ضريبة المحروقات: انعكاس تداعياتها على الاقتصاد اللبناني


خاص 5 حزيران, 2025

لا خلاف على أنّ أي زيادة في كلفة المحروقات ستنعكس بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشرٍ على كل مفاصل الحياة الاقتصادية، لكنّ الثابت الوحيد أن المواطن يبقى الطرف الأضعف الذي يتحمّل عبء هذه السياسات، سواء عبر فواتير الكهرباء، وأسعار السلع، أو كلفة التنقل والخدمات.


كتب أنطوان سعادة لـ”هنا لبنان”:

“قامت الدنيا ولم تقعد” بعد إعلان الحكومة اللبنانية فرض ضريبةٍ جديدةٍ على المحروقات، فصفيحة البنزين أصبحت مشمولةً برسمٍ إضافيّ بقيمة 100 ألف ليرة، وصفيحة المازوت بـ174 ألف ليرة.

هذا القرار، الذي فُرض في لحظةٍ اقتصاديةٍ حرجةٍ، فجّر موجة غضبٍ واسعةٍ لدى مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية، واعتُبر خطوة غير مدروسة تأتي على حساب ما تبقّى من قدرة المواطنين الشرائية، وتزيد من هشاشة بيئة الأعمال في البلاد.

فمن قطاع السياحة الذي يترقّب موسمًا صيفيًا كان يُعوّل عليه لتعويض خسائر السنوات الماضية، إلى القطاع الزراعي الذي يواجه أصلًا صعوبات في التموين والإنتاج، مرورًا بالنقل والمولدات الخاصة، عبّر ممثلو هذه القطاعات عن استيائهم العميق، محذّرين من انعكاسات كارثية على الأسعار، والتوظيف، واستمرارية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

نقابات الزراعة عبّرت أيضًا عن تخوّفها من ارتفاع كلفة الري والنقل والتبريد، ما سيؤدي إلى تراجع الإنتاج المحلي، وزيادة الاعتماد على الاستيراد، في وقتٍ تشهد فيه الأسواق العالمية تضخمًا حادًّا.
أمّا نقابات السياحة، فأكدت أن كلفة النقل المرتفعة ستنعكس على أسعار الخدمات الفندقية والمطاعم، مما سيُضعف جاذبية لبنان كمقصدٍ سياحي، وسط منافسة إقليمية محتدمة.

في المقابل، يشعر المواطن العادي بأنه الحلقة الأضعف في سلسلة القرارات الحكومية، إذ يدفع ثمن كل زيادة من جيبه مباشرة، سواء عبر فواتير المولدات، أو النقل العام، أو أسعار السلع والخدمات.

الحكومة تبرّر: الاستفادة من انخفاض الأسعار العالمية لتثبيت الإيرادات

في المقابل، تشير معلومات مطّلعة إلى أنّ الحكومة اللبنانية استندت في قرارها إلى معطياتٍ تتعلّق بسوق النفط العالمية. فمع التراجع الملحوظ الذي سجلته أسعار النفط في الأشهر الأخيرة، رأت الحكومة أن هناك هامشًا يمكن استغلاله لزيادة إيراداتها من المحروقات من دون أن ينعكس ذلك فورًا على أسعار الضخّ أو على كلفة الاستهلاك الفعلية للمواطن، مقارنةً بالحقبات السابقة.

مصادر حكومية تؤكّد أن أسعار البنزين والمازوت، حتّى بعد فرض الرسم الجديد، لا تزال أدنى من المستويات التي سادت في ذروة أزمة الطاقة العالمية خلال الفترات الماضية. وتعتبر أنّ المستهلك اللبناني سبق أن تأقلم مع أسعارٍ أعلى في ظلّ ارتفاع أسعار النفط عالميًا، من دون أي تدخل مباشر من الدولة في حينها.

