ضرب أهداف عسكرية “شديدة التحصين” في الأراضي الروسية الخلفية، وسط صمت رسمي من جانب موسكو حول حجم الخسائر الفعلي.

وتعكس العملية وفق مراقبين تطورًا ملحوظًا في القدرات التقنية والاستخباراتية لكييف، خصوصًا أن تنفيذ مثل هذه الهجمات يتطلب معلومات دقيقة ومحدثة باستمرار حول أماكن تمركز الطائرات، ومسارات التأمين، ونقاط الضعف في الدفاعات الجوية الروسية.

وقد أشرف على سير العملية شخصيًا رئيس أوكرانيا والقائد الأعلى للقوات المسلحة، فولوديمير زيلينسكي. أمّا من نفّذ الخطة فكان فاسيل ماليوك وفريق جهاز الأمن الأوكراني.
وبحسب مصادر متابعة، فإنّ هذه العملية كانت شديدة التعقيد من الناحية اللوجستية. ففي البداية، قام جهاز الأمن الأوكراني بتهريب طائرات مسيّرة من نوع “FPV” إلى داخل روسيا، ثم أرسل لاحقًا بيوتًا خشبية متنقلة.

وفي وقتٍ لاحقٍ، خُبئت المسيّرات داخل هذه البيوت المثبتة على شاحنات، وفي اللحظة المناسبة، فُتحت أسطح البيوت عن بُعد، وانطلقت المسيّرات لضرب القاذفات الروسية.
وتؤكد مصادر في جهاز الأمن الأوكراني أن الأشخاص الذين شاركوا في هذه العملية التاريخية موجودون في أوكرانيا منذ فترة طويلة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us