مستشارون لنزع السلاح… لا لمراكمة الأزمات!


خاص 9 حزيران, 2025

ما ينقص لبنان هو القرار. قرار بإنهاء حالة ازدواج السلطة، وبتفعيل وقف إطلاق النار بمندرجاته كافة، بما يشمل حصر السلاح بيد الدولة، وسحب الذرائع من يد إسرائيل ومن يد “الحزب” على حدٍّ سواء.

كتب طوني كرم لـ”هنا لبنان”:

يتخطّى خطر استهداف الضاحية الجنوبية أو الاغتيالات في الجنوب، الخسائر البشرية والمادية، ليطال صورة الدولة وصدقيتها وقدرتها على حماية سيادتها وتطبيق التزاماتها الدولية. ومع كلّ صمتٍ رسميّ، أو تبنٍّ لردّ شعبي رمزي، يتعمّق الانطباع أنّ السلاح غير الشرعي يستدرج النار والدمار، ويصادر القرار، ويقوّض أي فرصة للنهوض.

ووسط الأزمات المتراكمة، لا يزال البعض يتعاطى مع السلاح الفلسطيني والإيراني وكأنّه تفصيل قابل للتأجيل. في المقابل، تقف الدولة، بكل مؤسّساتها، مكبّلة. والنتيجة واحدة: بلد مشلول، اقتصاد معزول، واستهدافات إسرائيلية متكرّرة لا تجد في لبنان رادعًا، لا عسكريًا ولا سياسيًا، بل بيئة رخوة، و”سلطة مفككة”، وخطاب داخلي غارق في تبرير الفوضى؛ واعتبار أنّ وجود السلاح ضمانة بحدّ ذاته. لكن ما الذي تبقّى من هذه الضمانة عندما تتحوّل بيئة السلاح إلى هدفٍ دائمٍ ومكشوفٍ للغارات، فيما “الحزب” يلتزم الصمت، ويتراجع عن معادلات الرّدع السابقة؟

أبعد من الغارات، يتقدّم مشهد أخطر: تحويل القوى الدولية العاملة في لبنان إلى “عدوّ افتراضي” من خلال افتعال حوادث صدام معها، ومحاولات متكرّرة لتشويه دور “اليونيفيل” عشية تجديد ولايتها، بذريعة أنّ هذه القوات باتت تمثل “مُراقبًا” لبيئة المقاومة. وما لا يُقال صراحة، يُترجم على الأرض: من حوادث احتكاك مفتعلة، إلى رفع راياتٍ حزبيةٍ على آليات القوات الدولية، وكأنّ المطلوب تكريس أمر واقع داخل الجنوب، يُقصي الدولة، ويمنع تنفيذ القرارات الدولية بكل مندرجاتها.

في هذا الوقت، يتلهّى أصحاب القرار في الداخل بتقاذف المسؤوليات. رئيس يخشى على صلاحياته من حراك رئيسٍ آخر أنشط منه. مقارّ رئاسية تتحصّن في اشتباكٍ سياسيّ لا ينتهي. مستشارون يتكاثرون على موائد التنفيعات، لا على طاولات التخطيط. ولا صوت يتقدّم على صوت الشعبوية، وكأن لبنان لا يواجه انهيارًا وجوديًا، بل مجرّد أزمة حكم أو انتخابات.

ما يحتاجه لبنان ليس تسويةً ظرفيةً، ولا مؤتمرات “فرنسيّة” وحوارات جديدة، بل نفضة كاملة في العقل السياسي. الانطلاقة من مكان واحد: لا مشروع نهوض في ظلّ سلاح غير شرعي. وهذا ما بدا يتّضح في العلن، بعد أن سُرِّبَ في الخفاء قبل أسابيع. فلا استثمارات، ولا سياحة، ولا دعم دولي، في ظلّ واقع أمني مفخّخ يضع البلد في خانة “المنطقة الرمادية” دوليًا.

ما ينقص لبنان هو القرار. قرار بإنهاء حالة ازدواج السلطة، وبتفعيل وقف إطلاق النار بمندرجاته كافة، بما يشمل حصر السلاح بيد الدولة، وسحب الذرائع من يد إسرائيل ومن يد حزب الله على حدٍّ سواء. هذا لا يتحقّق إلّا من خلال إرادةٍ رئاسيةٍ موحّدةٍ، ومستشارين يمتلكون الشجاعة والخبرة لاختراق جدار الأزمة، وفتح الباب أمام نقاشٍ جدّي حول سبل تطبيق القرار 1559، بدلًا من التنظير للمقاومة والعيْش على أمجاد زمنٍ انتهى.

المؤشرات تقول إنّ المجتمع الدولي قد يمنح لبنان فرصةً، ولكن بشروطٍ واضحةٍ. لا أحد مستعدّ لتمويل بناءٍ جديد فوق أنقاض دولةٍ مغتصبةٍ من الداخل. لا أموال، لا استثمارات، ولا مؤتمرات إعمار، طالما بقيت الميليشيات تملك قرار السّلم والحرب، وطالما أنّ لبنان عاجز حتى عن إعلان موقف واضح وفعلي من استهداف أراضيه.

البلد لا يحتاج إلى رفع أصابع أو بيانات غضب واستنكار. بل إلى عقلٍ باردٍ، وخطةٍ فعليةٍ، تنطلق من مصالحةٍ حقيقيةٍ بين حزب الله والدولة، لا بمعنى الاستيعاب، بل بمعنى الانضواء الكامل في منطق المؤسّسات. فلا قيمة لأي سلاح يعجز عن حماية بيئته، ولا جدوى من خطاب مقاومة ينتهي عند حدود التفاوض السياسي على مكتسباتٍ داخليةٍ، تبدأ بتعيين مختار ولا تتعدّى إقفال ملف قضائي أو تعيين موظف هنا وقاضٍ هناك.

إنّ أي محاولة جديدة أو تفكير لجرّ لبنان إلى صراعٍ، أو لتوريطه في حروبٍ استباقيةٍ، ستكون بمثابة إنهاء لما تبقّى من فرص الإنقاذ. والمعركة اليوم لم تعدْ مع الخارج، بل مع الداخل. المعركة هي مع عقلية ترفض الدولة، وتريد إبقاء لبنان في حالة طوارئ دائمة. والخيار أمام المسؤولين ليس نظريًا ولا مؤجلًا: إمّا مستشارون لحلّ أزمة السلاح وفرض تطبيق الدستور أولًا، أو تكرارًا قاتلًا لوصفة الانهيار واللّادولة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us