قراءة نقدية: الهامش الزمني للاستفادة قد يكون قصيرًا

على الرغم من وجاهة الطرح الحكومي من ناحية الاستفادة من انخفاض أسعار النفط عالميًا، إلّا أنّ الإشكالية الأعمق تكمن في قابلية هذا الانخفاض للاستمرار. فإذا كانت الحكومة قد رأت في هذه اللحظة فرصةً لفرض رسومٍ إضافيةٍ مستفيدةً من تراجع الأسعار، فإنّ ما يغيب عن هذا المنطق هو قابلية السوق العالميّة للانعكاس السريع.
فأسعار النفط خاضعة لعوامل جيوسياسية دقيقة، وأي توتر إقليمي، أو قرار من منظمة أوبك+، أو حتّى اضطرابات في سلاسل التوريد، قد يُعيد الأسعار إلى مسارٍ تصاعديّ في فترة وجيزة. وهنا تكمن الخطورة: فعندما ترتفع الأسعار عالميًا، ستجد السوق اللبنانية نفسها أمام معادلةٍ مزدوجةٍ – سعر نفط مرتفع + ضريبة داخلية ثابتة – ما يضاعف العبء على المواطنين والقطاعات الإنتاجية، ويقود تلقائيًا إلى موجةٍ جديدةٍ من التضخم.
وبالتالي، فإنّ هذا الرسم الذي يبدو مقبولًا في لحظة انخفاض، قد يتحوّل إلى عنصر ضغطٍ كبيرٍ في لحظة ارتفاع، ما لم تكن هناك آلية تلقائية لمراجعته أو إعادة تقييمه دورياً بحسب حركة الأسواق العالمية.
غياب هذه المرونة قد يُضعف ثقة الأسواق، ويُعقّد قدرة الدولة على التفاعل السريع مع التطورات.

القطاعات الإنتاجية تحت ضغط إضافي

يشكّل قرار رفع الرسوم على المحروقات ضربةً مزدوجةً للقطاعات الإنتاجية الأساسية في لبنان، في مقدمها الصناعة، الزراعة، والسياحة. فالقطاع الصناعي الذي يعتمد في شكلٍ شبه كاملٍ على المازوت لتأمين الكهرباء في ظلّ انقطاعٍ مزمنٍ من مؤسسة كهرباء لبنان، سيواجه ارتفاعًا مباشرًا في كلفة الإنتاج، ما يُهدّد قدرته التنافسية ويُضعف فرصه في التصدير، فضلًا عن خطر إقفال بعض المصانع الصغيرة التي لا تحتمل أي عبء إضافي.
أما القطاع الزراعي، الذي يعتمد على المحروقات في تشغيل مضخّات الريّ، الآلات الزراعية، وتبريد الإنتاج، فسيشهد تضخمًا في كلفة الزراعة قد يدفع العديد من المزارعين إلى تقليص أنشطتهم أو العزوف عنها بالكامل. وهذا ما أشار إليه نقيب المزارعين والفلاحين بوضوح، معتبرًا أن القرار يشكّل ضربةً قاسيةً لقطاعٍ بالكاد يصمد أمام ارتفاع أسعار المستلزمات والعمالة.
وفي موازاة ذلك، أبدت القطاعات السياحية اعتراضًا واسعًا على هذا القرار، خصوصًا أن كلفة الكهرباء في لبنان تُعدّ من بين الأعلى عالميًا، وتؤثر سلبًا في تسعير الخدمات الفندقية والمطعمية.
وقد حذّرت نقابات الفنادق والمطاعم من أن زيادة أسعار المحروقات في بداية موسم الصيف تهدّد تنافسية لبنان كوجهةٍ سياحيةٍ، في ظلّ منافسةٍ إقليميةٍ حادةٍ من دولٍ تقدّم كلفة تشغيل أقل بكثير مثل تركيا والأردن ومِصر.

في المحصلة، لا خلاف على أنّ أي زيادة في كلفة المحروقات ستنعكس بشكل مباشر وغير مباشر على كل مفاصل الحياة الاقتصادية، لكنّ الثابت الوحيد أن المواطن يبقى الطرف الأضعف الذي يتحمّل عبء هذه السياسات، سواء عبر فواتير الكهرباء، وأسعار السلع، أو كلفة التنقل والخدمات.
اللافت أن هذه الزيادات تأتي في سياق تسويقٍ حكومي بأنها تهدف إلى تمويل منحٍ استثنائيةٍ للعسكريين، وهي فئة تستحق بطبيعة الحال تحسين أوضاعها المعيشية في ظلّ الظروف الصعبة. لكنّ التساؤل المشروع الذي يُطرح هنا: ماذا لو لم تُقرّ هذه الزيادات للعسكريين كما هو متوقّع أو كما روّج له؟ هل نكون أمام رسمٍ جديدٍ فُرض بلا مقابل، وبلا إصلاح حقيقي في إدارة المالية العامة؟.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us